لقاءات

حافظ المؤمن: الفن للجميع ولا يحويني معرض أو مرسم

 

نظمية الدرويش ..

تلمع الأسماء وتُخلّد السيَر، ويبقى العمل منوطًا بالقبول.. هو قد يسمي نفسه "متطفل على الفن وأهله"، وقد يختصر سيرته بخمسة أسطر من ذوي الكلمات الثلاث، أما عمله، فتواضعه يعجز أمامه، وخصوصًا في الحب وكل الحب في 'ميزان' أعماله.  
هو عبد الحافظ صالح المؤمن مواليد 1963 الأحساء، من سكان مدينة الدمام، أخذ منه الرسم أكثر من نصف عمره، وأخذ من الرسم عطاءه اللامتناهي. هو الفنان التشكيلي حافظ صالح الذي كرس ريشته وألوانه لحب آل بيت الرسول صلى الله عليه وآله.


الرسام رسول وفنه رسالته
"الرسام رسول هو الآخر"، يقول حافظ، فكما المعلم واجبه رسالي، فالرسام عليه واجب اتجاه هموم شعبه وآماله. وبالنسبة له فالأزمات هي التي تقربه إلى الفن، لأنه المتنفس الوحيد للتعبير أفراحاً كانت أم أتراحاً بحسب قوله. ويؤكد الرسام صاحب الجداريات المشهورة بتبنيها للقضايا الوطنية والقومية، أن الفنان الحقيقي هو من يحاكي قضايا شعبه.


يذكر لنا حافظ في هذا الصدد عددًا من اللوحات التي يفتخر بها كلوحات شهداء الدفاع المقدس وأطفال البحرين والقضية الفلسطينية، التي لا بد لها أن تطفو على أسطح لوحاته فنًّا يزخر بالأحمر الشجاع، دون أن ينسى لوحة المقاومة في ذكرى تحرير جنوب لبنان عام 2000  التي عرضت بساحة المسألة بالقطيف، وما زالت تعرض كل محرم، وهي من أكبر الأعمال بمساحة 45  مترًا بــ5  أمتار. ففنّ حافظ الواقعي في القضية الحسينية، وفي أفراح وأتراح أهل البيت، يربط بين مقاومة اليوم بكربلاء الأمس.


الفن للجميع والساحات لي
صحيح أن المدارس التشكيلية الكلاسيكية بالنسبة لمجتمعنا هي الأكثر رواجًا، والأكثر تذوقًا واقتناءً، إلا أن فنَّاننا الضيف، عمل على نفسه، بعدم الانتماء إلى أي مدرسة، فأخذ من كل مدرسة القليل. هو يهوى من الفن الفرنسي المنمنمات أو المناتور، ويتابعه بدقة، ولكن على مساحات ضخمة، ويعود ميوله هذا إلى إيمان حافظ بأن الفن بين أربعة حيطان لا يخدم القضية بشكل جيد. "فالفرق أن الرسم بهذه الأماكن غير محصور بين الجدران، فهو من حق المارة، أما المعارض فمحصورة بالمدعوين فقط".


يكرر حافظ أكثر من مرة كونه من محبي الأماكن المفتوحة والرسم فيها. فالجداريات هو فنه الذي أراده لنفسه مبتعدًا عن جو المعارض المغلقة، مغلقًا على نفسه باب الجوائز والتقديرات التي ترافق هذه الأماكن. يقول حافظ: "أنا أفقي لا يحويني معرض أو مرسم، وذلك لإيماني أن الفن للجميع". وبهذا يفتح المجال أمام فنّه للعبور إلى الناس وليس العكس. تجدر الإشارة إلى أنه لضخامة الجداريات يستخدم حافظ صبغ السيارات وبتقنيات سهلة مطورة من تقنية الإيربرش المستوحاة من الرسم بالفرشاة الهوائية الصغيرة للأعمال الصغيرة داخل المعارض والمراسم.


القضية الأم
من جهة أخرى، وعند سؤالنا عمّا إذا يمكن للفنان المعاصر أن يوازي بين موروثه الثقافي وضرورة لحاقة بالركب العصري، يجيب حافظ بكل وعي وإدراك لقيمة ما تلاقفته أجيالنا من حضارة وتاريخ ووحي فيقول: "تحديث الأصالة؛ هذا هو المطلوب، فمواريثنا أصلية تصلح أن تكون فنًّا لكل عصر، فالقرآن الكريم يخاطب كل العصور والثقافات".
هذا هو حافظ؛ حديثه ورسمه؛ يعكسان شخصيته العقائدية الشغوفة، وأعماله غالبًا في "القضية الأم، محمد وآله" على حد تعبيره. وعند سؤالنا: لماذا يحصر نفسه في موضوع واحد؟ يجيب بثقة العابد: "لا جدارية ولا الكون ولا الدهر كلّه يمكن أن يقدم كل القضية، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله". يضيف حافظ: "إن مناسبات أهل البيت هي ربيع فنِي ومصدر إلهامي، ما عدا بعض أعمال هي عبارة عن خواطر. فن حافظ لا تجمله فورة العفوية والارتجال السائدة على مجمل الفنون المعاصرة، هو "فن مسير مقيد لخدمة أهل البيت" وهنا يكمن الخلاف معه.


فما هو هذا الاختلاف الذي يريده لنفسه؟!  يقول حافظ بلغة فلسلفية مبسطة لا تستغربها من فنان استثنائي مثله: "للنفس أهواء تختلف عن الآخرين، فممكن لفني أو لشخصيتي مثلًا أن يختلف عليها جماعة وتوافق عليها جماعة أخرى. أما شخصية المعصوم لا يختلف عليها اثنان؛ جمال مطلق في كل حالاته، فأحببت أن أظهر هذا الجمال بكل حالاته ". يعود حافظ بهذا التعلق الفني بأهل البيت إلى ثلاثين محرم انصرموا، إلا أنه تفرغ لهذا الفن كاملًا منذ خمس سنوات.
من الطبيعي أن يكون الفنان صاحب حس مرهف، وأن يتعلق شغفه بفنه، وأن يطمح لتألق، ولكن نادرًا ما نجد فنانًا كحافظ صالح، لا يحرك ساكنًا من انفعالات قلبه أو أدواته، ولا يضرب بريشته إلا في خدمة الآل. اختار نهجًا لنفسه، التزم به ويتمنى أن "يموت عليه".

مواقيت الصلاة