علمٌ وفكر

توضيح الرؤية الدينية (2)


السيد محمد باقر السيستاني ..
الصفة الثانیة: كونه مدبراً للكون والكائنات، وھي تنطوي على أمور، من جملتھا:
الأول: إنّ الله تعالى مفیض لوجود الكون والكائنات، وسائق لھا إلى غایاتھا، فلیست الكائنات وخصائصھا بالتي تبقى لذاتھا، بل وجودھا وبقاؤھا رھن بمدد منه، قال تعالى: [ إِنَّ للهَّ یُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَھُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ] ، كما أنّ بیده سبحانه إزالتھا وإفناؤھا متى شاء وأنّى أراد، فمثلھا بالنسبة إلیه سبحانه كمثل الطاقة المحتاجة إلى المدد الدائم من المصدر المولّد لھا.
وھذا ممّا لا ینفیه العقل؛ لأنّنا لا نعلم حقیقة جمیع الأشیاء التي ندركھا؛ فنحن قد نعلم مثلاً أنّ ما یوجب السقوط قوة الجاذبیة، ولكنّنا نجھل تكوین تلك القوة وكنھھا، وھكذا الحال في سائر العناصر والقوى المكتشفة، ولقد اُشیر إلى ذلك في كلمات مشاھیر علماء الطبیعة.
وھذا الأمر في مقابل قول من یعتقد أنّ الله تعالى خلق الكائنات على سنن وأحال أمرھا إلیھا فلا دخالة له في دوامھا وبقائھا.
الثاني: إنّ الله تعالى یملك دفة أمور الكائنات؛ فیتأتى له التصرف فیھا على خلاف المعتاد منھا، إما على سبیل الخرق الواضح لسننھا، وھو ما یسمى بالمعجزة أو الكرامة، كولادة عیسى بن مریم (ع) من غیر أب، وانفلاق البحر لموسى(ع)، وكون النار برداً وسلاماً على إبراھیم(ع).
وإما على أساس توجیه العوامل الطبیعیة الخارجیة أو النفسیة إلى منحى محدد لم تكن لتتوجه إلیھ لولا التدخّل الخاص، مثل: توجیه السحاب إلى الأرض الیابسة في إثر توسل الخلق بصلاة الاستسقاء، وتوجیه أم موسى(ع) إلى ما یُحفظ به ولدھا(ع).
ولم یزل الخلق في أغلب الملل والنحل یتوجھون إلى الخالق في مواضع الشدة والاضطرار عسى أن یفرج عنھم الشدائد من خلال الأسباب التي یملكھا.
الثالث: إنّ الله سبحانه لم یخلق الكون والكائنات دفعة واحدة، بل كان نظام خلقه لھا على أساس خلق الشيء على سُنن ثم تطویره وفق تلك السُنن حتى یبلغ الغایة المنظورة.
كما في خلق الإنسان من نطفة ملقحة لیكون جنیناً ثم ینمو حتى یكمل ویولد مكتملاً مجھّزا بالأدوات التي یحتاجھا.
وكذا في خلق السموات والأرض، حیث ورد في القرآن الكریم أنّه سبحانھ خلقھا في ستة أیام، والمراد بالیوم التعبیر عن المرحلة الزمنیة كما ورد في استعمالات العرب.
وھو استعمال شائع؛ حیث یطلق الیوم على كامل الزمن الذي وقعت فیه حادثة ما، فیقال: یوم بدر، ویوم أحد، ویوم صفین، ویوم الجمل، وقال تعالى: [وَیَوْمَ حُنَیْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَیْئًا وَضَاقَتْ عَلَیْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّیْتُمْ مُدْبِرِینَ ] ، ومنه التعبیر بالیوم الآخر ویوم القیامة، وفي المثل: ( ما یوم حلیمة بسرّ).
وقد تكون تلك المرحلة طویلة جداً، كما في قوله تعالى: [وَإِنَّ یَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ] ؛ فیكون عدد الأیام إشارة إلى عدد المراحل التي ترسمھا الحوادث الكونیة العظیمة.
وقد یكون ھذا النحو من الخلق وھو خلق شيء یبدو غیر ذي شأن وتنمیته وفق سنن عبّئت فیه حتى یكون مثالاً رائعاً على القدرة والإبداع، فقد یمارس المرء مباشرة عملاً وقد یصنع آلةً على نظام ینتج ذلك العمل، وھذا أبلغ دلالةً على القدرة، ومن ثَمَّ نبّه في الآیات الشریفة على قدرة الخالق على إخراج شيء بدیع ومتقن من شيء یسیر كما قال تعالى:[ یُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَیِّتِ ] وھذا البعد قد یرجع إلى البعد الأول بملاحظة أن الأشیاء من خلال بواطنھا مربوطة بالذات الإلھیة والإرادة الإلھیة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة