قرآنيات

التفسير الموضوعي


الشيخ محمد هادي معرفة ..
مصطلح حديث ظهر في العصر الأخير عند ما قررت هذه المادة ضمن قسم التفسير بمعاهد الدراسات الإسلامية العليا .. غير أن لبنات هذا اللون من التفسير وعناصره الأولية كانت موجودة منذ عهد السلف وهكذا طول تاريخ التفسير . فقد كانت الالتفاتة إلى مواضيع جاءت في القرآن أو معروضة على القرآن ، معهودة منذ الصدر الأول ، بغية معرفة الدراسات القرآنية في مواضيعها المحورية ، أو مسائل معروضة على القرآن لغرض الاستفتاء منه ، في مشاكل عارضت حياة المسلمين – عامة أو خاصة – ليُستبان وجه حلها منه ، لأن فيه دواء دائهم وشفاء أسقامهم ... الأمر الذي لمسه المسلمون منذ أول يومهم ...
قال تعالى : {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل : 89] .
وقال : {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الكهف : 54] .
وقال : {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الروم : 58] .
والعمدة قوله تعالى : {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس : 57] .
قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : " إن هذا القرآن هو النور المبين والحبل المتين والعروة الوثقى ؛ من استضاء به نوره الله ، ومن عقد به أموره عصمه الله ، ومن تمسك به أنقذه الله ، ومن لم يفارق أحكامه رفعه الله ، ومن استشفى به شفاه الله ... " (1) .
وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) : " عليكم بكتاب الله ؛ فإنه الحبل المتين والنور المبين والشفاء النافع والري الناقع ، والعصمة للمستمسك ، والنجاة للمتعلق ... ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق ، ولكن أخبركم عنه : ألا إن فيه علم ما يأتي والحديث عن الماضي ، ودواء دائكم ونظم ما بينكم .. فاستشفوه من أدوائكم واستعينوا به على لأوائكم ، فإن فيه شفاءً من أكبر الداء ، وهو الكفر والنفاق والغي والضلال ، فاسألوا الله به ... " (2) .
وقال الإمام أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) : " إن هذا القرآن فيه مصابيح النور وشفاء الصدور .. " (3).
ومذ لمس المسلمون شفاء أدوائهم من القرآن فزعوا إليه بين آونة وأخرى يستشفون به ويستمدون منه في علاج مشاكلهم في الحياة ، فحيث عرضت عارضة كادت تعرقل عليهم المسير أو تكدر عليهم صفو المعين ، عمدوا إلى القرآن واستجلوا منه وضح الطريق والمنهج القويم ، فكان من ذا وذاك لمة من مسائل ودلائل قرآنية كانت مباحث ذوات محورية ، كل مبحث يدور حول موضوع خاص ، بحثاً وراء فهم أبعاده ومراميه من نص القرآن الحكيم الذي فيه تبيان كل شيء ... الأمر الذي اصطلح عليه المتأخرون بالتفسير الموضوعي ، أي المقتصر على البحث والفحص عن النظرة القرآنية حول موضوع أو مواضيع خاصة .. في قبال التفسير العام الباحث عن مختلف أبعاد هذا النص ، اللغوية والأدبية والفقه والكلام وسائر الأبعاد مما يتعلق بنص القرآن الكريم تباعاً وفي شكل رتيب حسب ترتيب الآيات والسور .
وفي ضوء هذا البيان نستطيع تحديد التفسير الموضوعي بأنه البحث وراء الحصول على نظريات قرآنية ذات محورية خاصة بمواضيع تمس جوانب الحياة الفكرية الثقافية والاجتماعية .. بحثاً من زاوية قرآنية للخروج بنظرية قرآنية بشأن تلك المواضيع .. فهي مسائل ودلائل ذات صبغة قرآنية بحتة .. واستنتاجات مستحصلة من ذات القرآن ومن داخله بالذات ..
وعليه فالبحث عن شؤون القرآن ، هي مسائل ودلائل تدور حول القرآن ، خارج من هذا التحديد .. كالبحث عن القراءات وعن أعاريب القرآن ، والبحث عن بلاغته وإعجازه بيانه ، وعن الناسخ والمنسوخ في القرآن ، والبحث عن متشابهات القرآن وعن الحروف المقطعة وما شاكل . مما اصطلحوا عليه باسم " علوم القرآن " أي العلوم الباحثة عن شؤون القرآن ، وليس بحثاً وراء الحصول على نظرة القرآن .. بل بحثاً وراء نظرات حول القرآن وعن شؤونه لا عن محتوياته ونظراته ..
________________________
1- بحار الأنوار ، ج89 ، ص31 ن عن تفسير الإمام ، ص450 .
2- المصدر نفسه ، ص23-24 عن نهج البلاغة ،  الخطبة رقم 176 .
3- المصدر نفسه ، ص32 ، رقم 35 .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة