قراءة في كتاب

أئمة أهل البيت ودورهم في بناء المجتمع الإسلامي: تاريخ ونهضة وريادة علمية وسلوكية وانتظار


ربى حسين ..
يقول الفيلسوف الياباني فرانسيس فوكوياما "إن الشيعة يطيرون بجناحين: الأول هو جناح الماضي وهو كربلاء، والثاني جناح المستقبل وهو الأمل بثورة المهدي"، متسائلا : إذن كيف يهزمون ؟؟.....
يتضمّن كتاب أئمة أهل البيت ودورهم في بناء المجتمع الإسلامي للعلّامة الدّكتور عبد الهادي الفضلي؛ سلسلة محاضرات تمحورت حول تاريخ الأئمة (ع) بدءًا من نهضة الإمام علي(ع) وريادته العمليّة والسّلوكيّة، مرورًا بثورة الإمام الحسين(ع)، والأئمّة من ولده، والّذين أحيوا الإسلام من جديد، وصولًا إلى نقاش فلسفة الانتظار وإقامة دولة الإمام المهدي (عج).


الإسلام والنّظام العالمي الجديد
تحت هذا العنوان يتطرّق الفضلي إلى الأصوات الّتي تتعالى من الشّرق والغرب بالمناداة بالنّظام العالمي الجديد، حيث تتسابق الحضارات المعاصرة في تقديم النّظام الأمثل. ليؤكّد أن الإسلام هو النظام الأصلح عالميًّا، بحيث قدّم الإمام علي (ع) النّموذج الرّائد لتمثيله بعد النّبي محمد (ص). ومن أهم عوامل نهضة الأمّة هي امتلاك المبدأ المتمثّل بالقرآن الكريم والسّنة النّبويّة، والفهم الصّحيح لهذا المبدأ من خلال وسائل التّعليم، التّربية، الإعلام، ووسائل أخرى على اختلافها. وتبقى الخطوة الأهم الإيمان بهذا المبدأ وصلاحيّته الّتي سوف تحقّق لنا السّعادة في الدّنيا، وكمسلمين في الآخرة أيضًا.


الإمام علي ومسؤوليّة النّهضة
يعتبر الفضلي في كتابه هذا أنّ الإمام علي(ع) كان المسؤول الأوّل عن الإسلام بعد النبي (ص) وقد عمل على تفهيم المبدأ والإيمان به على المستوى النّظري والعملي. فقام بإنشاء دور التّعليم وكوّن التّلامذة الّذين توزّعوا في مختلف أنحاء البلاد الإسلاميّة آنذاك.
كما أنّ الإمام كان الشّخصيّة الوحيدة الّتي قامت بوضع أسس العلوم الإسلاميّة من علم قراءات القرآن، التّوحيد والعقيدة، والنّحو على حد سواء. أمّا على النّحو العملي فقد كان من أهم مقوّمات الإسلام الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، إضافة إلى المحافظة على أموال المسلمين، واعتماد الكفاءة، والأمانة، والنّزاهة كمعايير للتوظيف في الحكومة الإسلاميّة.


الصّحيفة السجاديّة وسيلة لنشر الفكر
بعد عهد الإمام علي (ع) والإمام الحسن (ع) الإصلاحي وما حملته الثّورة الحسينيّة من عطاءات فكريّة وسياسيّة واجتماعيّة مهمة، لاقى الإمام زين العابدين ضغطًا سياسيًّا ورقابة مشدّدة من قبل حكم الرّاعي على رعيّته.
فلم يرَ أمامه (ع) إلّا أن يستعمل وسيلة الدّعاء ليوصل فكر أهل البيت إلى الشّيعة، فالدّعاء لا يمنع لأنّه لا يوجد فيه شيئ يخشى منه. ويقول العلّامة الفضلي في هذا السّياق أن دعاء مكارم الأخلاق مثلًا فيه الشّيء الكثير من الفكر، أمّا دعاء "أهل الثّغور" فهو دعاء سياسي ذو فكر سياسي. ودعاؤه في الصّباح والمساء، تجد فيه كلّ ما يرتبط بسلوك الإنسان من الصّباح حتّى المساء، وفي ما يخص حقّ أهل البيت وكيف اغتصب هذا الحق فيبدو ذلك جليًّا في دعائه في الصّلاة على محمد وآل محمد.


الإمام الصّادق بين عالم السّياسة والعطاء العلمي
رأى الإمام الصّادق أنّ من مصلحة الإسلام في حينه أن يبتعد عن السّياسة. والوثائق التّاريخيّة تشير إلى هذا، فأبو مسلم الخاراساني (ت:137ه) الّذي قام بالثّورة ضدّ الأمويّين وأطاح بها باسم الدّعوة لآل محمد، أراد تنصيب الإمام الصّادق (ع) فكان ردّه "ما أنت من رجالي ولا الزّمان زماني".
تفرّغ الإمام الصّادق (ع) إلى الجانب العلمي، خاصّة بعد دخول الحضارات الأجنبيّة منها اليونانيّة الّتي اشتهرت بفلسفتها وعلومها. وبما أنّ المجتمع الإسلامي بحضارته لم يكن لديه مدارس فكريّة وتعليم، فبالتّالي لم يكن محصّنًا من تأثيرات الحضارات الوافدة عليه، وجد الإمام (ع) أنّ التّفرّغ لهذا المنحى سيعطي المسلمين وحضارتهم مناعة قويّة تجاه الحضارات الوافدة آنذاك. وقد أنشأ علم الفيزياء والكيمياء والجغرافيا، إضافة إلى تدريسه الفلسفة الإسلاميّة والفقه والحديث والعلوم القرآنيّة. وبهذا يكون الإمام الصّادق هو باني الحضارة الإسلاميّة على أسس وضعها جدّه النّبي محمد (ص).


من ينتظر من؟
 في الفصل الأخير من الكتاب يتناول العلّامة الفضلي مسألة الانتظار، فها نحن نقترب من وقت الظهور. ويؤكّد لنا أنّ النّظام العالمي الإسلامي في حدود اعتقادنا كشيعة وكسنّة، لا يحقّق إلّا من قبل الإمام المهدي (ع)  تصديقًا لقوله تعالى " هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ"، فالإرهاصات الّتي تحدث الآن قويّة وموجودة، واستعداد المسلمين والتّوجّه للاستعداد العسكري تدل على خروجه (عج) لأنّه الوحيد الّذي يحقّق لنا الدّولة العالميّة. النّاس تنتظر مصلحًا عادلًا، والحديث عن نظام عالمي موحّد يدعونا لنستفيد منها في التّمهيد لظهور الإمام الحجّة.

ومن هذا المنطلق يعتبر العلّامة الفضلي أنّ الإمام هو الّذي ينتظرنا ولسنا نحن من ننتظره، فالأرضيّة اليوم أصبحت ممهدة عالميًّا وكل ما نحتاجه اليوم كمسلمين أن نتحرّك. وهذه الحملة القويّة الآن لهدم هذا الكيان الشّيعي القائم، لأنّهم يقدّرون ربّما يكون هذا الكيان الشّيعي هو الدّولة الّتي تسلّم للإمام المهدي(عج). ويضيف أن في روايات كثيرة ورد "إذا رأيتم الرّيات السّود قد أقبلت من خارسان...." وأنّ بعضها تشير إلى أنّهم هم الّذين يمهّدون للإمام المهدي (عج)، وهذا الكيان الإسلامي المتمثّل ب"إيران" أعطى للشّيعة وللإسلام وجودًا لم يعطه أي كيان آخر في العالم.
 وعلى الرّغم من الضّربات القاسية جدًا وضربات الإبادة، إلّا أن الصمود في فلسقة الانتظار يبقى الحل الأمثل للهدف الأسمى، ذاك الوعد الّذي وعد به القرآن: "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ". وتأتي ساعة الظّهور لأنّ الله يريد أن يمنّ على الّذين استضعفوا في الأرض ويجعلهم أئمّة ويجعلهم الوارثين.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة