لقاءات

الشّيخ أحمد القطري: ماذا بعد شهر رمضان المبارك؟

 

ربى حسين ..

"أنْ لا تَجْعَلَهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّا لِشَهْرِ رَمَضانَ حَتّى تُبَلِّغَناهُ مِنْ قابِلٍ عَلى أحْسَنِ... وَأنْعَمِ نِعْمَتِكَ وَأوْسَعِ رَحْمَتِكَ وَأجْزَلِ قِسَمِكَ يا رَبِّي الَّذي لَيْسَ لي رَبٌّ غَيْرُهُ لا يَكُونُ هذَا الْوَداعُ مِنّي لَهُ وَداعُ فَناءِ وَلا آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِلِقاءِ حَتّى تُرِيَنيهِ مِنْ قابِلٍ في أوْسَعِ النِّعَمِ وَأفْضَلِ الرَّجاءِ وَأنَا لَكَ عَلى أحْسَنِ الْوَفاءِ إنَّكَ سَميعُ الدُّعاءِ". بهذه الكلمات وهذه الرّوحية يودّع الإمام الصادق(ع) شهر رمضان المبارك، الّذي ينظر الله عز وجل فيه بالرحمة إلى عباده ويجيبهم إذا ناجوه ويعطيهم إذا سألوه ويستجيب لهم إذا دعوه.
وها نحن اليوم وعلى مشارف ختام هذا الشّهر الكريم نفتح الباب على مسألة مهمة: أين هي هذه الروحيّة المكتسبة خلال شهر رمضان من الأشهر التّالية له؟ وكيف يمكن لما ادّخر أن يكفي مؤونة سنة كاملة؟! وفي هذا الإطار كان لنا حديث مع الشّيخ أحمد القطري.


شهر رقي وارتقاء

أتى إسلامنا الحنيف نعمة على بني البشر ليرتقي بهم، وينزّههم عن الماديات الّتي تشغل روحهم. ومن هنا كان شهر اللّه شهر رمضان المبارك المنبّه الرّباني للإنسان بأنّه يستطيع أن يكون على الجادة، وأن يعود إلى ربّه. بهذا استهل الشيخ القطري كلامه، مؤكّدًا على أن الله لم يفرض تشريع الصّوم على الإنسان إلّا لأنّه يعلم أنّه يستطيع الصوم والامتناع عن الملذات الدنيوية للفترة الممتدة من الفجر حتّى الغروب، ولمدّة ثلاثين يومًا، وما له من تبعات إيجابيّة على صياغة الإنسان من جديد وتوجيهه للطريق الصّحيح، وعليه فإنه شهر الرّقي والروحانيّة والارتقاء بالروح البشرية. وأضاف قائلًا: "كما أنّ شهر رمضان هو شهر محاسبة النّفس الّذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى تغيير الذات وتقرّب الرّوح وسموّها نحو الإله الواحد الأحد".


الزّاد الروحي للسنة

 يقول سبحانه تعالى في حديث قدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به". وبما أن الصيام قضية ترك وليست فعلاً، فهو حقيقة صمدانية وتدريب روحي على مسألة المراقبة لله سبحانه التي ستمتد معه للقادم من أيّام السّنة. وأضاف الشّيخ القطري في معرض حديثه هنا، أنّه لو استطاع الإنسان ترك الكثير من الأمور خلال الشّهر فهذا كفيل بأن يتدرّب لتركه الدّهر كله، فالله لم يكلف نفسًا إلّا وسعها. كما أشار إلى دور ليالي القدر المباركة في التّزوّد الرّوحي والقرب المعنوي من خلال ما تحويه هذه اللّيالي من أجواء نورانيّة وأعمال تهدف إلى التّقرب من الّله، لتكون بذلك ليالي سنته كلّها ليالي قدر.


وماذا بعد؟

يودّع الإمام زين العابدين شهر اللّه الأكبر بلوعة على الفراق قائلّا: "السّلام عليك من قرين جلّ قدْرُه موجودًا، وأفجع فقْدُه مفقودًا، ومرجوٍّ آلمَ فراقه. السّلام عليك من أليفٍ آنسَ مقْبِلاً فسَرّ، وأوحش منقضياً فمضّ". هذا الأنس الّذي لفت إليه الإمام هو في مرتبة عالية من الارتقاء المراد به. وهنا يؤكّد الشّيخ القطري أنّ الإنسان عندما يصوم ويجاهد نفسه ويقوم بالعبادة والتّضرّع والدّعاء فهو قد كسب مغنمًا كبيرًا من الرّوحانيّة والقرب المعنوي من الّله تعالى، فكيف له أن يفرّط بكل هذا التّعب ومجاهدة النّفس والتّضحيات الّتي قدمها من أجل الوصول للقمة في الحياة المعنويّة.  وأضاء الشّيخ على فكرة مهمة متمثّلة بالآية الكريمة "وتزوّدوا فإن خير الزّاد التّقوى"، فهنا مسؤوليّة الفرد المسلم ليس فقط بالتّزوّد من هذا الشّهر الكريم، بل المحافظة على هذا الزّاد وجعله في مخزونه العبادي إلى أن يأتي رمضان آخر، وكذلك يأتي رمضان آخر حتّى ينقضي العمر ويلقى الله بالمخزون الكبير من الرّوحانيّة المرجوّة.


الشّباب ودوره المسؤول

الصيام يدرب الإنسان على النّهي عن المنكر، فيترك الإنسان الغيبة والنميمة والنظرة الحرام، "من لم يدع قول الزور العمل به والكذب، فليس لله حاجة في أن يدع الصائم طعامه وشرابه". ومن هنا ختم الشّيخ حديثه بنصيحة للصائمين وخصوصًا للشباب، الفئة المعوّل عليها كثيرًا، في هذا السّياق: "حافظوا على إنجازاتكم وتعبكم ولا تفرّطوا فيه، فإن التّفريط بالإنجاز هو خلاف للعقل والمنطق، ومن حصل على شيء ثمين فليحافظ عليه وخصوصًا الشّباب، فالشّاب كلّما سار على الطّريق الصّحيح صار أقرب من الله وباهى تعالى به ملائكة سمائه".

 وأخيرًا، هذه العبادات المكثّفة خلال هذا الشّهر المبارك هي تربوية في جوهرها، فالدعاء تربية والصلاة تربية وزيارة الأرحام تربية وقراءة القرآن تربية، وكل هذه الممارسات الرمضانية قادرة على تهذيب النفس وسمّو روحانية الفرد لأطول فترة ممكنة، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة