لقاءات

حسين آل سهوان: القصيدة جسد يحتاج إلى المحبة الإنسانية لتبقى على قيد الحياة


نسرين نجم ..

من أبجدية العشق الحسيني خطّ كلماته فدثّر نصوصه بالهيام الرباني، وأعلنها للملأ رسالة- قضية عناوينها التضحية والإخلاص والوفاء للنهج المحمدي العلوي الأصيل، أبدع بشعره فحرّك قلوب محبي آل البيت (ع) للارتشاف من نصوصه ما يروي عطشهم للتقرب من عوالم آل بيت محمد (ع) النورانية العرفانية، إنه الشاعر الحسيني حسين آل سهوان الذي أجرينا معه هذا الحوار :


* الشعر رسالة إسراء ومحبة:
اختاره الشعر وقذف بقلبه إضاءات حسينية فلبى النداء وسار على دربه، وهو يعتبر بأن بدايته مع الشعر: "كانت التفاتة قلب حاصرته السماء بصرخات لبيك يا حسين، تسلّل من ثقب العشق أبجدية تحاكي النور لتصل إلى معدن الجمال الإلهي، ربما لم أقرأ قبل تلك اللحظة إلا وجهه الملكوتي الذي أذابني بكلي فيه كما أذاب الشهيد الصدر رضوان الله عليه، أشف من مبسمه تواشيح السلام، وألتمس من روحه القديسة سدرة الغرام وأهدهد خواطر الهيام لتصَّعد ألوهة تبوح بقافية (الضاد) كانت الرحلة وما زالت مفردة عرفانية تحاول الوصول إلى المقام. ولأن الشعر وحده قادر على التدثر بدفء المناجاة؛ اتخذت منه عرجونًا يحركني جهة الحب فالشعر رسالة إسراء ومحبة، ومرايا فضاءاتٍ تأسر الأرواح موحدةً تحت ظلّ الوزن والمجاز والحقيقة والخيال، فكلما فتحت صفحة تراءت إلي كمالات الشعراء تلك الكمالات التي نتغذى منها إلهامًا صحيحًا بعيدًا عن منهج الغفران الذي يبيد الكلمة تحت وطأة الهجر والنسيان ..
فلا شيء مثل الشعر يكتبنا على صفحاته حين اشتهاء الروح للنبض الأصيل..!"

انطلاقًا من هذا، سألنا الشاعر حسين آل سهوان: هل الشعر قضية بالنسبة إليكم؟ أجاب: "بالنسبة لي ثَمَّةَ كفٌّ خالدة تشير بأنوارها أن خُطَّ على جدار الزمن أبجدية تواسي تلك الدموع تعطف حروفها رمزًا صوفيًّا يتحسس القلوب فتتسع القصيدة باتساع الوجع المبنج على تراب امتلأ بالحزن، فالشعر يبتكر رسالته لحنًا من العدم حين ترتعش العيون مودعة الوهن هاربة من فلسفة الحب وحده إلى قضية الشعور بالمسؤولية كما ورد في خطبة للإمام علي عليه السلام: (اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام ولكن لنرد المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطلة من حدودك)".
 وحول ما إذا كان يسعى إلى وضع بصمة جديدة خاصة يصبغ الشعر فيها يقول: "لا شك أن لكل كاتب أو شاعر حسًّا تكوينيًّا يحاول من خلاله أن يرسم أبجدياته المسكونة بتفاصيل الماضي والمعجونة بطين الحضارات، يحاول أن يكون قصيدة تلامس أرضه فيتخذها معبدًا على امتداد النخل والبحر والريحان وخط استواء على خارطة المعنى المقدس فما زلت أفتش عن تلك الصبغة عن صفحة التكوين لعلي بها أبلغ أسباب الاتصال بأبجدية أهاجر بها إلى منتهى الكمال، وأبحث بها عن سماء صافية أو لتتعلق روحي قصيدة في فيه الزمن محاولة في سبر أغوار الكلمة لتنفذ صبابة بيضاء إلى القلب مباشرة.. إنها رحلة طويلة بدأتها حرفًا كربلائيًّا لأتنفس الحسين عليه السلام".
وعمّا يكتبه على صفحته "الفايسبوكية" تحت عنوان أبجدية العشق، هل يدخل في نطاق الشعر الصوفي؟ وما أهمية هذا الشعر؟ يرى بأن: "كل إنسان على وجه الشعر ازدان بالجمال، فهو والعشق معًا مفردة تتبختر في ساحة القلب تنطلق من عالم الوحدة لتحط أبجدية شاهدة على قوافي الكثرة والتعدد. فعالمي مزيج من مظاهر العشّاق تحركه يد السماء فالحرية هنا أن تكون أسيرًا للعشق، أن تتغذى نبضاتك الشقية من ألمه، وأن تفتح صفحاتك الملكوتية لمعاناته. هكذا تعلمت: (إذا لم تكن قد مشيت في طريق العشق فاذهب وأحب واعشق ثم عد إلينا بعد ذلك)..
إنها صفحات عتيقة مقدسة عمرها قارب على الخمسين عامًا حين احتضنتني أمي الحنون، صافحت قلبها عاشقًا فنمت الأبجدية ترنيمة وِرد تباركه فاتحة المقام."


* السوشيل ميديا والمسابقات الشعرية:
لا يخفى على أحد دور المسابقات الشعرية الحاصلة في عالمنا العربي والإسلامي في إظهار بعض الطاقات الشبابية، ولكن إلى أي حد استطاعت فعلًا أن تنصف الشعراء وتعطي لكل ذي حق حقه؟: "حين ظهرت المسابقات الشعرية قبل عدة أعوام كنت كما الكثير من المتابعين لها، رغم أنها بخست حق كبار الشعراء الذين يشهد لهم الجميع بكفاءة مطلقة، إلا أننا كنا نتابعها بشغف وكان ظهورها صحيًّا على الساحة الشعرية تعرفنا من خلالها على شعراء مبدعين وما زلنا نقرأ صفحاتهم الممتلئة بالجمال، أما في الآونة الأخيرة وبسبب كثرة المسابقات الشعرية والتي تعتمد أكثر على السوشيال ميديا فالشعر أصبح يقاس بعدد المتابعين (بالفزعة والميول والقرابة) ففقدت مصداقيتها وبريقها فلم يعد لها جذب كما السابق ..وهذا لا يمنع أن للمسابقات دورًا كبيرًا في إثراء الساحة الشعرية وإبراز الطاقات الشبابية!"

يقول حسين آل سهوان: "إن بين الشعر والشروق علاقة حب أسطورية وصيرورة تسيطر على القلوب كمجرة تحملنا إلى أحضان الجمال". فسألناه  من خلال هذا الكلام: هل ترون بأن الوقت يغذي الشعر؟ وماذا عن الغروب؟ يجيب الشاعر سهوان: "رغم أن الشعر يأتي في معظم الأحيان بلا موعد لكنني أعتقد أن هناك معركة حامية بين الوقت والشاعر سواء أكان الوقتُ شروقًا أو غروبًا، فاللحظة هي التي تحدد مسار القصيدة فما بينهما ورقة ويراعة تعكسان صورتهما فترتسم ملامح الشاعر ونبضاته وبلاغته عاطفة على وجه السماء".

فمتى تموت القصيدة ؟ يقول: "قبل موتها أكتب على خارطتي سؤالًا مثيرًا كلما شرعت باحتضان القوافي وشفاهي ترتعش من شدة الخوف.. من يشيع القصيدة بعد أن يدركها الموت؟! لعلها تموت حين لا يكون الحب نبضها المقدس، يخرج شيطنة داخلًا قلب الإنسان، فيحيل الأخير إلى أداة تديرها الشكوك؛ فلا حياة للقصيدة إذا خلت أبجديتها من تأملات الحياة، ولا حياة لها إذا ارتبطت بلذة ملعونة متصلة بعري اللحظة وانتهاء المدة؛ فحسبي أن القصيدة جسد يحتاج إلى المحبة الإنسانية لتبقى على قيد الحياة!".

 


* الكتابة عن الأئمة روح القدس:
من المعروف بأن الشاعر حسين آل سهوان من المبدعين في الكتابة عن الأئمة (ع) لذا سألناه: إلى أي حد تسمو الكتابة عن الأئمة بالروح؟ وما هي شروطها ؟ أجاب: "تلك هي روح القدس.. فمن جملة الأمور التي حث عليها أئمة أهل البيت عليهم السلام هي قراءة القصائد التي تتعلق بذلك النور المقدس الذي طوقتنا به أنفاس السماء كما روي عن الإمام الصادق عليه السلام :  (ما قال فينا قائلٌ بيتَ شعرٍ حتى يُؤيد بروح القدس). فمن خلاله تؤدب القوافي وتتمثل روح الإيمان في صورها فتحرك المشاعر والعواطف تتقاسم صورة الحب والتلاوة والنصر، فالكتابة فيهم وسام شرف نسأل الله العلي القدير أن يوفقنا لنكون أحد الشعراء الذي يخطون عشقهم صلاة في محراب النور.
لا شك أننا نحتاج إلى طقوس الأنبياء لنصل لهم (كميتيين)، نغتسل بدموع كربلاء، نقرأ تفاصيل حياتهم نعيشها جملة مقدسة تحاكي رجال الله وترسم فصول الشهادة امتدادًا حقيقيًا لـ "كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء" أن نشعر بالمسؤولية فلا نكتب ما يخدش سمو مقامهم وعظمتهم وأن نختار أبجديتنا التزامًا بوصاياهم عليهم السلام. لهذا دائمًا أقول أن تكتب في أهل البيت عليهم السلام قصيدةً ‎يعني أنكَ تحتاجُ إلى يراعةٍ لم تمسسها يدُ بشرٍ قَطْ، تحتاجُ إلى قرطاسٍ مُذهّبٍ من الجنةِ، وإلى جُبٍّ يُوسُفي تغتسلُ فيه بزمزميةِ الشوقِ لتستقبلَ ملائكةَ الحبِّ والجمال، وتحتاجُ إلى محرابٍ يقعُ بين الأرضِ والسماء.."
أما عن مشاريعه الحالية والمستقبلية: "لعل مشاريعنا لا تتعدى الشعر، في الوقت الحالي أسعى للانتهاء من ديوان شعر خاص بالإمام الحسين عليه السلام، وكذلك جمع خواطر نثرية بعنوان (أبجدية العشق)، وفي المستقبل أجمع القصائد المحفلية التي ألقيتها على فترات زمنية وبمناسبات نختلفة نسال الله أن يوفقنا لذلك".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة