قراءة في كتاب

اللؤلؤ والمرجان في آداب أهل المنبر


ربى حسين ..
وصفَه الإمام الخميني قدّس سرّه بـ "المولى العالم، الزّاهد العابد، الفقيه المحدّث". هو العلّامة الطبرسي والمجتهد الفقيه الذي ارتقى منبر سيّد الشّهداء عليه السّلام، وجدّد سُنّة المشي إلى كربلاء بعد أن كادت تنسى.
الشّيخ الطّبرسي، المعروف بـ «خاتمة المحدّثين»، و«ثالث المجلسيّين» لتبحُّرِه في رواية أحاديث المعصومين، وفي تقصّي صحّة صدورها عنهم عليهم السلام، على خطى سلفه من أعلام المحدّثين، له عدّة مؤلّفات من أهمّها "اللؤلؤ والمرجان في آداب أهل المنبر". وهذا الكتاب، وعلى الرّغم من صغر حجمه، يعدّ من الكتب النّادرة في موضوعه، والجريئة في طرح مسألة قراءة العزاء، من حيث تاريخها ومضمونها، وكل ما يكتنفها من النّاحية الأخلاقية والسّلوكيّة. حيث يعلّم فيه قرّاء المنبر أن لا يقولوا بغير علم، ولا يعتمدوا على محفوظاتهم القديمة فقط، بل عليهم أن يراجعوا المصادر الصّحيحة في نقل ما يقولونه على منبر سيِّد الشّهداء عليه السلام


الإخلاص
استهل الكاتب حديثه في الفصل الأوّل من الكتاب، بالحديث عن مفاسد عدم الإخلاص الّذي يؤدّي الى الحرمان من الثّواب الإلهي. وإخلاص‌ النيّة‌ يعتبر من ‌شروط‌ الخطيب‌ والواعظ‌ وقارئ‌ مجالس‌ عزاء الإمام‌ الحسين ‌(ع) ، وحينما يرقي‌ المنبر ويقرأ شيئاً بشأن‌ الإمام‌ الحسين‌ لا يكون‌ طامعاً في‌ حطام‌ الدنيا وهشيمها.
كما واعتبر العلّامة، أنّه يجب‌ أن‌ يعلم‌ الخطباء بأن‌ عملهم‌ عبادة‌ كسائر العبادات‌، وإن‌ْ كان‌، فإنّما هو مجرد حصول‌ الثواب‌ الموعود وغفران‌ الذنوب‌، وبالطاعة‌ يصل‌ المطيع‌ إلى‌ ما أعدّ من‌ الثواب‌ الجزيل‌ والأجر الجميل‌ ويأمن‌ من‌ شرّ ذنوبه.
‌ثم‌ يضيف: إن‌ّ الخطيب‌ الذي‌ يكون‌ غرضه‌ الأصلي‌ من‌ وراء تعلّم‌ فن‌ الخطابة‌ وما يتعلق‌ بها من‌ أخبار الفضائل‌ والمصائب‌ والخطب‌ والمواعظ‌ وحتّى المسائل‌ الدينية‌، مجرّد تحصيل‌ المال‌ وكسبه‌، فيكون‌ كسائر الكسبة‌ والتجّار، يعامل‌ الناس‌ ويساومهم‌ في‌ زيادة‌ وقلّة‌ الأجرة، ‌وفي هذا الإطار يروى عن‌ علي‌ بن‌ الحسين‌(ع) أنّه‌ قال‌‌: "إياك‌ أن‌ تستأكل‌ بنا فيزيدك‌ الله فقراً".


مدح الصّدق وذمّ الكذب
في الفصل الثّاني من الكتاب، فصّل العلّامة الطّبرسي موضوع‌ مدح الصدق‌ وذمّ الكذب‌. وقد عرض الآيات والأحاديث الّتي تبيّن مراتب الصّدق وعلوّ شأنها. فمن وصايا الرّسول الأكرم (ص) لأمير المؤمنين عليه السّلام: يا علي إياك والكذب فإن الكذب يسود الوجه، ثم يكتب عند الله كذابًا، وإن الصدق يبيض الوجه.
 كما وذكر في‌ هذا الفصل‌ نماذج‌ من‌ الكذب‌ المتداول‌ المنسوب‌ إلى‌ هذه‌ الحادثة‌ التاريخية‌ (عاشوراء)، وقد صرّح‌ بهذا الصدد: إن‌ّ علينا أن‌ نعقد اليوم‌ عزاءً جديداً لم‌ يكن‌ في‌ السابق‌، بسبب‌ هذه‌ الأكاذيب‌ الكثيرة‌ التي‌ تقال‌ بشأن‌ حادثة‌ كربلاء ولا مانع‌ ولا رادع!
‌إن‌ّ التوقع‌ من‌ قبل‌ أصحاب‌ المجالس‌ أن‌ تصبح‌ مجالسهم‌ مسارح ‌لحوادث‌ كربلاء هو مولد للكذب‌، فإن‌ّ أكثر الأحاديث‌ المذكورة‌ الموضوعة‌ إنّما كانت‌ مقدمة‌ لاستدرار الدموع‌، من‌ أجل‌ أن‌ يتطرّق ‌القارئ‌ إلى ذكر مصاب‌ كربلاء، وهذا بالطّبع يندرج تحت عنوان الأكاذيب الفادحة لأطهر سير التّاريخ. ويضيف: "ولو لم‌ يكن‌ أهل‌ العلم‌ ليتساهلوا مع‌ هؤلاء، لم‌ يكن‌ ليصل‌ الأمر بهم‌ إلى هذا الحد من‌ الفساد والجرأة‌ على الله والرسول‌ والأئمة‌، ولم‌ يكونوا هكذا ينشرون‌ الأكاذيب‌ الواضحة‌ المعلومة‌ الفساد، ولم‌ يكن‌ ليصل‌ الأمر بمذهب‌ الإمامية‌ الى هذه‌ الدرجة‌ من‌ الاستهزاء والسخرية،‌ ولم‌ تكن‌ هذه‌ المجالس‌ الشريفة‌ تصل‌ إلى‌ هذا الحد من‌ فقدان‌ بهائها ورونقها وبركتها الروحية‌ والمعنوية".‌


الكذب من كبائر المعاصي
ومن ثم تطرّق العلامه إلى أقسام الكذب،‌ فذكر منه‌ الكذب‌ على ‌المعصومين‌ في‌ أمور الدنيا ومعاشرة‌ الناس،‌ ومثّل‌ لذلك‌ بما يقرأه‌ جماعة‌ من‌ الخطباء: ان‌ّ زينب‌(ع) جاءت‌ إلى‌ أخيها الحسين‌(ع) وهو في ‌حالة‌ الاحتضار فيروون‌ عنها كلمات‌ ثم‌ يقولون‌: فرمقها الحسين‌ بطرفه‌ وقال‌ لها: أخيّه‌ ارجعي‌ إلى الخيمة‌ فقد كسرت‌ قلبي‌ وزدت‌ كربي.‌
فالمكلف‌ في‌ مقام‌ نقله‌ لخبر ديني‌ أو دنيوي‌ لإفادة‌ أمر واقعي‌ إلى غيره‌، حينما ينقل‌ ذلك‌ عن‌ واسطة‌ أو وسائط‌ أو كتاب‌، يجب‌ عليه‌ أن‌ ينقل‌ ذلك‌ عن‌ ثقة،‌ ويطمئن‌ إلى نقله،‌ فإن‌ ظهر بعد امتثاله‌ لهذا الأمر خطأ ولم‌ يكن‌ الواقع‌ كما سمعه‌ أو رآه في‌ كتاب،‌ وترتب‌ على ذلك‌ مفسدة‌، فلا يكون‌ ذلك‌ سبباً لمؤاخذته‌ في‌ الآخرة‌.


وإن كان كذبًا فعليه‌
ثم‌ أتى العلّامه على ذكر عدّة‌ تنبيهات‌ في‌ المقام‌، فيقول‌ في‌ التنبيه‌ الأوّل‌: "حيث‌ علمت‌ أن‌ تكليف‌ الناقل‌ في‌ نقله‌ لأمور الدين‌ والدنيا وللآخرين‌، هو أن‌ ينقل‌ ذلك‌ من‌ لسانه‌ أو مؤلفاته‌، أو في‌ هذه‌ العصور منحصر غالباً في‌ النقل‌ عن‌ الكتب‌". وذكر في هذا السّياق: "جاء رجل‌ من‌ مدينة‌ (كرمانشاه‌) إلى العالم‌ الشيخ‌ محمّد علي‌ صاحب‌ المقامع‌ فعرض‌ عليه‌: أنّه‌ رأى‌ في‌ الرؤيا أنّه‌ يقطع ‌بأسنانه‌ من‌ لحم‌ جسم‌ الإمام‌ الحسين‌(ع) فأطرق‌ الشيخ‌ يفكّر ولم‌ يكن‌يعرفه‌، ثم‌ رفع‌ رأسه‌ يسأله‌ لعلّه‌ يقرأ على الحسين‌(ع)؟ قال‌: نعم‌، فقال ‌الشيخ‌: لا تنقل‌ شيئاً من‌ غير الكتب‌ المعتبرة‌ وإلاّ فاترك‌ القراءة‌ عليه‌ مطلقاً.
‌وفي‌ التنبيه‌ الثاني‌، يقول‌ العلامة: إن‌ّ غاية‌ ما يحصل‌ السامع‌ من‌ خبر الثقة‌ ونقله‌، بل‌ نقل‌ المؤمن‌ العادل‌، إنّما هو الظن‌ّ أو الاطمئنان ‌بصدق‌ الخبر إذ أن‌ الناقل‌ العادل‌ أو الموثق‌ لا يكذب‌ عمداً، ويستبعد احتمال‌ النسيان‌ والخطأ في‌ الأمور المحسوسة‌ التي‌ يخبر عنها.
 وكما قال أمير المؤمنين‌(ع)‌: "إذا حدّثتم‌ بحديث‌ فأسندوه‌ إلى‌ الذي‌ حدّثكم‌، فإن‌ كان‌ حقّاً فلكم‌، وإن‌ كان‌ كذباً فعليه". هذه‌ إذا لم‌ تكن المعلومة قد وصلت إلينا عبر واسطة،‌ وكانت‌ السلسلة‌ طويلة،‌ والنقل‌ من‌ كتاب‌ عن‌ كتاب‌، فهكذا تكثر أسباب‌ سلب ‌الطمأنينة‌، وذلك‌ لكثرة‌ وجود الخطأ والنسيان‌ والسقط‌ في ‌النسخ‌، وكثرة‌ التحريف‌ والتصحيف‌ من‌ الكتّاب‌ والنسّاخ‌. ولهذا فإن‌ الناقل‌ المتدين‌ المستقيم‌ الطريقة‌، لاينبغي‌ له‌ أن‌ يقطع‌ بمجرد وقوفه‌ على‌ خبر في‌ كتاب‌ منسوب‌ إلى‌ أحد العلماء.
وعن‌ رسول‌ الله(ص) أنه‌ قال‌، ما معناه: ‌"من‌ روى‌ عني‌ حديثاً وهو يعلم ‌أنه‌ حديث‌ كذب‌ فهو أحد الكذّابين". من هنا تقع المسؤوليّة على أرباب العلم والوعي أن يعملوا على ترتيب مجالس عزاء لأبي عبد الله الحسين جديدة، يرفعون بها أثر الصّدمات الّتي لحقت بوجوده المبارك، وخدّامه وحاملي علومه وغيرهم.....فتعقد المجالس على أنواعها وأقسامها في اللّيل والنّهار وعلى أيدي أهل الدّين والتّقوى وأصحاب الغيرة والحمية، فيتلون المصائب ويبكون طالبين من اللّه تعالى تعجيل فرج ناشر العدل وباسط الفضل والإحسان.  ‌

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة