لقاءات

جاسم المشرف: من ادعى الكمال توقف عن السير في طريقه


نسرين نجم ..
كتاباته ومؤلفاته مليئة بالقيم الإنسانية الراقية، وفيها العبر والدروس التي تهدف إلى أن يكون الفرد صالحًا فاعلًا في مجتمعه ومع أسرته، وبالطبع لا يخلو الأمر ولا يبتعد عن العبق الإيماني الذي يكلّل كل كلماته بطيب الحكم والأقوال المتخذة من مدرسة آل البيت (ع)، هو يكتب لا للشهرة إنما لإياصال رسائل توعوية تثقيفية، إنه الأديب والشاعر والناشط والمحاضر الأستاذ جاسم المشرف، الذي أجرينا معه هذا الحوار:


*حال الأدب والشعر اليوم:
عندما نلتقي بأي شخص نعرفه نسأله عن حاله وأوضاعه لنطمئن عنه، لذا طرحنا على الأستاذ جاسم المشرف سؤالًا عن حال الأدب والشعر في يومنا هذا، لإنه حسب ما هو ظاهر، فإن علة ما أصابتهما، يجيب الأستاذ جاسم: "كان الشعر كما يروى عن عمر بن الخطاب: "علم قوم لم يكن لهم علم أفضل منه"، به سجلوا أمجادهم وحفظوا تاريخهم وتفاخروا بمآثرهم وبطولاتهم، وعبروا عما يجيش بخواطرهم. وكان الأدب عامة والشعر خاصة وسيلة الإعلام الوحيدة التي بوجودها تحفظ القبيلة موقعها بين القبائل، وإذا ما انبثق في القبيلة شاعر اعتبروه جيشًا بمفرده، وقوة مدافعة، وسجلًا حافظًا لهم، ولسانًا كالسيف للدفاع عنهم، هكذا كان الشعر وهكذا كان الأدب. أما اليوم فقد تنوعت وسائل التعبير وأدوات التفكير ومسارات التدبير، حلت الصحافة فالمذياع فالتلفاز فوسائل التواصل الاجتماعي و(السوشيل ميديا) محل ذلك الأمبراطور المتفرد على منبر الخطاب.
لم يعد الشعر ملكًا متفردًا كما كان، نأتمر بأمره وننتهي بنهيه. ولكنه بقي الوسيلة الأصدق والأداة الأكثر سحرًا للتعبير عما يجيش بخواطرنا من أدق المشاعر والانفعالات والأفكار.
الشعر اليوم قوي بما يكفي وغريب بما يكفي في وطننا العربي. غريب لتطفل مَن لا يعرف قدره ومن لا يحسن تعاطيه عليه، وغريب لافتقاده التأثير الذي كان يملكه في صناعة قرار الأمة. وقوي لصموده رغم كل تلك التحديات التي تحاول مزاحمته".
وحول ما إذا كان يعتبر بأن الأدب والشعر هما نوعان من الترف الفكري يقول: "هناك ما هو كمالي في حياتنا إن وجد، وإلا فالمسيرة مستمرة، وهناك ما يمثل حاجة تتعثر المسيرة بفقده، ولكنها تنهض وتسير بتثاقل، وهناك ما هو ضرورة لا يمكن أن تنطلق مسيرة الحياة بدونه..إنه ملازم للوجود.
الشعر والأدب إيقاع الحياة، والحياة ما هي إلا سكون وحركة.. الحياة إيقاع، والوجود شد وقبض، خوف ورجاء، إقدام وإحجام، ضحك وبكاء، وعشرات الثنائيات المتضادة، وحده الشعر الأقدر على التعبير عن فلسفة الحياة ورسم جمالها وقبحها.. ليونتها وجفافها، وكل تناقضاتها..أيكون هذا الساحر المبهر ترفًا؟!".
وعما إذا كمان يوافق على أن الكتابة هي أداة ترميم داخلي يقول: "الكتابة شكوى وبكاء من نوع خاص، الكتابة محاولة لتوصيف الواقع، ورسم صورة المأمول ومسيرة الوصول لذلك الأمل عبر الترميز تارة والتصريح تارة أخرى بلغة معيارية مجازية موغلة بالتخييل والتصوير. بالشعر والكتابة نبني ما انهدم بداخلنا ونجبر ما انكسر بين جوانحنا ونحيي ما مات فينا من ضمير وإرادة وإصرار. الكتابة ولادة أمل جديد وحياة جديدة".


 وانطلاقًا من إجابته وقوله بأن الكتابة هي ولادة أمل جديد، سألناه عن ماهية الرسالة التي يحملها أستاذ جاسم المشرف ويريد أن يوصلها عبر كتاباته، فقال: "إعادة تشكيل نظرتنا للوجود والحياة لنصبح أكثر وعيًا وواقعية وفهمًا  في التعاطي معها واستثمار جمالها، وتجاوز ألمها وأوجاعها. إني لأحب الناس كل الناس، وأسعى بكل طاقتي المعرفية والأدبية لأحقق وأرسم لمن أحب الطريق الأجمل والأكثر سلمًا وسكينة وثراء".


*  على المثقف أن يكتب بشروطه هو لا شروط غيره:
حكي الكثير عن المثقفين وعن أدوارهم في إصلاح المجتمع وتتوعية الناس، وإظهار ما هو خاطئ وما هو صحيح، لكن السؤال الذي يطرح الآن، أين هو المثقف؟ أو بالأحرى، هل لا يزال لديه من وجود؟ وأين هو دوره؟ يرى الأستاذ جاسم المشرف بأن: "هناك من انكفأ على نفسه في أبراجه العاجية ظنًا منه أنه يراقب الساحة من بعيد كيلا يتلوث بوبائها كما يظن. وعلى المثقف أن يتحرر من أربع سلطات:
الأنا والمجتمع والمؤسسة الدينية والمؤسسة الرسمية؛ على افتراض أن هذه السلطات الأربع ليست بمنأى عن الخطأ والرغبة في الهيمنة. على المثقف أن يكتب بشروطه هو لا شروط غيره.
فمشكلة  المثقف اليوم الوقوع في أسر إحدى هذه السلطات إن لم يكن جميعها (إلا من رحم ربك)(وقليل ما هم) بالإضافة إلى عزلته عن أقرانه، وافتقاره للرؤية المشتركة التي يتعاضد هو ومن في مداره لتحقيقها.. ومع هذا ما زال للثقافة الرجع والصدى والتأثير ولكن دون المأمول".
وانطلاقًا من قوله: "ليس كل ما في تاريخنا جدير بالاحتفاء والإحيا،ء بعض التاريخ حقه أن يكون تحت أقدامنا لا فوق رؤوسنا" سألناه، عن أهمية امتلاك حس النقد، وكيف يمكن بالفعل أن نحسن قراءة التاريخ والاستفادة منه؟، فأجاب: "لم يكن التاريخ في مأمن من أخلاقيات ومزاج من كتبه، وتاريخنا كتب بأيدي وعاظ السلاطين ومن سار في فلكهم، وقلما نجد مؤرخًا حياديًا موضوعيًا. إن سَلِم التاريخ من خيانة الخائنين فقد لا يسلم من غلو المغالين.. وهناك ما لا يمكن أن يتحقق على حيز الواقع من أحداث أسطورية، وليس بوسعنا إلا تكذيبها ونبذها، وهناك ما لا يقبله عقل ولا منطق لما في الحدث من تناقض وتعارض، وهناك ما يمكن حصوله.
يلزم قارئ التاريخ درجة عالية من الوعي والجرأة والأدوات النقدية والطاقة المعرفية التي تساعده على فرز الحقيقة من الزيف، وما يمكن قبوله وما يلزم التوقف عنده. إن أسوأ قارئ للتاريخ هو ذاك المُسَلِّم بالقبول لكل ما جاء فيه وكأنه الكتاب المنزل الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)".


* تشيؤ العلاقات الإنسانية:
للكاتب جاسم المشرف كتاب عن "الصداقة من واقع التجربة"  هذا العنوان دفعنا لسؤاله، عن العلاقات المادية والتشيؤ الحاصل في العلاقات الإنسانية، فهل الصداقة لا تزال تحمل خصائصها؟ يعتبر المشرف بأن:"كتاب الصداقة من واقع التجربة جزء من مشروع يسكنني منذ ثلاثة عقود ويتمثل باختصار في: بلورة الشخصية المطلوب تواجدها على الساحة في عصرنا الراهن من منظور إسلامي مؤصل. لا تزال الصداقة تحمل نبض صدقها ووهج دفئها وشذا عبقها وجمال سحرها، ولكنها كالناس بل هي نتاج الناس الذين فيهم الجميل والقبيح والصادق والكاذب والملتزم والمنحرف،كما لا يمكن أن نعمم في الناس نظرة الشر فكذلك الصداقة هي الإنسان بكل ما فيه".


وللمشرف في مكان آخر: "إذا غلبت الموازين النفسية على الموازين الشرعية فاعلم أن الوسواس الخناس قد بلغ غايته"، فسألناه، ألا ترى بأن من يمتلكون صحة نفسية سليمة هم خارج هذه المقولة. سيما وكما تعلمون بأن هناك أنواعًا للنفس خاصة النفس الأمارة بالسوء؟ يقول: "نعم كما تفضلتم، والمقولة ليست عامة شاملة لكل الناس، فمن غلّبَ الموازين المنطقية والشرعية فهو خارج بالدليل".
وحول ماذا أخذ منه الأدب وماذا أعطاه يقول: "أخذ العمر كله، والفكر والقلب، والراحة والسكينة. وربما أعطانا بمقدار الثمن الذي أخذه..وقد يشعر غيرنا بما أعطانا أكثر من أنفسنا، لقد أضحينا جزءًا منه لأنه وببساطة أخذنا بكلنا. قد يعطي الأدب بعض مجده للمخلصين من رواده والمشتغلين به. ولا أدري حقيقة بحجم ما أعطى بقدر ما أنا راض بكل ما أخذ".
وللأستاذ المشرف العديد من الأفكار النفس اجتماعية التي تدعو إلى التصالح مع الذات، فسألناه إلى أي حد هو متصالح مع نفسه؟ قال: "من ادعى الكمال توقف عن السير في طريقه، ولم يتحرك فيه القلق لمزيد من الجمال والعطاء. ومن قال إنه وصل فقد انتهت حياته في تلك اللحظة وصار ميتًا بين الأحياء، لا بد من شعور بالنقص لنتكامل.
ولكنني في الآن ذاته، أعمل على أن أكون أكثر موضوعية وواقعية، وحينما أقارن يومي بالأمس أجد أني قطعت مسافات لا بأس بها في طريق السكينة والرضا، ولكن ما زال الطريق طويلًا  نحو ما نصبو إليه".
وحول إذا ما استطاع الأدب والشعر الحديث مساعدة الجيل الجديد في التعرف أكثر على مدرسة آل البيت عليهم السلام؟ يرى بأنه: " قديمًا وحديثًا للأدب والشعر سطوته وأثره الغائر في ربط الأمة بعترة نبيها صلوات الله عليهم. فالمنبر والإنشاد والخطاب عامة لا يمكن أن يحقق تكامله بل وجوده إذا انتزعنا الأدب والشعر منه.
والثقافة المنبرية هي المرتكز الأول التي تقوم عليها الثقافة الأولية الولائية للأجيال، غير أن عوامل التعريف والتوصيف والتواصل تعددت وهذا ما يزيد المشهد ثراء وخصوبة".


* نصائح أدبية وشعرية:
انطلاقًا من خبرته وتجربته الطويلة في عالم الكتابة والشعر سألناه عن نصائحه لمن يرغب في دخول هذا العالم من الشباب: "الأدب اصطفاء، ليس بوسع أي أحد أن يطمح لأن يكون أديبًا فيكون..إنه موهبة تنمو وتتبلور وتتجلى بالثقافة والمران والممارسة.
على من يجد في نفسه ميلًا وحسًا مرهفًا أن يسلك طريق بلورة موهبته الأدبية عبر القراءة والاستماع والدراسة لقواعد الكتابة للجنس الأدبي الذي يجد نفسه فيه، والتحاور والتشاور والمراجعة والتصحيح مع ذوي الاختصاص والمتميزين في هذا المجال. وألا يستعجلوا النشر ويشكموا ما استطاعوا الرغبة في الظهور ريثما تنضج تجربتهم في حدها المعقول، ويجيزهم في ذلك من يعتد برأيه".


وسألناه عما تعني له المفردات التالية:-المرأة- الحب-آل البيت (ع)- الكتاب-الإنسان،-المكان
المرأة:الحياة
الحب: سلطان أهوج لا يعرف المنطق، ومع ذلك نستعذبه.
آل البيت: سر عالم الإمكان وروح الوجود وحقيقته.
الكتاب: نبض الفكر ومرآة العالم
الإنسان: ذلك الكائن التائه الذي يبحث عن ضالته بالخارج وهي بين جنبيه.
المكان: رحم الذكريات

وعن مشاريعه الحالية والمستقبلية : يقول: "ما أنا إلا درويش يتسكع في دروب الثقافة والمعرفة ويقتات من فتاتها، وإن كان ولا بد، فثقافيًّا:
أ- أعمل على إنهاء مشروعي في الفكر الديني في مسارين:
١-الكتاب الأخير في المشروع بعنوان إرادة التغيير في عالم متغير
٢-مراجعة وإعادة إصدار ما سبق من كتابات في هذا السياق
ب- إصدار ثلاث مجموعات شعرية
١-سجدة سكر(عرفاني)
٢-في الأسماء (ولائي)
٣-ظمأ(وجداني إنساني)
ج- إصدار كتاب جاري الكتابة (تغريداتي في الفكر والنقد والحياة)
د- كتاب في النقد الأدبي
وغير ذلك، هذا إن أسعفنا القدر لذلك.
أما اجتماعيًّا: فللمجتمع حكايته"

مواقيت الصلاة