لقاءات

محمد الباشا: الدراما مخطوفة.. نعم خطفها السماسرة وتجار الشنطة والمنتفعون


نسرين نجم ..
تجول في عوالم الفن المتعددة عنده؛ من الكتابة الأدبية والنشر والإخراج والكتابة المسرحية والسينمائية والتلفزيونية، وصولًا إلى الإخراج، من أفلامه: "من حولنا"، "بقايا بوح"، "ملائكة بلا أجنحة"، "عصافير الفردوس"، "آيس كريم"،"نعال المرحوم"، في كل منها ترك بصمته الإبداعية، له العديد من الكتابات لمسرحيات وسيناريوهات الأفلام، إضافة إلى كتاباته برامج أفلام وثائقية. نال جوائز متنوعة يستحقها تقديرًا لإنتاجاته المميزة، كشهادة تقدير عن مجمل أعماله في مهرجان جدة للأفلام عام 2008، وشهادة تقدير أيضًا عن مجمل أعماله في مهرجان سينما الشباب بالمغرب عام 2008 وغيرها من الجوائز. إلى جانب جائزة أفضل مخرج في مهرجان الأفلام بالمملكة. إنه المخرج محمد الباشا الذي أجرينا معه هذا الحوار.


* الشغف بالصورة:
تنقل المخرج محمد الباشا في مجالات متنوعة،من الفن، إلى أن وصل إلى الإخراج، وعن سبب هذا التنقل، وأين وجد نفسه أكثر، يقول: "هناك شغف أحدثته الدهشة بداخلي منذ الصغر، وذلك بعالم الصور المتحركة والحكايا من خلال التلفزيون، لإن السينما غائبة كوجود حقيقي في بيئتنا، لكنها حاضرة بمنتج يُعرض عبر التلفزيون، ومن خلال هذا الشغف أردت أن أكون مخرجًا مؤلفًا، مارست التأليف بداية بالسرد الحكائي (الحكواتي) مع الأهل والأصدقاء في السهرات والمناسبات، وكنت حينها أبحث عن الآلية للكتابة للصورة بالدرجة الأساس، حتى التقيت بالأستاذ عبد الله إسماعيل وهو من الجالية المصرية، وكانت نصيحته الأولى لي أن أتعلم الكتابة الأدبية أولًا، ومعه بدأت المشوار بالقصة وتقنياتها، وهكذا تسلسلت الأمور بالقصة القصيرة بجميع أشكالها، والرواية والمسرحية والإذاعة والبرامج، ثم الأفلام، حتى وصلت لممارسة شغفي بالإخراج".
من يتابع أعمال المخرج محمد الباشا، يلاحظ بوضوح ميله إلى الدراما، وعن الدراما وأهميتها، يقول الباشا: "الدراما أصبحت عنصرًا مؤثرًا وحساسًا في حياتنا، استلبت من الجميع الواقع الحقيقي بواقع افتراضي مُعاش، لذلك نجد بأن المتلقي يعيش بهروبه للعوالم التي يهوى أن يكون جزءًا منها، سواءً عبر المواضيع التراثية أو التاريخية أو حتى المعاصرة: الغنى، الشجاعة، البطولة، الكرم... وقيسي إلى ذلك. إننا نعيش حالة من الانكسار الداخلي والانهزام، وفي الدراما المعروضة نجد ما يدغدغ أحلامنا لا ما يثير عندنا الأسئلة، وهنا مكمن الخطر والأهمية".


* الدراما في العالم العربي:
الحديث عن الدراما مع المخرج محمد الباشا مليء بالأسى، بسبب ما وصلت إليه في عالمنا العربي، عن ذلك يعبر بكل صراحة: "مخطوفة.. نعم خطفها السماسرة وتجار الشنطة والمنتفعون، وكما أشرت لك سابقًا أعود وأكرر وبإصرار بأننا نعيش حالة من الانهزام الداخلي والانكسار، وفي الدراما المعروضة نجد بأن هناك دفن ل "حس الدهشة" واستبدالها بالتبلد، مثلما فعلت السينما الهندية عبر سينما المسالا، وفعلتها السينما المصرية عبر أفلام المقاولات، وهنا مكمن الخطر".


وبالانتقال إلى أفلامه وما حصدت من نجاحات كفيلمه :" آيس كريم"، الذي حصد المرتبة الأولى في مهرجان ترانيم، ومهرجان الأفلام في المملكة، سألنا الأستاذ محمد الباشا عمّا يميز هذا الفيلم، لجعله ينال هذه الضجة، فقال: "هذا الفيلم أردت لي أمرًا، وأراد الله له أمرًا، بعد نجاح الفيلم، كنت أود تمريره عبر مهرجانات أخرى، إلا أن نجاحه دعا بطل الفيلم لنشره عبر النت، هذه الخطوة ساهمت بشكل كبير في انتشار الفيلم، وبأن يحظى بسمعة طيبة أكثر من التي سعيت للحصول عليها من خلال المهرجانات، فقد نجح في بيئته، في أوساط الجموع وخصوصًا لدى الأطفال، وهذا الذي لم أكن أتوقعه، وصلتني رسائل من الأطفال عبر أولياء أمورهم بضرورة محاسبة البائع، فقد تعاطفوا بشكل كبير مع الطفل بطل القصة، مما دفع الكثير من الهيئات المحلية والروضات إلى عرضه في محافلهم كدرس تربوي غير مباشر. أعتقد أن الذي ميزه هو البساطة والروح العالية في نفوس العاملين، بحيث وصلت أحاسيس الشخصيات التي أدواها إلى المتلقين بشكل واضح".
وعن فيلمه الدرامي: "بقايا بوح" الذي استمر عرضه لمدة ثلاث سنوات، يقول الأستاذ محمد الباشا: "من منّا لا يعشق التاريخ؟ دائمًا نسمع كلمة الماضي الجميل، وكثيرًا ما نسمع من البعض الحنين للعودة إلى الزمن الأول، هذا ليس رفضًا للتقدم والمدنية، وإنما هو حنين للروح وللروابط ولعمق الصلة بين الناس، وكذلك البساطة، وبقايا بوح لا يخلو من هذا كله، إنه بقايا بوح الذي يجب علينا التقاطه من ثنايا الزمن لإنه لا يعود، وإن عاد فليس بنفس الروح والحرارة".

نلاحظ في الآونة الأخيرة بأن المخرج محمد الباشا يتوجه نحو الأفلام الوثائقية، عن أهمية هذا الأمر يقول: "أنا أحب الأفلام الوثائقية وأحب صناعتها منذ الصغر، تدهشني حالتها وحمولتها، أنت بها تعيشين أكثر من عمر وأكثر من عالم، تحلق بك أجنحة المعرفة لتثير لديك حسّ الدهشة والأسئلة. أما عن ممارستي لها الآن فهي فقط من باب "البزنس"، والوثائقيات التي أقوم بها حاليًا هي لأنشطة الشركات".


*"رفيق العتمة":
شارك المخرج محمد الباشا السنة الماضية  في مهرجان أفلام المملكة عبر فيلم: "رفيق العتمة"، ولكن لماذا لم يشارك هذا العام يتحدث الباشا فيقول: "لي وقفة هنا عن تجربة "رفيق العتمة" فهي محطة مهمة بالنسبة لي، فبعد عرضه المتواضع هاجمني الكثير من الأصدقاء واعتبروه نكسة لا تغتفر في مسيرتي، وطالبوني في حال العودة أن أغتسل من تبعات تجربة (رفيق العتمة)، بعمل يرقى لمستوى فيلم (آيس كريم) إن لم يكن أفضل منه. "رفيق العتمة" أنتجه شباب واعد من محبي السينما والأفلام، جاؤوني بتزكية من الكاتب، يطلبون مني الوقوف معهم في إخراج عملهم، طبعًا إمكانياتهم قليلة، لكن بما توفر استطعنا أن ننجز العمل، غير أن سرعة الشباب وعدم تأنيهم في بعض الأمور، أدخل العمل في مشكلة تصدير الفيلم بصيغة تفتقد المعالجة اللونية وبعض الأمور المتعلقة بالصورة، مع ضعف في بعض الأمور الفنية. إلا أنني لست نادمًا على التجربة، إنما عاتب على الشباب الذين خضت معهم هذا الفيلم لعجلتهم في الكثير من الأمور".
وفي سؤال آخر عن الأسباب التي تمنع الأفلام العربية والمسرح العربي من الوصول إلى العالمية، يرى الباشا:" ليس هناك ما يمنع، ومن يقول أن هناك أمرًا يمنع فليترك الكسل وعدم المحاولة ليس إلا". ويقسّم الباشا تجارب المخرجين الشباب إلى ثلاثة أقسام هي: "القسم الأول: ممن لا يشاهدون الأفلام ولا يتابعون أخبار السينما، ولا يقرأون، فقد سرقتهم التقنية وحب الشهرة لخلق شغف إنتاج الأفلام، وهم أكثرية.
القسم الثاني: لديهم شغف في السينما وبمشاهدة الأفلام، لكنهم لم يحصّلوا ثقافة تساعدهم على إنتاج الأفلام، بل اعتمدوا على تقليد منتجات أخرى.
القسم الثالث: وهم القلة لكنهم قادمون إلى الساح بقوة، فهؤلاء لديهم وعي بالمنتج وبالساحة، وهؤلاء هم من يخلقون سينما".
ولا يزال محمد الباشا يبحث عن عناوين إنسانية تجذبه للإخراج فهو يعتبر بأن "الإنسان هو العنوان الكبير الذي يجذبني وأحمل همه، وما زلت أبحث في روح هذا الإنسان، حتى أبني ثيمتي الأساسية لأعمالي من خلاله".
ويرى بأن المخرج الحقيقي هو: "ربّ العمل، الذي يجب أن يمتاز بقدرته على إدارة مخلوقاته والإحاطة بطبيعة كل جزء في مملكته، نحن لسنا بحاجة إلى مخرج منفذ يعي آليات العمل الفني، فيخلق عمل ميت دون روح، نحن بحاجة إلى مخرج واع مثقف يفهم آليات الوسط الذي يعمل فيه هذا أولًا، وثانيًا عليه أن يحمل بعدًا ثقافيًا وجماليًا".
أما عن مشاريعه المستقبلية وأنشطته فيقول: "للآن لا يوجد شيء واضح في الأفق، مع رغبتي الشديدة بأن أصنع فيلمًا، لكن ما هو هذا الفيلم؟ ما هي ثيمته؟ ما الجديد الذي أود قوله، أو إثارة الأسئلة حوله؟ فأسأل الله أن تقدح الفكرة في القريب العاجل".

مواقيت الصلاة