مقالات

أهمية التربية في الإسلام (1)


التعريف اللغوي للتربية: 
لقد عَرَّف اللُغَويُّون وأصحاب المعاجم لفظة التربية بأنها: إنشاءُ الشيءِ حالاً فحالاً إلى حَدِّ التمام. وربُّ الولدِ ربّاً: وليُّه وتَعَهُّدُهُ بما يُغذِّيه ويُنمِّيه ويُؤدِّبه.


تعريف التربية الإسلامية: 
من هذا المنطق يمكننا تعريف التربية الإسلامية بأنها: عملية بناء الإنسان وتوجيهه، لتكوين شخصيَّتِهِ، وفقاً لمنهج الإسلام الحنيف وأهدافه السامية في الحياة. 
فالتربية إذن تعني تنشئة الشخصيّة وتنميتها حتى تكتمل وتتخذ سماتَها المميِّزة لها.


أهميَّة التربية الإسلامية: 
من الأمور المُسَلَّم بها أن الإنسان يولد صفحة بيضاء، غير مُتَّسِم بملامح أي اتجاه أو سلوك أو تشكيلة، إلا أنه يحمل الاستعداد التام لِتَلَقِّي مختلف العلوم والمعارف، وتكوين الشخصيَّة والانخراط ضِمن خطٍّ سلوكيٍّ معيَّنٍ. 
لذا فإن القرآن الكريم يخاطب الإنسان ويذكره بهذه الحقيقة الثابتة، وبنعمة الاستعداد والاكتساب والتعلُّم، التي أودعها الله عزَّ وجلَّ فيه لكسب العلم والمعرفة، والاسترشاد بالهداية الإلهيَّة. 
فقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾. 
ويذكر الإمام عليّ عليه السلام هذه الحقيقة أيضاً بقوله: "… وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما ألقي فيها من شيء قبلته". 
وقد شرح العلاّمة الحلّي رضوان الله عليه مراحل تكوّن المعرفة لدى الطفل، فقال: "إعلم أنّ الله خلق النفس الإنسانيّة في بداية فطرتها، خالية من جميع العلوم بالضرورة، قابلة لها بالضرورة، وذلك مشاهد في حال الأطفال، ثمّ إنّ الله تعالى خلق للنفس آلات بها يحصل الإدراك، وهي القوى الحسّاسة، فيحسّ الطفل في أوّل ولادته لمس ما يدركه من الملموسات، ويميّز بواسطة الإدراك البصري على سبيل التدرّج بين أبويه وغيرهما". 
وبهذا الترتيب يتوجه الإنسان في تلقيه للمعرفة إلى استخدام أحاسيسه، فهو يتعرّف على ثدي أمّه، نظراً لعلاقته الحياتية به وحاجته إليه في التغذي، ثمّ يتعرّف على أمّه قبل غيرها ممّن يحيطون به. 
ثمّ إنّ هذا الطفل يزداد فطنة وذكاء، فينتقل من إحساسه بالأمور الجزئية إلى معرفة الأمور الكليّة، مثل التوافق والتباين والأنداد والأضداد، فيعقل الأمور الكليّة الضروريّة بواسطة إدراك المحسوسات الجزئيّة. 
ثمّ إذا استكمل الاستدلال عنده، فإنه يتمكن حينئذ من إدراك العلوم الكسبية بواسطة العلوم الضروريّة. 
فظهرمن هذا أن العلوم المكتسبة فرع على العلوم الكلّية الضروريّة، والعلوم الكلّية الضروريّة فرع على المحسوسات الجزئيّة. 
فلهذا، يتعيّن على الأبوين في ظلّ التعاليم الإسلاميّة أن يبادروا إلى تربية أطفالهم وتعليمهم منذ نشأتهم الأولى. 
ومن جهة أخرى، فإنّ الطفل ـ كإنسان ـ وهبه الله عزَّ وجلَّ العقل والذكاء، وخلق فيه موهبة التعلّم والاكتساب والتلقي. 
فهو منذ أن يفتح عينيه على هذه الدنيا يبدأ عن طريق أحاسيسه بالتعلّم واكتساب السلوك والآداب والأخلاق، ومختلف العادات، وكيفيّة التعامل مع الآخرين. فنجد أنّ الأجواء المحيطة بالأسرة وطريقة تعاملها ونمط تفكيرها، كلّ ذلك يؤثر تأثيراً مباشراً وعميقاً في تكوين شخصيّة الطفل، وبلورة الاتجاه الذي سوف يتخذه في المستقبل.
فإن كانت تلك العائلة سليمة ومؤمنة ومستقيمة وملتزمة بتعاليم الإسلام السامية، فإن ذلك سوف يساعد الطفل على أن يكون فرداً صالحاً وإنساناً طيّباً وسعيداً. وإن كانت تلك الأسرة من العوائل المتحلّلة المنحطة، فإن ذلك سوف يوفر الأرضية إلى انحطاط شخصية ذلك الطفل وخروجه إلى المجتمع فرداً فاسداً مجرماً شقيّاً. فلذا جاء في الحديث النبويّ الشريف: "ما من مولود يولد إلاّ على هذه الفطرة، فأبواه يهوّدانه وينصّرانه". 
وقد أثبتت التجارب والدراسات العلميّة التي أجراها الباحثون والمحقّقون في مجال البحوث التربويّة والنفسيّة، أن للتربية أثراً كبيراً ومباشراً في تكوين شخصيّة الفرد وبلورة أهدافه وميوله ورغباته في الحياة. 
وقد تطابقت هذه البحوث والتحقيقات مع قواعد الرسالة الإسلاميّة المباركة وقوانينها التربويّة العلميّة، فغدت تأييداً ومصداقاً للتعاليم الإسلاميّة الحقّة في مجال التربية والتعليم. 
فتقول معظم الدراسات التي أجريت في هذا المجال بأنّ شخصية الطفل تتحد في سِنِي عمره الأولى، وفي هذه الفترة تنمو مواهبه الفرديّة، وتتكوّن لديه ردود فعل على الظواهر الخارجيّة، عن طريق احتكاكه بالمحيط الذي يترعرع فيه. 
وتكتمل هذه الردود وتأخذ قالبها الثابت في حينه: "من شبّ على شيء شاب عليه". 
وفي الحقيقة أنّ للقيم السائدة في العائلة التي يعيش الطفل فيها ـ سواء كانت إيجابيّة أم سلبيّة ـ دورا‍ً خطيراً ومؤثراً في تأطير طريقة تعامله مع الآخرين. 
وقد أثبتت الأبحاث التربويّة أيضاً أنّ للأجواء المحيطة بالطفل التأثير المباشر في تكوين نظرته إلى نفسه في هذه الحياة.
فإنه إن لمس الرعاية والمحبّة والعاطفة السليمة والحنان والاهتمام والتقدير والتشجيع والمكافأة بين أفراد أسرته، تشرق صورته في نفسه وتطيّبها، وتنمي قدراته ومواهبه وإبداعاته وابتكاراته، وتجعله يشعر بإشراقة مضيئة تشعّ من ذات شخصيّته فتؤهّله للقيام بدور فعّال في حياته العائليّة، ومن ثمّ المدرسية والمهنيّة فالاجتماعيّة. 
وقد أثبتت هذه الدراسات والتجارب أن 50 % من ذكاء الأولاد البالغين السابعة عشرة من العمر يتكوّن بين فترة الجنين وسنّه الرابعة. 
وأنّ 50 % من المكتسبات العلميّة لدى البالغين من العمر ثمانية عشر عاماً تتكوّن ابتداءً من سنّ التاسعـة. 
وأنّ 33 % من استعدادات الولد الذهنيّة والسلوكيّة والإقداميّة والعاطفيّة يمكن معرفتها في السن الثانية من عمره، وتتوضح أكثر في السنّ الخامسة بنسبة 50 %. 
وتضيف دراسة أخرى بأن نوعيّة اللغة التي يخاطب الأهل أولادهم بها تؤثر إلى حدّ كبير في فهم هؤلاء وتمييزهم لمعاني الثواب والعقاب، وللقيم السلوكيّة ولمفاهيمها، ودورهم في البيت والمجتمع. 
فلهذا، نجد أن الإسلام العظيم أبدى عنايته الفائقة بالطفل منذ لحظات ولادته الأولى. 
فدعا إلى تلقينه الشهادتين، لكي تُبنى شخصيّته وفق الأسس الدينية، والتعامل الصحيح، ولكي تترسخ القواعد الفكريّة الصحيحة في عقله ونفسه. 
فقد روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام عن جدّه الرسول صلى الله عليه وآله أنه قال: "من وُلد له مولود فليؤذن في أذنه اليمنى بأذان الصلاة، وليقم في أذنه اليسرى، فإن إقامتها عصمة من الشيطان الرجيم". 
ولعلّ أكثر الأدلة صراحة على تحديد مسؤوليّة الوالدين في مسألة تربية أولادهم، وأهميّة التربية في الإسلام هو قوله عزَّ وجلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة﴾ُ. 

مركز آل البيت "عليهم السلام" العالمي للمعلومات
 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة