سياحة ثقافية

سامراء


سامراء هو اسم تلك المنطقة الجميلة الواقعة شمال العراق على بعد حوالي 120 كلم عن بغداد اسمها المركب من 3 كلمات سر من رأى.. يحمل معنيين:
المعنى الظاهري بالسرور لمن يراها نظراً لجمالها.
المعنى الباطني بالسر لأنها تحوي في طياتها وترابها أسراراً إلهية.


* داخل سامراء:
عند دخولك إلى سامراء تطالعك ميزات تلك المنطقة: الساحات الخضراء الخاصة، الأثر السياحي المهم والمعروف بالملوّية، الشوارع المزينة والمقسمة بشكل جميل... تجول داخل سامراء حتى تصل إلى حيث يطل عليك وبشكل مباشر قبة مذهبة تعتبر من أكبر قبب المقامات المقدسة في العراق وهي قبة مرقد كل من:
1 - الإمام العاشر من آل البيت علي الهادي عليه السلام.
2 - الإمام الحادي عشر من آل البيت الحسن العسكري عليه السلام.
3 - السيدة نرجس عليها السلام والدة الإمام الحجة عجل الله فرجه.
4 - السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد عليه السلام.
وقبة خضراء صغيرة قرب تلك المذهبة الكبيرة تحوي تحتها:


* سرداب الغيبة أو مكان سكن ثلاثة من الأئمة المعصومين عليهم السلام.
لا بد هنا من الإشارة إلى أن المعتصم العباسي جعل من سامراء عاصمة العباسيين فعمرها وأغدق عليها المال وزينها بالحدائق والساحات وأقام فيها معسكراً خاصاً لجنوده وعسكره وجلب إليها الإمام الهادي عليه السلام أولاً وفرض عليه الإقامة الجبرية ومن بعده كان الإمام الحسن العسكري عليه السلام وفرض عليه ذلك وبالتالي فقد عرفا عليهما السلام بالعسكريين نسبة إلى تلك المنطقة.


* العتبات المقدسة في سامراء من الخارج:
الداخل إلى سامراء يحضر في ذهنه وبقوة غربة صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه وهذا الشعور للزائر الحقيقي المتوجه بقلب صافٍ وفطرة صحيحة فيبدأ من خارج المقام باستحضار المراقد والمقامات:
* مقام الإمام علي الهادي عليه السلام:
في بقعة من بقاع سامراء المعروفة بالعسكر، عاش الإمام علي الهادي عليه السلام تحت الإقامة الجبرية من قبل المعتصم العباسي الذي ما انفك يتتبع زوار الأئمة الأطهار عليهم السلام وخاصة زوار الإمام الحسين عليه السلام ويضع العيون والجواسيس حول بيت الإمام الهادي عليه السلام في عاصمة استحدثها اسمها سامراء وكثيراً ما تمت مداهمة بيت الإمام عليه السلام وتفتيشه ليجده بين يدي اللَّه عزّ وجلّ قائماً يصلي أو ساجداً أو راكعاً. تقف عند العتبة الطاهرة للمرقد الشريف لتستحضر شهادة الإمام علي الهادي عليه السلام وتولّي الإمام الحسن العسكري عليه السلام الإمامة وما حدث قبل ذلك في الحكاية الخاصة بالسيدة نرجس من شرائها واهدائها للإمام العسكري عليه السلام من قِبَل والده الإمام الهادي عليه السلام. وما هو دور السيدة حكيمة في حفظ الأسرار الإلهية (واللَّه سبحانه يعلم أين يجعل سره). تستحضر تلك الأحداث وتمر بسرعة أمامك.. وتقف عند استنفار بني العباس لمعرفة أحوال الإمام الثاني عشر من آل بيت عليهم السلام؟!.. هل وُلد أم سيولد؟ وكيف وضعوا للسيدة نرجس عيوناً لملاحقتها وكانت التقارير ترفع تباعاً عن أخبار الإمام الحسن العسكري عليه السلام ومنزله وما فيه من تحركات.


*14 شعبان 255هـ ليلة مشهودة:
رغم الحصار والكيد ورغم الإقامة الجبرية ورغم المداهمات الدائمة فقد شاء اللَّه سبحانه أن تكون هذه الليلة هي التي يولد فيها خاتم الأوصياء عجل اللَّه فرجه. فرغم كل الاضطهاد طلب الإمام العسكري عليه السلام من السيدة حكيمة البقاء عند السيدة نرجس هذه الليلة لأنها ستلد الإمام المنتظر عجل الله فرجه. فتستغرب حكيمة فليس على نرجس علامات الحمل مما يعتري النساء الحوامل عادة! ولكنه رغم كل ذلك سيولد بإذن اللَّه عزّ وجلّ صاحب الزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء. تستحضر أخي الزائر ظروف الولادة السرية.. وإخفاء المولود.. تُرى من ساعد السيدة نرجس في الولادة.. وتُرى...


* بعد 5 سنوات‏
استشهد الإمام العسكري عليه السلام ولم يصل أي خبر للسلطة العباسية بأن للعسكري عقباً. واعتقدوا أنهم نجحوا في حصارهم وأن ما قاله النبي صلى الله عليه وآله في أحاديثه عن المهدي المنتظر عجل الله فرجه هو سراب.. تستذكر أخي الزائر ماذا حدث في تلك البقعة يوم شهادة الإمام الحسن العسكري عليه السلام، اجتمعت أركان السلطة العباسية في سامراء وتراصت الصفوف للصلاة على الإمام عليه السلام وما ذلك إلا لاستيعاب محبي آل البيت عليهم السلام وتعيين جعفراً الموالي للسلطة وكأنه إمام الشيعة. وفي مشهد شاهده وسمعه وتكلم به كل الناس وفي ذلك الجمع وقبل تكبيرة الإحرام لصلاة الميت خرج من أحد الأمكنة غلام صغير عليه عمامة جده رسول اللَّه صلى الله عليه وآله على خده الأيمن خال ومشى بسكينة ووقار وسط دهشة الكثيرين، وشدّ بعمه قائلاً: "تنحَّ يا عم فأنا أولى بالصلاة على أبي، فلا يصلي على الإمام إلا إمام" وتراجع جعفر الكذاب يملؤه الغيظ وصلى ابن العسكري عليه السلام على والده عليه السلام وحملت الجنازة ليتم دفنها. وتم دفن العسكري عليه السلام قرب أبيه الهادي عليه السلام واختفى الإمام المهدي عجل الله فرجه وجن جنون السلطة العباسية. وعملت نرجس وحكيمة ما عملته زينب عليها السلام في حفظ الدعوة والإسلام. يستحضرك كل ذلك التاريخ فتقف عند العتبة الطاهرة وتستأذن: "بإذن اللَّه وإذن رسوله وإذن أوليائه الصالحين أدخل هذا المقام فكونوا ملائكة اللَّه أعواني وأنصاري حتى أدخل هذه الروضة المباركة وأدعو اللَّه بفنون الدعوات رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق". ثم تقدِّم الرجل اليُمنى داخلاً إلى العتبة المقدسة: بسم اللَّه وباللَّه وفي سبيل اللَّه وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله وتسلم على:
الإمام علي الهادي عليه السلام
الإمام الحسن العسكري عليه السلام
السيدة حكيمة
السيدة نرجس‏
وعلى ابنها الطاهر صاحب الزمان عجل الله فرجه داخل الحضرة الشريفة
وتدخل إلى حضرة العسكريين عليهما السلام بسكينة ووقار مستقبلاً قبريهما الشريفين وضريحيهما الطاهرين وتأخذك رهبة المقام، فهما مميزان بوسعهما ووفرة أماكن الصلاة وتعدد الزيارات. تزور الهادي عليه السلام وتتوجه بعدها لزيارة العسكري عليه السلام ثم السيدتين حكيمة ونرجس وبعد زيارتهم جميعاً (عليهم السلام) تتوجه إلى السرداب لتعاهد إمام زمانك عجل الله فرجه وتناصره وتبايعه.. لذلك فإن لزيارة العسكريين عليهما السلام في سامراء طعماً خاصاً. فبعد زيارتك للهادي عليه السلام بزيارة خاصة منها:
السلام عليك يا أبا الحسن علي بن محمد الزكي الراشد السلام عليك يا صفي اللَّه السلام عليك يا سر اللَّه..
تزور العسكري بزيارة خاصة ومنها:
السلام عليك يا أبا الإمام المنتظر عجل الله فرجه السلام على خير خلق اللَّه السلام عليك يا حبل اللَّه..
وتزور السيدة نرجس بزيارة خاصة ومنها:
السلام عليك يا شبيهة أم موسى عليها السلام وابنة حواريي عيسى عليه السلام السلام عليك أيتها التقية النقية السلام عليك أيتها المنعوتة في الإنجيل المخطوبة من روح اللَّه الأمين. وتزور السيدة حكيمة ابنة الإمام الجواد عليه السلام وقبرها ملاصق لضريح العسكريين بزيارة خاصة. وتصلي لكل منهم ركعتي زيارة وتدعو بدعاء خاص تعقيباً لكل صلاة.. وعند انتهائك تقف للوداع فتودع الجميع خاصة العسكريين عليهما السلام راجياً من اللَّه أن يرزقك العودة ثم العودة.. وتخرج إلى خارج الحضرة ولا تولِ ظهرك للمقام الشريف احتراماً لأصحاب الحضرة المقدسة عليهم السلام وتتوجه إلى طرف صحن مقام العسكريين عليهما السلام حيث مقام السرداب وتقف على بابه مستأذناً متأملاً... هنا... اختُصرت كل الأزمنة على عتبة باب صاحب الزمان.. هنا هانت كل غربة.. هنا على باب غربة صاحب الزمان.. باب لأواليه.. وباب لأعادي من يعاديه.. هنا باب يحبه اللَّه ويحب زائريه.. تتسارع الأفكار.. والأسئلة تحت القبة الصغيرة ماذا حدث حين مشاهدة العسكري عليه السلام؟! ترى كيف تعاملت السلطة مع أحباء الإمام عجل الله فرجه؟! ومن بعده النواب كيف استمر سر الغيبة محفوظاً.. وتبكي لأن الدموع بهذا الموضع لا تنحصر وكل دمعة تحمل آهات وأوجاعاً ومنها: متى نراك وترانا.. (ومنها) السلام عليك يا مفرج هم المهمومين.. (ومنها) اللهم عجل فرجه.. (ومنها) إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً.


* سرداب الغيبة:
فإذا فرغت من زيارة العسكريين عليهما السلام والسيدتين الجليلتين عليهما السلام فامضِ إلى السرداب فهو سرداب الدار التي كان يسكنها العسكريان والمهدي عجل الله فرجه وحصول الغيبة منه، وليست معناه أن صاحب الزمان موجود فيه كما يتوهم البعض. فإذا وصلت إلى بابه فقل دعاءً خاصاً وفيه:
اللهم إني وقفت على باب من أبواب بيوت نبيك (صلواتك عليه وآله) وقد منعت الناس من الدخول إلى بيوته إلا بإذنه.. عندما تنزل على تلك الدرجات تتساءل.. ترى إلى أين أمضي؟! وما يُخبى‏ء لي القدر في السرداب؟!.. وتصل إلى غرفة صغيرة في آخرها قماش أخضر اللون وإضاءة خافتة موجهة باتجاه القماش ليستحضرك: دعاء الندبة دعاء العهد دعاء الفرج والدعاء الخاص في السرداب والصلوات الخاصة لتسمع من أعماقك الجواب وكأنه الصدى من الوادي: (بقية اللَّه خير لكم إن كنتم مؤمنين) تقف في السرداب وقلبك ينفطر على غربة صاحب الزمان عجل الله فرجه فأنت في دار أبيه وداره وفي ضيافته وهو غريب. بعد الانتهاء من الأعمال المستحبة في السرداب تهم بالخروج من الباب المخصص وفيه عدة درجات وتصعد وبكل درجة تعيدك بالذكرى إلى سنة 255ه حين غاب المنتظر عجل الله فرجه فترك السرداب، وترك سامراء، بل وترك الناس كلها ليعود لنا جميعاً بإذن اللَّه. تترك السرداب وتصل إلى الردهة الخارجية التي توصل الصحن الشريف للعسكريين عليهما السلام وتقف لتردد الدعاء: "اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً...". وتودع معاهداً الإمام المنتظر عجل الله فرجه وتخرج لتقف على أطراف العتبة الطاهرة في سامراء متفكراً ومتأملاً في سر اسم تلك المنطقة.
سامراء... سر من رأى ... بل سرور من رأى.


* محمد خشفة – مجلة بقية الله - العدد 132

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة