فجر الجمعة

نداء الجمعة | قسوة القلب 3

 

سماحة الشيخ عبد الكريم الحبيل

أيها الأخوة الكرام لازال حديثنا متواصلا تحت عنوان قسوة القلوب أسبابها وآثارها وعلاجها، في رحاب الآية الكريمة قوله تعالى "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ" 16 - الحديد، تحدثنا في الجمعتين السابقتين عن ثلاثة أسباب من أسباب قسوة القلب، الأول البعد عن الله وأولياء الله ومعصيتهم، الثاني نقض العهد، نقض العهود والمواثيق، الثالث ترك رحمة الفقراء والمساكين، والقسوة على الفقراء والمساكين، وعدم رحمتهم والإحسان إليهم واستشهدنا على ذلك بآيات وأحاديث مروية عن رسول الله وأهل البيت (ع)، الرابع من أسباب قسوة القلب طول الأمل، طول الأمل وهذا ما أشارت إليه كذلك الآية الكريمة التي استفتحنا بها حيث قال تعالى "وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ" 16 - الحديد، إذا طول الأمل يقسي القلب من أسباب قسوة القلب، قال تعالى عن طول الأمل حاكيا عن الكفار وعن أهل الكتاب، "رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ" 2، 3 - الحجر، وقال تعالى عن أهل الكتاب عن اليهود خاصة "وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ" 96 - البقرة، طول الأمل كذلك جاء في الأحاديث المروية عن رسول الله (ص) وأئمة الهدى ع فعن علي ع أنه قال أيها الناس إن أخوف ما أخاف عليكم إثنان، طول الأمل واتباع الهوى، فأما الهوى فيسد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة، إذا طول الأمل أمر ينبغي للإنسان أن يتنبه له ويتفكر فيه، والأمل قسمان، قسم ممدوح، وقسم مذموم، فأما القسم الممدوح وهو الذي يعبّر عنه بالأمل الرحماني والمذموم بالأمل الشيطاني، الأمل الممدوح أو الأمل الرحماني هو التطلع نحو المستقبل للتغيير نحو الأفضل، الإنسان دائما يتطلع للتغيير نحو الأفضل هكذا ينبغي به، من تساوى يوماه فهو مغبون، فينبغي بالمؤمن أن لا يكون غده أسوأ من أمسه، بل لابد أن يسعى بأن يكون غده أفضل من أمسه، ويجعل له أمل وطموح نحو التغيير للأفضل والأحسن دائما، وهذا النوع من الأمل رحمة من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده المؤمنين، وهو قد جاء كذلك في الرواية عن رسول الله (ص) أنه قال الأمل رحمة لأمتي ولولا الأمل ما رضعت والدة ولدها وغرس غارس شجرها، لولا الأمل الذي عندنا في التطلع نحو الأحسن والمستقبل والتغيير للأفضل لما رضعت والدة ولدها ولا عمل إنسان أي عمل في هذه الحياة الدنيا سواء من زراعة أو صناعة أو تجارة أو بناء أو تعلّم إلى آخره من أمور الدنيا التي هي الأمور الحسنى في الحياة الدنيا، إذا حالة التطلع نحو الأفضل وفي مسيرة الإحسان في هذه الحياة الدنيا، هذا أمل ممدوح قال الشاعر أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، لولا هذه الفسحة من الأمل الذي جعله الله سبحانه وتعالى عندنا لصارت الحياة ضنك وصارت الحياة سئم وضجر وملل، لو إنسان أصيب بمصيبة لا سمح الله فلولا التطلع للأمل وأن الله سبحانه وتعالى سوف يجعل غده أفضل من أمسه وأن الله سوف يغير حاله بأحسن الحال اللهم غير حالنا بأحسن الحال، وبالتالي لولا الأمل ولولا هذا التطلع لأصاب الإنسان الضجر والسئم والملل ولأصيبت الناس بحالات نفسية وضيق وضنك في الحياة الدنيا، هذا النوع من الأمل ممدوح، أما هناك أمل مذموم، الأمل المذموم هو الإستمرار في الحرص على الدنيا، حريص على الدنيا، مكبا على الدنيا، هو الإستمرار في الحرص على الدنيا والإنكباب عليها والإعراض عن الآخرة، أحسن، إرجع إلى الله، قال باقي أيام، كما يغتر بعض الشباب للأسف وبعض الذين "اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ" 19 – المجادلة، إذا قلت له توب قال لك بعدني شباب يلا خلينا نوصل ثلاثين أربعين سنة إن شاء الله، عنده أمل بأنه سيعيش، وعنده أمل بأنه سوف يتوب، وهو يمارس المعاصي والذنوب والآثام ومنغمس في ملذات الدنيا وشهواتها بأمل أنه سوف يعيش وأن الله سوف يبقيه وأنه بعد ذلك سوف يتوب ويرجع إلى بارئه، هذا نسيان لقاء الله، وهذا نسيان الآخرة، وهذا نسيان ذكر الموت، إياكم ونسيان ذكر الموت، أكثروا من ذكر الموت، ينبغي بالإنسان أن يكون دائما ذاكرا للموت، كما في هذه الوصية بالتقوى التي قرأتها عليكم وهي من لسان علي (ع) وهو يقول وأوصيكم بذكر الموت وإقلال الغفلة عنه فإن غدا من اليوم قريب.

ولا يدري الإنسان متى يرحل من هذه الدنيا وفي كل ساعة الإنسان ربما يخرج نفسه ولا يرجع، إذا هذه حالة الإنكباب على الدنيا والحرص عليها والإعراض عن الآخرة بأمل أني سوف أتغير، سوف أرجع إلى الأفضل سوف، هذا هو الأمل المذموم، التفريط والتسويف، والتسويف في التوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، ولهذا المثل مما يذكر الفقهاء من الفوائد الفقهية أن قضاء الصلوات إذا كان في ذمتي صلوات واجبة مثلا أو صوم واجب في ذمتي، لا يجب قضاءه على الفور، لا يجب عليك مثلا أن تقضي على الفور مثلا أنا طلعت عليّ الشمس وأنا نائم لا يجب عليّ إذا صحوت أن أبادر إلى القضاء، ولكن لا يجوز لك التأخير إلى درجة أن يكون ذلك من باب التسويف، إذا كان تسويفا ولا مبالاة بأداء الواجب حرم، حرم ذلك التأخير عندئذ، صحيح أنت ما يجب عليك القضاء على الفور ولكن في نفس الوقت لا يجوز التسويف ولا يجوز لك أن تؤخر أداء الواجب إلى أن تصير عندك حالة من اللامبالاة ومن الإهمال لأداء ما أوجب الله سبحانه وتعالى عليك، هذا النوع من طول الأمل يقسي القلب وينسي الآخرة، "وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ" واذا قست القلوب ينتهي والمعاذ بالله إلى الإنحراف إلى الفسق "وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ" ولهذا لطول الأمل آثار، أولا نسيان الآخرة، كما قال علي (ع) وأما طول الأمل فينسي الآخرة، له أثر بأن يجعل الإنسان ناسيا للقاء ربه، أن الإنسان الرادع الذي جعله الله سبحانه وتعالى رادعا للإنسان في الحياة الدنيا عن التمادي في الظلم والجور والمعاصي والذنوب والآثام وذكر به في القرآن كثيرا هو يوم الآخرة، يوم القيامة، الوقوف بين يدي الله، عذاب الآخرة، لقاء الله سبحانه وتعالى، لا توجد قضية أثيرت في القرآن الكريم بعد الإيمان بالله وتوحيده والإيمان بالرسل كالإيمان باليوم الآخرة، ركز عليها القرآن وأكدها كثيرا كثيرا في السور والآيات القرآنية، طول الأمل هذا ينسي الآخرة، وإذا نسي الإنسان الآخرة ومات قلبه عن لقاء الله بعد ذلك والمعاذ بالله تمادى في فعل المعاصي والذنوب، لأنه نسي الرادع، نسي الزاجر، نسي المخوّف الذي يجعله يمتنع عن السقوط في المعاصي والآثام والذنوب والظلم والجور.

 

كذلك قلّة الصبر، من آثار طول الأمل أن الإنسان لا يكون صابرا، لا يكون صابرا على بلاء الدنيا وعلى ما يصيبه في هذه الحياة الدنيا، لأنه إذا كان يريد الحياة الدنيا ويريد زينة الحياة الدنيا ويريد زخرف الحياة الدنيا فلا يصبر على ما يصيبه من بلاء وبالتالي يقع في تيه السيئات.

 

ثالثا قسوة القلب، رابعا السقوط في المعاصي، وخامسا التعدي والظلم، تعدي على حقوق الآخرين، لأنه نسي الآخرة، ونسي ذكر الله، ونسي لقاء الله سبحانه وتعالى، فلا يفكر في التعدي والظلم بل ينكر لقاء الله سبحانه وتعالى وينكر المثول بين يدي الله سبحانه وتعالى، ويفعل ما يفعل من كبائر الذنوب والآثام، فيما يروى عن علي (ع) من الشعر أنه قال تأمل في الدنيا طويلا ولا تدري إذا حان ليل هل تعيش إلى فجر، فكم من صحيح مات من غير علّة، وكم من مريض دهرا إلى دهر، وكم من فتى يمسي ويصبح آمنا وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري، هذا واقع، هذا واقعنا، الإنسان يؤمل في الدنيا ولا يدري إذا جنّ الليل هل يطلع عليه الفجر؟ وإذا جاءه النهار هل يمسي عليه الليل أم لا؟ وكم من صحيح مات من غير علّة، شاب في ريعان الشباب والفتوة يقع ويموت، والأجل بيد الله سبحانه وتعالى، لكل نفس آجل، "فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ" 34 – الأعراف، وكم من مريض عاش دهرا إلى دهري، كم من مريض تقلّب على فراش المرض وأصابته سكرات الموت ثم منّ الله عليه بالشفاء والعافية وعاش دهرا طويلا، وكم من فتى يكون في أمن وأمان، وقد غرته الحياة الدنيا وهو لا يدري أن كفنه يخاط وينسج قريب، الحياة هكذا طابور يسير يمشي طابور، هناك المتقدمون والسابقون ونحن ورائهم لاحقون، الطابور يمشي، كيف عنا طابور صاف طويل، فلان وصله قبض، ونحن ماسكين طابور، ننتظر يوصل لنا، ها هي الحياة طابور، أنقل لكم رؤيا رأيتها حينما كنت في المعتقل، رأيت كأن أحد أقربائي وزملائي في الدراسة وكان شاب في غاية الجمال والفتوة، رأيته في عالم الرؤيا كأنه صاف طابور على باب المغتسل، مع مجموعة طويل طابور طويل وفي ذلك الطابور مجموعة صافين من الشباب ولمن انتبهت من النوم قعدت أتذكر الرؤيا فتعرفت على مجموعة شباب أو بعض من أولئك الشباب اللي صافين طابور على باب المغتسل هنا في مغتسل تاروت، تذكرت رأيت ان الذين عرفتهم كلهم موتى، موتى، وهذا صاف طابور معهم، فصرت أحوقل وأستغفر الله وأصلي على محمد وآل محمد، فلما جاء وقت الزيارة، جوني الأهل في زيارة، طبيعي ويش الاخبار ويش كذا وما شابه ذلك، فقالوا لي عظم الله أجرك ابن عمتك فلان قد توفي، انتقل إلى جوار الله، ها هي طابور، الحياة احنا ماسكين فيها طابور، اللي قدام يمضي ونحن من خلفهم لاحقون، أعاننا الله وإياكم على لقاءه، ووفقنا لما يحب ويرضا وثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

 

مواقيت الصلاة