مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ علي رضا بناهيان
عن الكاتب :
ولد في عام 1965م. في مدينة طهران وكان والده من العلماء والمبلغين الناجحين في طهران. بدأ بدراسة الدروس الحوزوية منذ السنة الدراسية الأولى من مرحلة المتوسطة (1977م.) ثم استمرّ بالدراسة في الحوزة العلمية في قم المقدسة في عام 1983م. وبعد إكمال دروس السطح، حضر لمدّة إثنتي عشرة سنة في دروس بحث الخارج لآيات الله العظام وحيد الخراساني وجوادي آملي والسيد محمد كاظم الحائري وكذلك سماحة السيد القائد الإمام الخامنئي. يمارس التبليغ والتدريس في الحوزة والجامعة وكذلك التحقيق والتأليف في العلوم الإسلامية.

العدل المنتظر


الشيخ علي رضا بناهيان ..

* شبهة: ظهوره يقتصر على النجاة من الظلم فقط!
واحدة من خصائص وشرائط الظهور، هي مسألة "ظهور العدل بعد انتشار الظلم والجور". فقد ورد في الروايات أنَّ الإمام يظهر بعد أن تُملأ الأرض ظلماً وجوراً(1). ولكن يمكننا أن نرى هنا رؤية عاميّة أيضاً، وذلك بأن نتصوّر أنَّ مجرّد تبرّم الناس من الظلم أو وصول الجور إلى غايته، يكفي لتحقّق الفرج، ولا حاجة بعد لاستعداد الناس لـ"تقبّل العدالة".
فالحكومة العادلة الّتي تتشكّل بين أُناس تعبوا من الظلم -إلّا أنّهم لا يحتملون العدالة- لا تبقى ولا تدوم. ولفهم الموضوع جليّاً يمكننا تسليط الضوء على تاريخ صدر الإسلام وحكومة أمير المؤمنين عليه السلام: بعد خمس وعشرين سنة من فترة غربة أمير المؤمنين عليه السلام، قصد الناس دار عليّ عليه السلام يطلبون مبايعته بصفته خليفة للمسلمين، ويصرّون عليه بأن يتولّى زمام الأمور، والإمام يقول لهم: "دَعُونِي وَالْتَمِسُوا غَيْرِي‏"(2).


* ليسوا طلّاب عدالة
لماذا كان الإمام يمتنع عن التصدّي للخلافة على الرّغم من كلّ هذا الإصرار؟
السبب الرئيس لامتناع الإمام عليه السلام هو أنَّ الناس، وإنْ سئموا الظلم، غير أنّهم لم يكونوا من طلّاب العدالة. وإنَّهم أساساً لا يفهمون العدالة ومسلتزماتها، بل ولا يمكنهم احتمالها أيضاً، وشتّان ما بينهما. فلو كان الناس يحتملون العدالة، لما أتعبوا الإمام بهذا المستوى في فترة حكومته(3)!
واليوم نجد أهل العالم قد تبرّموا من ظلم إسرائيل وأميركا، ولكن هل يكفي ذلك؟ وهل يَحتمل هؤلاء الناس العدالة؟

1- معرفة الظلم لا تكفي وحدها
علماً بأنّ معرفة الظلم أيضاً مرحلة لا بدّ أن يصل إليها المجتمع بعد النموّ والتكامل. فقد تكون ثمّة مظالم متفشّية في المجتمع، غير أنَّ الناس لا يدركونها، بل ولا يعدّونها ظلماً من الأساس. كما نجد الكثير من الناس اليوم، ولا سيّما في المجتمعات الغربيّة، لا يمتلكون إدراكاً صحيحاً عن الظلم حتّى يكونوا طلّاباً للعدالة. ولهذا، إنْ أدرك الناس عبر تنمية الفهم والبصيرة العامّة، وأحسّوا بالكثير من المظالم الّتي كانوا يجهلونها، وشعروا بألم فقدان العدالة، فقد ارتقوا مرحلة. وبهذا التكامل، سنقترب خطوة من الظهور، ولكنّ ذلك ليس كافياً.

2- لا بدّ من معرفة العدالة بشكل صحيح
بعد معرفة الظلم، لا بدّ من تحقّق معرفة العدالة بشكل صحيح أيضاً. وإنَّ تطبيق العدالة بكلّ ما للكلمة من معنى، يستلزم "الشمول" و"الدوام".
إنّ تطبيق العدالة في جزء من الأمور، يؤول إلى معرفة عنوان طلّاب العدالة الصادقين ليس إلّا، والثمرة الطبيعيّة لذلك هي تعرّضهم لهجمات الأعداء الشرسة؛ وهذا ما حدث في كربلاء. فإنّ واقعة كربلاء، في الحقيقة، هي انتقام من عدل الإمام عليّ عليه السلام.
نحن نعلم أنَّ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف يظهر في وقت انتشار الظلم، وسأم الناس وتعبهم من الجور، وانتظارهم من يخلّصهم من كلّ ذلك، ولكن على الناس أن يستعدّوا لتقبّل العدالة ومستلزماتها أيضاً. وفي هذه الصورة، ستظهر موجة من إقبال الناس على الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف عند ظهوره، وسيتبعه أهل العالم، وتستقرّ حكومته الحقّة على وجه الأرض بسهولة.

3- لا يعتمد الله على الأمواج العابرة
النظرة السطحيّة هي تصوّر أنّ تفشّي الظلم سيُحدث "موجة" من الإقبال على الإمام، وسترتكز دعائم حكومته على هذا الموج، من دون تأهّب عام لتقبّل العدالة ومستلزماتها. وهذا تصوّر سطحيّ، فهل يبحث الله عن موجة "استياء الناس من الظلم" حتّى يمكّن حكومة الحقّ؟
في أواخر عمر النبيّ الشريف صلى الله عليه وآله وسلم ظهرت موجة كبيرة من التوجّه إلى الإسلام: ﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ في‏ دينِ اللَّهِ أَفْواجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ (النصر: 2)، فلو كان المراد من هذه الأفواج هم الذين اعتنقوا الإسلام، في أواخر فترة الرسالة، فمن الواضح أنّهم كانوا لا يتّصفون بإخلاص السابقين في الإسلام.
إنّ ظهور هذه الموجة، وإن كانت مؤثّرة في تعزيز الدين واستقرار المجتمع الدينيّ وبداية الحضارة الإسلاميّة، إلّا أنّ الله -بعد رحيل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم- جعل الامتحان في عهد أمير المؤمنين عليه السلام كالسدّ الّذي يقف بوجه هذه الموجة، فسقط الكثير...
وبعد منعطفات كثيرة، وفي أواخر خلافة أمير المؤمنين عليه السلام، آل المطاف بالناس إلى أن يستعدّوا لمواجهة معاوية وتنفيذ أمر الإمام في محاربته - حيث تمرّد على الخليفة الّذي اتّفق عليه المسلمون- ولكن حصلت شهادة الإمام عليه السلام.
ولأنّ الله لا يريد مواكبة أيّ موجة، قُبض علي بن أبي طالب عليه السلام في الوقت الحسّاس. كما إنّ الناس لم يتّبعوا الإمام الحسن المجتبى عليه السلام وسقطوا. فلو أدركوا حقيقة الإسلام حقّاً وخضعوا لولاية  علي عليه السلام، لخضعوا لولاية وصيّه عليه السلام.
وقد وعد الله في كتابه الكريم أن يبتلي المؤمنين، وأن لا يعتمد على مجرّد نداءاتهم ومدّعياتهم الإيمانيّة: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الّذينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الّذينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ (العنكبوت: 2-3).
الله تعالى يريد منّا أن نكون من أنصار صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، عن وعي وعقيدة، لا بالانخراط في الأجواء.


* طلب الحقّ للحقّ
إنّ بعض أقسام رفض الظلم عديمة الفائدة، ولا تُعدّ علامة للاستعداد للظهور، ومن هذه الأقسام ما كان ناجماً عن الجوّ والموجة.
وفي الأساس، فإنّ طلب الحقّ لـ"النفس" شيء، والميل إلى الحقّ والعدالة شيءٌ آخر. وإنَّ الكثير ممّن ينادي بالحقّ والعدالة، إنّما يطلب الحقّ لـنفسه وليس لتحقيق العدالة بحدّ ذاتها.
لا ينفع هذا النوع من طلب الحقّ أيضاً. كما إنّ النتيجة والغاية من حقوق الإنسان الرائجة في الغرب هي تعزيز روح الأنانية وحبّ الذات في الإنسان، لا تأمين حقوقه.
وقد أشار سماحة الإمام قدس سره في كلام له بوضوح إلى الفرق بين طلب الحقّ للحقّ، وطلب الحقّ للنفس قائلاً:
"يجب على من يريد التحدّث أن يرى، هل يطلب الحقّ للحقّ؟ فإنّ أعظم أمرٍ يَبلغ الإنسان بسببه كمالاً عظيماً؛ هو أن يطلب الحقّ للحقّ، وأن يحبّ الحقّ لأنَّه حقّ، وأن يبغض الباطل لأنَّه باطل"(4).
كما أشار سماحة آية الله الشيخ "بهجت" (البالغ مناه) في كلام له إلى الفرق بين المنتظرين:
"المنتظر للفرج هو الّذي ينتظر الإمام لله وفي سبيل الله، لا لقضاء حوائجه الشخصيّة!"(5).


* ضرورة تحليل القضايا المرتبطة بالظهور
قد تنطوي جميع هذه النظرات السطحيّة على كلمات صحيحة، ولكن إذا ما لم تقترن هذه الكلمات برؤية عميقة، فقد تتبلور في ذيل كلٍّ منها تصوّرات وانطباعات خاطئة. فلا ينبغي التعرّض لما ورد من إشارات بشأن ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وحكومته من دون تحليل، بل لا بدّ من تفسيرها بالاستفادة من جميع المعارف الدينيّة.
والخصائص المذكورة حول الظهور، ليست إلّا زوايا من ذلك الجبل الشامخ الّذي ظهر كالجزيرة من تحت ماء البحر. فلا ينبغي أن ننظر فقط إلى هذه الزاوية الخارجة من البحر، بل لا بدّ من الغور فيه والتعرّف -بالاستعانة بالمعارف الدينيّة- إلى جميع سمات ذلك الجبل الّذي يريد الخروج بالكامل من البحر.
ــــــــ
1.عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى تَمْتَلِئَ الأرْضُ ظُلْماً وَعُدْواناً، ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِن عِتْرَتِي فَيَمْلَؤُها قِسْطاً وَعَدْلاً كَما مُلِئتْ ظُلْماً وَعُدْواناً". کنزالعمال، المتقي الهندي، ج14، ص271.
2.نهج البلاغة، الخطبة 92؛ تاريخ الطبري، ج4، ص434.
3.قال أمير المؤمنين عليه السلام مخاطباً أهل الكوفة: "قَاتَلَکُمُ اللَّهُ لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيحاً وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيظاً وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً".الكافي، (م.س)، ج5، ص4.
4. صحيفة الإمام، ج14، ص145.
5.در محضر بهجت (فارسي)، ج2، الرقم276.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة