مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مهدي الآصفي
عن الكاتب :
عالم ومفكر اسلامي كبير، واستاذ في الحوزة العلمية، توفي(٤/٦/٢٠١٥)

مخاطر الخلط بين العلم والثقافة


الشيخ محمد مهدي الآصفى ..

من المفيد أن نعمد إلى إثارة نقطة حساسة يثيرها دعاة التغريب فى الغالب لتسويغ الدعوة إلى الانسلاخ عن التراث، وهى أننا لا نستطيع أن ناخذ بأسباب العلم والتكنولوجيا الغربية ما لم نأخذ بأسباب الحضارة الغربية قبل ذلك، وما لم نحاول أن نفكر كما يفكر الناس فى الغرب، وأن نتصور الأشياء كما يتصورها الناس فى الغرب، وأن نعيش فى المجتمع كما يعيش الناس فى الغرب.
إن التمسك بالعلم والصناعة الغربية لا يتيسر لنا إلا عندما تتغير أفكارنا وتصوراتنا ورؤيتنا للّه والكون والإنسان والأشياء، وتتغير أخلاقنا وثقافتنا وحضارتنا باتجاه الأخلاق والثقافة والحضارة الغربية.
وهذا الخلط بين العلم والثقافة هو سبب هذا التضليل كله، ولو شئت أن تكون على يقين مما ذكرنا فاقرأ ما كتبه الدكتور كامل عياد عن (مستقبل الثقافة فى المجتمع العربى).
يقول: (نحن لا يمكننا أن نتقدم فى الصناعة الآلية... دون نشر هذه الثقافة "الثقافة الغربية" بين الشعب على أكبر مقياس ممكن).
فلكي يتسنى لنا أن نأخذ بأسباب العلم والمعرفة التجريبية، لا بد لنا، كما يقول هؤلاء، أن نلقي بأنفسنا مرة واحدة فى أحضان الحضارة الغربية، فى ما طاب من حضارتهم وفى ما خبث، (وفى خيرها وشرها، وحلوها ومرها، وما يحب فيها وما يكره، وما يحمد فيها وما يعاب)، كما يقول الدكتور طه حسين من غير حياء ولا خجل.
ومن دون هذا التعميم لا نتمكن من أن نأخذ بشى‏ء من أسباب العلم والمعرفة التى تتصل بنا من الغرب. ويقول الدكتور كامل عياد فى الكتاب نفسه: (لا بد لنا من الاعتراف بأن تقاليدنا لا تتعارض مع الاقتباس من الثقافة الحديثة السائدة فى الغرب.
وفى الحقيقه إذا تركنا المحافظين فى بعض الأقطار العربية وهى فئة قد أصبحت لحسن الحظ قليلة العدد فإننا لا نجد اليوم بيننا من ينكر ضرورة هذا الاقتباس. وإنما هناك فئة تسمي نفسها بالمعتدلة تريد أن يقتصر الاقتباس على محاسن الحضارة الغربية وعلى تلك النواحى من ثقافتها التى تتلاءم مع حضارتنا وتقاليدنا وعاداتنا. ونقطة الضعف فى هذا الرأى الصعوبة فى تحديد الصفات والتقاليد والعادات التى نختص بها، ويجب أن نحافظ عليها، ثم الاختلاف حول المعيار الذى يميز بين المحاسن من المساوى‏ء).
فالكاتب هنا يغتبط أشد الاغتباط أن عدد المحافظين يتناقص، ويسوؤه أن المعتدلين لم يعودوا يدركون حقيقة المشكلة. إن المشكله كلها، عند هؤلاء، هى فقدان المعيار الذى نميز به المحاسن من المساوى‏ء. وعندما يبلغ الأمر هذا الحد فمن الخير أن نمضي ولا نعلق.
ولو أن الدعاة إلى التغريب كانوا يفصلون بين العلم والثقافة، وبين الحقول التى نجد فيها عجزًا وتخلفًا والحقول التى نملك فيها غنى وثروة، ونأخذ من الغرب ما نحتاجه نحن من العلم والصناعة، ونرجع إلى رصيدنا وتراثنا، فيما أغنانا اللّه تعالى من كنز المعرفة والأخلاق والحضارة والعقيدة والفلسفة والمعرفة، لنصدره لهم... أقول: ولو أن دعاة التغريب كانوا يفصلون بين العلم والثقافة، وبين ما نحتاج إليه وما نستغني عنه، لم نكن ندخل فى شى‏ء من هذه المداخل التى أساءت إلى حاضرنا وماضينا وحضارتنا، وأغنونا فيما نحن نحتاج إليه من العلوم والاختصاصات التى نفقدها نحن، من دون أن يفصلونا عن تاريخنا وحضارتنا وماضينا وأصالتنا التاريخية.
لكن الضعف النفسي والهزيمة النفسية فى مواجهة التطور العلمى والتكنولوجي فى الغرب، أدى بنا إلى أن نتنكر لأنفسنا ولتراثنا وحضارتنا، وأن نرمي بأنفسنا فى أحضان الغرب والشرق من دون أية حسابات وموازنات، ومن دون تقويم وانتقاء وانتقاد، ومن دون أن يكون لنا على الأقل حق النظر فى هذه الحضارة لنقومها ونميز خيرها من شرها.
ويتوارى هؤلاء فى الغالب خلف الكلمات الضبابية فى الإعلان عن حقيقة رأيهم وموقفهم فى هذه المسألة الخطيرة.
وحقيقه الأمر أن هؤلاء يشكون فى إمكانية الرجوع إلى (الاسلام) لفرز الصحيح عن الخطأ، ولانتقاد الحضارة الغربية.
ولنستمع إلى الدكتور أحمد عبد الرحيم مصطفى فى هذه المقولة: (وبدت صعوبة هذه المشكلة فى أنه لم يسهل تحديد ما يتماشى وما لا يتماشى مع الشريعة، أي الاطار القانوني الإسلامي، إذ إن مسايرة العصر اتجاه ضعيف فى الإسلام، على اعتبار أنه من الصعب تطوير منهاج ذي أصول إلهية).
ثم يكشف الكاتب حقيقه الموقف وخلفيات هذه الدعوه من دون ستار وبصراحة باسم (قله من المصلحين) فيقول: (واتجهت قلة من المصلحين إلى التصريح بأن القوانين الإسلامية مشتقة من بداية التجربة المدنية للعرب، بمعنى أنها كانت مجرد استجابة لمتطلبات هذه الفترة الاجتماعية، الأمر الذى يستلزم إعادة النظر فيها بحسب الظروف المتغيرة).
هذه هى حقيقة الموقف. إن المواقف الاستسلامية تجاه الحضارة الغربية تستبطن أمرين اثنين، أولهما: الهزيمة النفسية والإحساس بالضعف تجاه الحضارة الغربية، وثانيهما: عدم الإيمان برسالة اللّه والشك فى أن هذه الرسالة من اللّه العلي القدير، أو الشك فى وجود اللّه تعالى رأساً.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة