قراءة في كتاب

الحسين وقصّته الأخيرة


ربى حسين ..

هي قراءة وجدانيّة منفردة، استنطقت عقلنة التّأريخ وهيام العاطفة بقلم الشّهيد محمد باقر الصّدر، وضعت ضمن تقرير لآية اللّه السّيد كاظم الحائري. وقد خاض السّيد الصّدر ضمن كتاب "الحسين يكتب قصّته الأخيرة" في تصوير المعطيات النّفسيّة مظهرًا مدى درجة الاستعداد الرّوحي، ودرجة الإنهزاميّة الأخلاقيّة لدى شموليّة السّلطة والطّغاة. يحوي الكتاب دراسة تحليليّة عن حركة الإمام الحسين (ع)، ناهيك عن الرّسومات الدّقيقة في تصوير ضلال الواقع السّياسي ومعطياته على واقع الأمّة، ورجالات الرّسالة بشكل  خاص.
وكما لكل ثورة جذور في نظام ومؤسسات المجتمع الذي اندلعت فيه، وظروف سياسية واقتصادية واجتماعية معينة، فلكلّ ثورة نتائج سياسية وفكرية وآثار مادية ومعنوية. في هذا السياق جاءت ثورة الإمام الحسين "عليه السلام" صورة حية من واقع تاريخ الصراع الإنساني ككل، كما هي صورة الحسم في ميادين المواجهة المتواصلة بين جبهة الحق والعدل وجبهة الباطل والظلم.


سيرة السّيد الصّدر
يقول الحسين في بيان ثورته: "وإني لم اخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالـمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يحكم الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين".
وبعد عرض مقدّمة وجدانيّة عن الموت ومفهومه الصّحيح لدى آل البيت خصّص الفصل الأول من الكتاب لاستعراض السّيرة الذّاتية للسّيد الصّدر بدءًا من نشأته وتعليمه ونضاله ضد البعثيّين دفاعًا عن دين أجداده وحتّى آخر أيّام حياته.


التخطيط الحسيني لتغيير أخلاقيّة الهزيمة
يتمحور موضوع هذا النّص حول محاضرتين للشّهيد السّيد محمد باقر الصّدر ألقاها في النّجف الأشرف. وفي مقدّمة الكتاب استهل الكاتب الفصل الأول بالحديث عن تلك الوقفة لسيد الشّهداء (ع) أمام الأمراض الّتي عصفت بالمجتمع الإسلامي، وكان هناك استعراض لمشاهد موت الإرادة في المجتمع الحسيني. وقد بيّن الكاتب موقف ما كان يسمّى بالعقلاء الّذين كانوا يخوّفون الإمام من الموت إذا ما سار في هذا الخط للنّهاية. والمشهد البارز كان موقف عبد اللّه بن الحر الجعفي الّذي قصده الإمام وطلب مساندته فتمنّع وهو أكثر العارفين بصحّة هذا الخط ولم يقدّم إلّا فرسه.
أراد الإمام الحسين أن يبدّل هذه الأخلاقيّة، ويصنع أخلاقيّة جديدة لهذه الأمّة تنسجم مع القدرة على التّحرك والإرادة حينما كان يقول "لا أرى... والحياة مع الظّالمين إلّا برما" . وفي السّياق نفسه أتى السّيد الصّدر على ذكر أحداث تاريخية مع أهالي البصرة والكوفة الّذين كانت قلوبهم مع الإمام وسيوفهم عليه في ظلّ اندفاع البعض للسّيطرة على السّلطة آنذاك.


أساليب كسب أخلاقيّات الهزيمة  
وضمن هذا الباب عرض للأساليب ومنها عدم البدء بالقتال بل اتّخاذ الموقف الدّفاعي وهذا ما اتّسم به عهد أبيه الإمام علي بن أبي طالب (ع). وبعض هذه الأساليب لكسب هذه الأخلاقيّة ومجاملتها، كان حشد كل المثيرات العاطفيّة في المعركة، وخاصّة أنّه في المعركة لم يوفّر صحابيًّا ولا ولدًا ولا رضيعًا.
ويعتبر الشّهيد الصّدر أنّ الإمام الحسين بهذا التّخطيط الدّقيق استطاع أن يهز ضمير ذلك المسلم قبل ثلاثة عشر قرنًا، ولا بد أن يهزّ ضمير كلّ منّا اليوم حينما نجابه أي موقف إغراء أو ترهيب، مستشعرين حجم التّضحية العظيمة تلك الّتي أقدم عليها الإمام، مستصغرين حجم بلاءاتنا الدّنيويّة تلك.


الشّهداء من آل البيت والصّحابة
ومن ثمّ انتقل  للحديث عن شهداء واقعة الطّف. واستهل حديثه عن العدد الكلّي للشهداء نسبة إلى روايات المؤرّخين المتواترة. كما لفت إلى نقطة مهمة هي أنّ الأموييّن لم يسمحوا للكثير ممن حاولوا تأريخ الواقعة الكتابة عنهم وتأريخ شهاداتهم بل سعوا إلى تقليص عدد الشّهداء الحقيقي. وذكر هذا الباب أسماء شهداء آل البيت وباختصار ذكر كيف استشهدوا على رمضاء كربلاء المقدّسة.
 انتقل السّيد الصّدر للحديث عن الجسد الطّاهر لسيد الشهداء وما حلّ به مشيرًا إلى التّنكيل الّذي تعرّض له بعد المعركة ذاكرًا الرّوايات العديدة المشيرة إلى ذلك، كما أضاف بحديثه عن الرّأّس الشريف للإمام والمواقف الّتي تعرض لها من كربلاء إلى رأس يزيد لعنه اللّه.


الأصحاب الشّهداء
هذا الفصل خصّص لذكر أسماء الأصحاب الشّهداء الّذين بلغ عددهم حوالي مئة وثمانين، وكيف دافع كلٌّ منهم حتّى الرّمق الأخير دفاعًا عن حرم رسول اللّه (ص) واستشهد عطشانًا مظلومًا على رمال الصّحراء.


النفعيّة والقيميّة مصاديق من الطّف
طرح الكاتب العديد من الشّواهد التّاريخيّة الّتي تؤكّد صراع المنظومتين وخاصّة بعد وفاة الرّسول (ص)، على الرّغم من قوله: "علي مع القرآن، والقرآن مع علي، لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض". وقد تطرّق للحديث عن خلافة الإمام علي  بعد وفاة الرّسول (ص) وتداعيات ذلك على المسلمين، مشيرًا إلى عدد من الخطب الّتي يصف فيها معاوية وسياسته العدائيّة تجاه المنّهج القيمي: "ما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم مندحق البطن يأكل ما يجد ويطلب ما لا يجد ألا وإنه سيأمركم بسبّي والبراءة مني. أمّا السبّ فسبّوني، فإنه لي زكاة ولكم نجاة. وأمّا البراءة فلا تتبرّأوا مني، فإني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة".
وقد ختم الكاتب بالحديث حول كيفية كشف الحسين "ع" المنهج النّفعي، بالاعتماد على روايات وخطب الإمام الحسين "ع" وتجلّي القيميّة في مواقفه عليه السّلام. وقد تبيّن أنّه في كلّ حركة‌ من‌ حركات‌ الباراغماتيين‌ في‌ ساحة‌ الطف‌ كان لها حسابات‌ خاصة‌ في‌ تفسير منهجهم‌. فقتل‌ الأطفال‌ الرّضع‌ وسبي‌ النساء وحرق ‌الخيام‌ ومنع‌ الحسين‌ (ع) وأصحابه‌ من‌ الماء، والتمثيل‌ بجثث‌ القتلى‌ لم‌ تكن‌ قيمًا‌ جاهلية‌ تعرف‌ عليها العرب‌ آنذاك‌، أمّا العاطفة‌ والوجدان الوجدان‌، فهي مفردات‌ غائبة‌ ومنعدمة‌ في‌ الحركة ‌الباراغماتية‌ وبالأخص‌ ساعة‌ الانتقام‌، ساعة‌ قتل‌ الحسين ‌(ع) والتشفي‌ بقتله‌.
هكذا سجل‌ الباراغماتيون‌ في‌ قتلهم‌ الحسين ‌(ع) وأصحابه ‌(ع) أدنى مرحلة‌ من‌ مراحل‌ سقوط‌ القيم‌ والتسافل‌ والانحدار، وسجلت‌ القيميّة‌ أعلى ‌درجة‌ من‌ درجات‌ المظلومية‌ والانتصار؛ وبات‌ الطف‌ صدًى  واضحاً يردّد تناقض‌ وتخالف‌ وتصارع‌ المنهجين‌.

مواقيت الصلاة