قراءة في كتاب

ثقافة الانتظار: أفضل العبادة انتظار الفرج

 

ربى حسين .. 
"ثقافة الانتظار"، ثقافة الإنسانية متجهة نحو كمالاتها في الإصلاح والارتقاء إلى معارج الوعي في علاقتها بهذا الكون وخفاياه. هكذا يمكننا أن نقرأ الانتظار بثقافته الإنسانية وبمنابعه الإسلاميّة الصّافية، على أنّه العمل والبناء نحو إنسانيةٍ يسودها السلام ويعمها الود والتفاهم، وليس الانتظار كما تصورته مدارس أخرى بأنه الخنوع والاستكانة والخضوع.
إن حلّ انتظار ذلك الموعود ـ الّذي سيغير العالم ـ في قلب أحدٍ ما، فسيقلبه لا محاله، وسيعرض فيه قوّة الانتظار الّتي ليس لها مثيل. هذا ما كتبه الشّيخ علي الرّضا بنهيان على الغلاف الخارجي لكتابه "ثقافة الإنتظار". هذا الكتاب الّذي هو معرض حديثنا حيث يعد بحثًا متكاملًا لهذه المسألة الوجوديّة.


إننا ننتظر المخلّص
يحذّر الكاتب في الفصل الأوّل من اعتماد النّظرة العاميّة في موضوع حيويّ  ك "المخلّص"، بحيث أنّ رواج القليل منها بيننا، هو أمر خطير بإمكانه أن يوجّه ضربات شديدة صوب موضوع الانتظار والمهدويّة. وأقل ما تسبّبه هذه النّظرة العاميّة من الضّرر، هي أنّها لا تحدد وظيفتنا تجاه نصرة المخلّص ومسؤوليّتنا تجاه التّمهيد لقيامه. ويضيف الكاتب في هذا السّياق أنّ من الأخطاء الّتي يقوم بها المنتظرون اعتبار أنّ حكومته تقوم على السّيف، أو حتّى تبرّم الناس من الظّلم أو وصول الجور الى غايته أو أن القيام يتم خارج السّنن الإلهيّة. وهي بذلك لا تقدّم الفرج، ولا تترك للانتظار أثرًا وجدوى، بل من الممكن أن تؤول الى تأخير الفرج المنشود.
وفي القسم الأخير من هذا الفصل يبحث الكاتب في موضوع "المودّة العشقيّة"، هذه الموّدة الّتي لا يغذيها إلّا المعرفة الحقّة والعمل الصّالح والإيمان الرّاسخ. ويعتبر أنّ من أهم فوائد وضروريّات هذا العشق، هي أن تقوم لنشر الدّين بعد بيان بعده المنطقي والعقلاني، بإظهار ما أوقده الدّين في قلبك من عشق جعلك تتلذّذ بصلاتك وعبادتك وولايتك. وهنا يتحقّق الابتعاد عن المودّة العاميّة السّطحيّة الّتي أدّت الى فقدان المعرفة والتّقوى حيث قال "والّذين آمنو أشدّ حبًّا لله". وينهي الكاتب حديثه قائلًا "ومن الآثار الإيجابيّة لتوطيد علاقتنا بالإمام، هو أنّه يتقبّلنا ويختارنا أنصارًا له، لأنّه يرى محبّتنا له ثابتة، وهذه المودّة النّابعة من العشق تمثّل عصارة المعرفة والكمال المعنوي للمنتظر".


الشّعور بالانتظار
في الفصل الثّاني يتطرّق الكاتب إلى التّأكيد على أنّ الشعور بالانتظار يعد من تلك المفاهيم الإنسانية التي يمكن تجربتها في نفوس جميع الناس. ومسألة إدراكه ليس بالأمر العسير، فيتأطر بحالات ودرجات مختلفة بنفسه، وينتظر أن ندركه بشكل أمثل، ونتعرف إلى المزيد من قيمه وآثاره، ونقوم بإكمال هذه المعرفة.
ومن أجل إدراك مفهوم الانتظار بشكل أمثل، يمكن التعرف إلى العناصر المكونة له من الاعتراض على الوضع الموجود، الى تصديق وتمنّي الوضع المنشود، وصولًا إلى العمل من أجل تحقيقه. وكل منتظر يمكنه من خلال التدبر في انتظاره، أن يعرف العوامل التي أوجدت حالة الانتظار، أو الحالات والخصائص المكونة لانتظاره. تلك الخصائص التي أينما اجتمعت جنباً إلى جنب، ستولد الشعور بالانتظار لدى الإنسان.


وغيبة وليّنا
ومن ثمّ انتقل للحديث عن واحدة من حكم هذه الغيبة، وها هو أمير المؤمنين يقول "آهٍ شوقًا لرؤيته"، ومن هذه الحكم تبلور هذا الاعتراض المقدّس على الظلم والمزلّات والتّجاوزات والكثير مما ذكر في دعاء النّدبة في هذا السّياق من الاعتراضات، ليتأهّل الناس ولا سيما  المسلمون والشّيعة، لإدراك حضوره وظهوره. هذا الاعتراض - النّابع عن عشق- على الهجران، سيرة عرفانيّة لجميع المنتظرين للوصال، وكلّما كان الاعتراض أكثر عمقًا، كان ذلك الانتظار أكثر دقّة، وقلب المنتظر أكثر رقّة. 


انتظار العرفاء
وفي الفصل الثالث من الكتاب يعالج الكاتب مسألة انتظار العرفاء للفرج والوصال، معتبرًا أنّه لو كان الإنسان منتظرًا حقيقيًّا أو وصل في ذروة كماله الى الانتظار العرفاني، فإنّه سيصل إلى الفرج الشّخصي ويتنعّم بألطاف الإمام (ع) الخاصة إن لم يتحقّق الظهور. كما ويؤكّد أنّه يجب الاهتمام بكيفيّة الارتباط الشّخصي مع،ه كما نهتم بظهوره واللّقاء العام به، لأنّه وإن لم نصلح أنفسنا من أجل الفرج الشّخصي فلربما نفرُّ من الإمام عند ظهوره. ويضيف أن الانتظار بمعناه العرفاني مقدّمة لانتظار مجيئ المخلّص وواحد من نتائجه أيضًا، وعليه فإن من أراد أن يكون منتظرًا للمهدي، عليه أن يكون متمنّيًا للموت ولقاء اللّه، لأنّه بذلك سيكون قوّة ملحميّة مجاهدة مستعدّة للشّهادة في خدمة الإمام المهدي (عج).


الانتظار والشّباب

أمّا الفصل الأخير من الكتاب فاختصّ بدور الشّباب المحوري في عمليّة الانتظار، فعلى حدّ قوله: "الشّاب هو في غاية نضج النّزاعات الفطريّة وذروة الطّراوة الرّوحيّة والاستعداد لتلقي المسائل المعنويّة والاتّصال باللّه". فأهمّ المفاهيم الدّينيّة تحظى بقبول الشّباب بل واشتياقهم أيضًا، ومن هذه المفاهيم النّورانيّة للدّين، الانتظار الّذي يعدّ واحدًا من خصال فترة الشّباب الّتي ترّسخت فيها الرّوح المستقبليّة، وبطبيعة الحال سيتعلّق الشباب بمسألة المهدويّة لكونها مرتبطة بالمستقبل. كما يشير الكاتب إلى الرّوح المثالية لدى الشّباب الّتي تتماهى ومثُل المجتمع المهدوي الّتي تمثّل النّجاة للشباب من الحدود المدمّرة للدّنيا الدّنيّة.
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "المنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله". إن مسألة الانتظار هي مسألة اجتماعيّة بالكامل، واجتماعيّتها على مستوى عالم البشريّة، بحيث يستطيع أن يوجّه روح العدالة عند المنتظر ويسوقه إلى مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية الكاملة. وعن أبي عبد اللّه الحسين (ع): "إن لنا دولة يجيء الله بها إذا شاء، ثم قال : من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر من أدركه فجدّوا وانتظروا ، هنيئاً لكم أيتها العصابة المرحومة".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة