من التاريخ

كعبة واحدة وليست كعبات

 

الشيخ عبد الغني العرفات .. 

وإن تعجب فعجب قولهم إن الكعبة المشرفة هي إحدى الكعبات عند العرب وما يدرينا أنها كعبة إبراهيم (ع)!!
فالتوراة لم تذكر مجيء إبراهيم (ع) إلى مكة بينما ذكرت رحلته إلى أماكن أخرى.
هذه خلاصة ما يبثه بعض الباحثين في الفضاء الثقافي بين فترة وأخرى .
ونحن سنأخذ الإثارة بحسن نية ونناقش الفكرة بذكر الدليل مع علمنا أنها شبهة في قبال بديهية تاريخية .
١-القرآن أيضا يذكر أن مكة لم تكن مأهولة بالسكان عندما جاءها إبراهيم، لكن لا يعني ذلك عدم وجودها (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ).
٢- التوراة نفسها أهملت فترة مهمة من حياة النبي إبراهيم (ع) قبل رحلته إلى فلسطين وهي مرحلة طفولته وشبابه التي عاشها في العراق بين الكلدانيين فلماذا لم تذكر التوراة ذلك بالتفصيل؟!  (راجع الهدى إلى دين المصطفى ٥٦٦:٢).
٣- مع أن التوراة لم تشر إلى رحلة إبراهيم (ع) إلى مكة لكنها أشارت إلى قافلة الإسماعيليين وموطنهم والذين باعوا يوسف (ع) إلى فوطيفار بعد أن وجدوه في البئر. راجع سفر الأيام ١٠:٥.
٤- تسالمت العرب على أن الكعبة في مكة هي بناء إبراهيم (ع) وكما نثبت أن بغداد هي بغداد ودمشق هي دمشق لا غيرها بواسطة استصحاب القهقرى كما يقال أي أننا إذا رجعنا إلى الوراء يومًا أو سنة أو قرنًا فإننا نجد أن مكة هي مكة في هذه البقعة وأهل القرن السابق يرجعون كذلك للوراء قرنًا آخر فيجدون أن مكة هي مكة الحالية إلى أن نصل إلى زمن إبراهيم (ع) فالمدن لا تظهر فجأة بل تتناقلها الأجيال جيلًا بعد جيل وكذلك اللغة يتناقلها الأجيال جيلًا بعد جيل ولا تحدث اللغة فجأة بادعاء مدع .
٥- عندما جاء رسول الله (ص) ودعا المشركين للتوحيد وأشار إلى بناء إبراهيم (ع) للكعبة كذبه المشركون واتهموه بالسحر والجنون ولكن لم يكذبوه في بناء الكعبة ونسبتها إلى إبراهيم (ع) بل كذبوه في أنه نبي وأنه يوحي إليه.
٦- كان هناك صراع بين القحطانيين والعدنانيين وهم سدنة الكعبة وكان العدنانيون يفتحرون بذلك ومع هذا لم نجد القحطانيين يكذبون العدنانيين في نسبة الكعبة إلى إبراهيم (ع) بل كان بإمكانهم فعل ذلك لتجريدهم من إحدى عوامل القوة والفخر وهو سدانة الكعبة وذلك لأنهم يعلمون أن نسبة الكعبة إلى إبراهيم (ع) شيء لا يمكن التشكيك فيه.
٧- مع أن التوراة لم تذكر مجيء إبراهيم (ع) إلى مكة لكنها ذكرت مجيء إسماعيل إلى برية فاران وفاران بحسب التوراة نفسها تحدد بجبال الحجاز شمال مكة .
٨- ذكرت التوراة أسماء إسماعيل وهم ١٢ ولدًا وقد تسمت بأسمائهم مناطق في الجزيرة العربية ومن هم : تيماء ودومة الجندل و(مسا) وقد كتبت في التوراة الحالية (مشا) ومسا يحددها النصارى في خرائطهم القديمة في مكة بالضبط فمكة مأخوذة من مشه = مكة .
نقل هذا الشيخ البلاغي في كتاب الهدى عن الترجمة الفارسية للتوراة عام ١٨٣٨م .
٩- مع تنافر العرب وحروبهم إلا أنهم متفقون على قداستها ونسبتها إلى إبراهيم (ع) ولذا وضعوا على ظهرها أصنامهم التي تنسب إلى كل قبيلة وما ذاك إلا احترامًا وتقديسًا للكعبة في نظرهم.
فما ذكره الهمداني في صفة جزيرة العرب عن قبيلة إياد ص ٣٢١" وكانوا يعبدون بيتًا يسمى ذا الكعبات والكعبات حروف التربيع" فأولًا لم تتسب إياد هذا البيت إلى إبراهيم (ع).
وثانيًا كونه ذو كعبات لا يعني أنه يشبه الكعبة لأنه قال حروف التربيع ولعل المقصود بالحروف جمع حرف وهو الطرف فكأن هذا البيت مجصص ومزين بأشكال رباعية الأطراف لا أنه يشبه الكعبة.
وكذلك ذكره لكعبة نجران حيث ذكر أماكن العبادة في الجزيرة فذكر كعبة نجران ص ٢٦٨.
ولعل مقصوده ما بناه أبرهة وأين هذا البناء من كعبة إبراهيم (ع) التي توارثها العرب كابرًا عن كابر.
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَ لِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ).

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة