قراءة في كتاب

أين الإسلام من متطلّبات العصر

 

ربى حسين ..

"إن أعظم شعب؛ هو الشّعب هو الّذي يشغل نفسه بالجانب التّربوي". من هذا المنطلق كانت المحاضرات التّربوية للعلّامة الشّهيد مرتضى مطهّري، والّتي جمعت في كتاب "الإسلام ومتطلّبات العصر".

تعتبر هذه القضيّة من القضايا الاجتماعيّة المهمّة الشباب المثقف في عصرنا الحاضر، بحيث من الضّروري معرفة ظروف العصر ومتطّلباته، والمعرفة الصّحيحة للإسلام الحقيقي. في ظلّ معارضين كثر يعتبرون أنّ "الإسلام" و "متطلّبات العصر" نقيضان لا يجتمعان، فإمّا أن نتمسّك بالإسلام مبتعدين عن كلّ أنواع التّحديث والتّجديد، معطّلين الزّمن عن حركته التّطوريّة، وأما نستسلم لمتطلّبات العصر مُطلّقين الإسلام بإعتباره ظاهرة تتعلّق بالماضي السّحيق. فكان هذا الكتاب خير بيان لحقيقة الإسلام.

 

التّطور في عنصر الزّمن

لأفلاطون "المدينة الفاضلة" الّتي يقول فيها: "إنّ العالم لا يرى السّعادة إلّا في زمان يكون فيه الحكماء حكّامًا، والحكام حكماء، أما إذا كان الحكماء شريحة، والحكام شريحة أخرى فلا يرى سعادةً أبدا".

يعتبر الشّهيد مطهّري في الفصل الأول من الكتاب؛ أنّ عصر السّعادة الحقيقيّة للبشريّة هو عصر ظهور الإمام المهدي، فأولى ميزاته تحكّم العقل لا الهوى في مختلف الميادين. ويعبّر أمير المؤمنين (ع)  بأنّه عصر يرتشف فيه النّاس كأس العلم والمعرفة. وورد في الكافي: إنّ في عصر الظّهور، يضع المهدي يده على رؤوس النّاس فتزداد عقولهم.

(وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) ويؤّكد الشّهيد؛ أنّ تطور الأزمنة لم يعارض انتشار المسلمين وازديادهم حتّى بعد وفاته (ص)، وها هم يدخلون في دين اللّه أفواجاً. إن هؤلاء المسلمين قد ذكروا في الإنجيل كالزّرع الّذي يخرج ورقه الرّقيق (أخرج شطأه) الّذي كلّما انتشر في الأرض قوي (فآزره) ومن بعده يكون سميكًا (فاستغلظ) وحين ينظر إليه الزّراع يغمرهم العجب وينبهرون. ونذكر هنا ما قاله الفيلسوف الأميركي ويل ديوارنت: "لا حضارة تبعث على الانبهار كالحضارة الإسلاميّة".

 

جعلناكم أمّةً وسطا

ومن ثمّ تطرّق الشّهيد مطهّري في معرض حديثه إلى صفة الاعتدال الّتي يتميّز بها الدّيني الإسلامي البعيد كلّ البعد عن الإفراط والتّفريط. وقد تمّ عرض آراء مدرسة أهل البيت ومدرسة المذاهب الأربعة في مسألة دور العقل في المسائل الدّينيّة واستنباطها. وقد أورد القرآن في هذا الصدد: "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلّوك عن سبيل اللّه". وذلك لأنّهم لا يتّبعون العقل: "إن يتّبعون إلّا الظّن وإنّ هم إلّا يخرصون".

فالله تعالى جعل العقل بكيفيّة لا يسير معها وراء شيئ من الأشياء، ما لم يحصل له العلم واليقين به. وقد هدف الشّهيد مطهّري من وراء ذلك؛ إلى أنّه يمكن تحصيل الاعتدال الّذي أراده الإسلام لكل زمان عن طريق العقل المكرّم في الإسلام.

 

ظاهرة العصر

"إنّي جاعل في الأرض خليفة"، سمّي الإنسان خليفة، ولهذه التّسمية أسبابها؛ فاللّه عزّ وجل أودع في الإنسان قابليّة الإبداع، بحيث يمكن أن يلعب دورًا مؤثّرًا في الحياة، ويضع حضارته بتخطيطه وإبداعه. وهنا يستطيع إنسان عصر ما، التّمييز بين الظّواهر المستجدّة وتقويمها حسب المعايير الإسلاميّة الصّحيحة. يرفض الشّهيد مطهّري فكرة أن تفرض ظاهرة ما في عصر ما فرضًا، وإن كانت رغبة الغالبية تفرض ذلك. ويتساءل الشّهيد عن ذنب الإسلام الّذي يريد خير الإنسان وسعادته، وأمنه؟! وقد وضع الشّهيد مسألة جريمة السّرقة وعقوبتها الإسلاميّة على بساط البحث. فاليوم يرفض العالم قطع يد السّارق، لكنّه لا يزال قاصرًا عن إيجاد بديل أفضل لاجتثاث هذه الجريمة من أساسها، ويرد قائلًا: "وإلّا فإننا نأخذ به، ونقبل به بكل رحابة صدر".

كما ويضيف أنّه لا ينبغي الخلط بين متطلّبات العصر ورغبة النّاس وإعجابهم، أو الظّواهر الّتي تبرز في كلّ عصر. فالحاجات الأوّليّة للإنسان ثابتة، أمّا الحاجات الثّانويّة الّتي توصل الإنسان إلى الحاجات الأوليّة فهي متغيّرة، والإنسان العاقل يكيّف نفسه مع متطلّبات العصر الّتي هي في تغيّر وتطوّر دائم.

كما وينفرد شيعة أهل البيت (ع) بميزة الاعتقاد بوجود الأئمة، وبحيث امتدّت فترة العصمة عندهم ل (273) سنة، كانت 250 سنة منها مراحل تولّي الأئمّة (ع). فخلال هذه الفترة الّتي شهدت تطوّرات مهمة، واكب الأئمّة هذه التّطوّرات وكانوا بالمستوى المطلوب لمتطلّباته.

 

الاجتهاد والتّفقّه في الدّين

في هذا الفصل يطرح الشّهيد مسألة الاجتهاد؛ على أنّها القوّة المحرّكة في الإسلام، مؤكّدًا أنّه لابدّ من وجود أخصّائيّين وخبراء في كلّ عصر، لهم القدرة على تقديم الحلول المناسبة لمشكلات ذلك العصر من خلال استنباط الأحكام الجزئيّة التّفصيليّة الملائمة لكل فترة من المصادر المجملة للتشريع الإسلامي.

 

النّسبيّة

تطرّق الفصل الأخير من الكتاب إلى مسألة نسبيّة العدالة والأخلاق."إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ". فالعدالة مبنيّة على الحق والاستحقاق، وحقوق الإنسان ثابتة مطلقة مهما تعاقبت الأزمنة والعصور، ولذلك فالعدالة مفهوم مطلق غير نسبي.

وأمّا عن نسبيّة الأخلاق، فيرى سقراط أن الحسن والقبح العقليين هما اللّذان يشكّلان القاعدة للأخلاق، وهذا ما ينقضه الشّهيد مطهري عندما تكون الأخلاق إعطاء كلّ قوّة من قوى الإنسان حقّها، وقيامه بدوره تجاه كل غريزة وصفة، وتربية الجوانب الإنسانيّة في وجود الإنسان ولا سيّما عقله وإرادته.

وانطلاقاً من ما قد ورد، فالحكم على الإسلام ومتطلبات العصر، يحتاج إلى أن نتعرف على الإسلام نفسه، ونستوعب روح قوانينه، ونطلَّع على نظامه الخاص في التشريع، حتى تتّضح الصورة جليّةً عندما يثار هذا السؤال: هل إن الإسلام يصلح لعصر معيّن أم هو لكل العصور، يقود الناس ويهديهم نحو الكمال في محيط الحياة المتلاطم؟

مواقيت الصلاة