لقاءات

الشيخ محمد الطيب: لولا عظمة هذا الشهر الكريم لما دأب فيه الرسول صيامًا وقيامًا

 

نسرين نجم..

عن رسول الله (ص): "شعبان شهري من صامَ يومًا من شهري وجبت له الجنّة"، لشهر شعبان مذاقٌ خاصّ فتفرح القلوب المؤمنة بقدومه وتستبشر به خيرًا، فهو شهر المنحة الربانية التي يهبها الله لأمة محمد (ص) فيه الكثير من الفضائل والمكرمات، وهو شهر الولادات المباركة ولادة أربعة أنوار من أنوار آل البيت (ع)؛ عن مكانة هذا الشهر المبارك وعن ولادة الإمام الحسين (ع) وأبي الفضل العباس (ع)، كان لنا هذا الحوار مع سماحة الشيخ محمد الطيب:


* شهر خاتم النبيين وسيد المرسلين(ص):
شهر شعبان هو هدية من رب العالمين إلى عباده الصالحين لما له من خاصية عند الخالق عزّ وجل وله هذه الأهمية الكبيرة  يقول الشيخ محمد الطيب عن قيمة وأبعاد وفضائل شهر شعبان: "نبارك للأمة الإسلامية بحلول هذا الشهر الكريم ألا وهو شهر شعبان المعظم الذي يعتبر من أشهر السنة العربية الهجرية وقد نقل أن سبب تسمية هذا الشهر بهذا الاسم (شعبان) وذلك لتشعب العرب في البوادي طلبًا للماء والكلأ.
يكتسب هذا الشهر الكريم أهمية كبرى من حيث نسبته إلى الرسول الأكرم (ص) حيث كان نبينا الكريم فيه كما ورد في الدعاء (وهذا شهر نبيك سيد رسلك صلواتك عليه وآله، شعبان الذي حففته بالرحمة والرضوان، الذي كان رسولك صلواتك عليه وآله يدأب في صيامه وقيامه في لياليه وأيامه... ) فلولا عظمة هذا الشهر الكريم لما دأب فيه الرسول صيامًا وقيامًا. وهذا دليل على خصوصية هذا الشهر المبارك. وأما الفضائل فقد حفلت روايات آل البيت بالكثير مما لا يحصى في هذا العجالة من العظمة في الأجر والثواب لمن أحياه ومن جملة هذه الرويات "من صام ثلاثين يومًا من شعبان ناداه جبرئيل من أمام العرش يا هذا استأنف العمل عملًا جديدًا فقد غفر لك ما مضى وتقدم من ذنوبك والجليل عز وجل يقول لو كان ذنوبك عدد نجوم السماء وقطر الأمطار وورق الأشجار وعدد الرمل والثرى وأيام الدنيا لغفرتها لك وما ذلك على الله بعزيز بعد صيامك شهر شعبان."

كما هو معروف فإن أشهر النور هي ثلاثة: رجب، شعبان، ورمضان، عن سبب تسميتها بأشهر النور يحدثنا سماحته بالقول: "لقد اهتم علماؤنا الأبرار بهذه الأشهر الثلاثة حتى أُلفت كتب خاصة فيها ومن أشهرها كتاب "فضائل الأشهر الثلاثة" للشيخ الصدوق عليه الرحمة حيث جمع فيه من روايات أهل البيت الشيء الكثير حول فضائلها، وبما أنها أشهر عبادة والعبادة تنير قبر الإنسان بعد موته بل وتنير له دربه في يوم القيامة لعلها من هذا الباب سميت بأشهر النور والله العالم".
عن رسول الله (ص) أنه قال: "من صام أول يوم من شعبان كتب الله له سبعين حسنة تعادل عبادة سنة" البعض قرأ هذا الحديث بأنه مهما ارتكبت من ذنوب ومعاصي خلال السنة أصوم يوم أو عدة أيام من شهر شعبان فيغفر لي ربي ومن بعدها أعود لحالتي فما هو تعليق سماحته عليه  يقول: "سؤال في غاية الروعة والأهمية وللجواب عنه نقول: بأن الإنسان جعل الله له ميزانًا في قبول أعماله والميزان هو (التقوى) حيث أنها قوام الأعمال أي لا يقبل الله من العبد عملًا إلا من خلالها وذلك لقوله تعالى: إنما يتقبل الله من المتقين". فكل عمل يقدمه الإنسان مهما عظم أو كثر وهو مجرد من التقوى وهي الخوف من الله فلا خير فيه فلا يحصد منه إلا التعب ولا أجر عليه ولا ثواب، وكل عمل وإن قل ّ إذا كان بدافع التقوى فإنه مقبول وأجره عظيم."

هذا الشهر المبارك له مناجاة خاصة "المناجاة الشعبانية" المليئة بالمعاني والدلالات الكبيرة التي تربط العبد بالمعبود المخلوق بالخالق وفيها أسرار ربانية عن أهميتها والقيم التي تحملها يحدثنا الشيخ محمد الطيب: "ورد في بعض دروس علمائنا ما نصه: "المناجاة الشعبانية، هي مناجاة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام التي كان يدعو بها في شهر شعبان، على ما رواه السيد ابن طاووس قدس سره في كتاب الإقبال، نقلًا عن ابن خالويه أنَّه قال "إنّها مناجاة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمّة من ولده عليه السلام كانوا يدعون بها في شهر شعبان". وعلى كلّ حال، تعدّ هذه المناجاة من الأدعية التي ينبغي أن يواظب عليها الإنسان المؤمن، بل إنّ الإمام الخميني قدس سره يقول في هذه المناجاة: "أنا لم أرَ في الأدعية الأخرى الواردة عن الأئمّة شبيهًا لما موجود في المناجاة الشعبانية. إنّ الأئمّة جميعًا كانوا يقرأون المناجاة الشعبانية، وهي تتضمّن معاني ومعارف كثيرة. كما أنّها تعلّم الإنسان كيف ينبغي له مناجاة الله تبارك وتعالى. غير أنّنا غافلون عن هذه المعاني التي تتضمّنها المناجاة الشعبانية".

وذكرت عدة مفاهيم تربوية مهمة جدًّا: منها الكمال هدف الدعاء ومنها كون هذه المناجاة مصدرًا معرفيًّا هامًّا حيث ورد فيها "وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعزّ قدسك". ومنها: أيضًا التأدب بإظهار الفقر والمسكنة إلى الله حيث ورد فيها "وَبِيَدِكَ لا بِيَدِ غَيْرِكَ زِيادَتِي وَنَقْصِي وَنَفْعِي وَضَرِّي، إِلهِي إِنْ حَرَمْتَنِي فَمَنْ ذا الَّذِي يَرْزُقُنِي وَإِنْ خَذَلْتَنِي فَمَنْ ذا الَّذِي يَنْصُرُنِي".  إلى غير ذلك من المفاهيم المهمة التي يضيق المقام بذكرها والتوسع فيها.".


* الولادتان المباركتان:
نحن الآن في أجواء ولادة الإمام الحسين (ع) هذه الولادة المباركة التي كان لها الأثر الكبير في بقاء الإسلام وديمومته إلى أبد الأبدين وهذه الشخصية العظيمة والمقدسة التي كانت ولا تزال القدوة والمثال لكل الإنسانية وهذا ما يؤكده سماحة الشيخ الطيب: "نعم نحن في هذه الأيام نعيش هذه الذكرى العزيزة على القلوب وهي ذكرى ولادة سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام الذي نتغنى باسمه ليل نهار ومنذ ولادتنا إلى آخر يوم في حياتنا (حسين يا حسين) نعم نستلهم من هذه الولادة المباركة عبير البطولات والشجاعة والكرامة والأنفة والحمية والدفاع عن الدين بكل ما يملك الإنسان، نتعلم كيف أن الإنسان المؤمن ينبغي عليه أن يشعر بالعزة ولا يقبل المذلة وخصوصًا في هذا الزمن الذي مالت النفوس الدنيئة واستكانت للمذلة، وأصبحت رهن حب المادة والميل إلى أعداء الله حتى ضاعت البوصلة والتوجه عن أطهر بقاع الأرض وهي القدس العزيزة. لقد تلقى سيد الشهداء التربية الخالصة من جده المصطفى ونهل من نمير عطائه وفيضه ومن أبيه أمير المؤمنين العزة والأنفة ومن أمه المطالبة بالحق ولا شيء غير الحق. صلوات ربي عليهم اجمعين." أما عن خصائص شخصية الإمام سلام الله عليه فيذكر: "يشترك الإمام الحسين بن علي مع باقي أئمة أهل البيت في العديد من المشتركات كالعصمة والعلم والكمال؛ لكنه  يتميز عنهم بخصائص معينة دون سواه من أئمة أهل البيت الأطهار، ويمكن تلخيص أبرزها في أربع نقاط وهي:

1- أبو الأئمة التسعة:
من الخصائص المهمة والبارزة التي يتميز بها الإمام الحسين بن علي هو أنه أبو الأئمة التسعة، فقد روي عن رسول الله  قوله: "إن الله اختار من الحسين الأوصياء من ولده، ينفون عن التنزيل تحريف الغالين،، وانتحال المبطلين، وتأويل المضلين، تاسعهم قائمهم " فأئمة أهل البيت الأطهار التسعة من ذرية الإمام الحسين وصلبه، وهذه من خصائصه التي خصه الله تعالى بها.

2- سيد الشهداء:
الخصيصة الثانية للإمام الحسين  هو أنه سيد الشهداء في الدنيا والأخرة، فقد جاء في الحديث القدسي: « أما إنه سيد الشهداء من الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة ». فعندما يطلق لقب (سيد الشهداء) يتبادر إلى الذهن الإمام الحسين  الشهيد .

3- الشفاء في تربته:
الخصوصية البارزة الثالثة للإمام الحسين وهي الشفاء في تربته، يقول الإمام الصادق: "إن الله عوض الحسين من قتله أن جعل الإمامة من ذريته، والشفاء في تربته ".

4- بركات زيارته:
إن زيارة المعصومين لها فضل كبير، وبركات متعددة، وتستحب زيارتهم جميعًا، ولكن لم يرد في فضل وبركات أحد من المعصومين كما ورد في بركات وأسرار وفضل زيارة الإمام الحسين؛ وهذا ما يؤكد على خصوصية زيارة الإمام الحسين، وآثارها الإيجابية وبركاتها المتنوعة في حياة المؤمنين، وبنية المجتمع المسلم. والأحاديث في فضل زيارته متواترة ومنها:

ما روي عن الإمام الصادق  قوله: «إن أيسر ما يقال لزائر الحسين بن علي : "قد غُفِر لك - يا عبدَ الله - فاستأنف اليوم عملًا جديدًا".
نشهد في شهر شعبان ولادة قمر بني هاشم المولى أبي الفضل العباس روحي فداه عن ولادته الشريفة وبعض من خصائص شخصيته يُطلعنا سماحة الشيخ محمد الطيب: "نعم نستقبل أيضًا ولادة قمر العشيرة أبي الفضل العباس الذي كان نبراسًا للوفاء وهي من أعلى القيم التربوية فلقد كان أبو الفضل العباس محط إعجاب لكل فرد من هذه العائلة الهاشمية، يكفي أن سيد الشهداء قال له : اركب بنفسي أنت" عندما أراد قتال الأعداء في كربلاء فلقد فداه بنفسه وأي درجة أعظم من هذه الدرجة ومنزلة أرقى منها. وأما الحوراء زينب ربة الخدر والصيانة لم تجد كفيلًا لخدرها وصيانته من اخوتها من غير ولد فاطمة إلا أبا الفضل العباس صلوات ربي عليه."
عن علاقة الإخوة المتينة التي ربطت العباس بسيد الشهداء (ع) وعن الأبعاد التي أعطياها لقيمة الإخوة يقول: "يقول الإمام زين العابدين (ع): «رحم الله العباس، فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه»، وقال الامام جعفر الصادق (ع): "كَانَ عَمُّنا العبَّاس بن عليٍّ نافذ البصيرة، صَلب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله (ع)، وأبلى بلاءً حسنًا، ومضى شهيدًا".

إن علاقة العباس(ع) بأخيه الامام الحسين(ع) كانت تشبه كثيرًا إذا لم تكن متطابقة بالكامل مع علاقة الإمام علي أمير المؤمنين(ع) برسول الله (ص) وقد دعاه خاتم المرسلين محمد المصطفى(ص) في هذا الشأن إذ قال: (اللهم إني أقول - كما قال أخي موسى - اللهم اجعل لي وزيرًا من أهلي، أخي عليًا، أشدد به أزري، وأشركه في أمري، كي نسبحك كثيرًا، ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرًا).. ومن قبلها علاقة أخوة هارون بالنبي موسى(ع) كما جاء ذكرها في الآية الكريمة: (وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي *َ هارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) طــه 29-32، {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي} أي: معيناً يعاونني، وَيؤازرني، ويساعدني على من أرسلت إليهم."


لشهر شعبان الكثير من الأعمال والمستحبات التي تكسب رضا الله عز وجلّ يذكرها سماحته: "في الواقع إن أعمال شهر شعبان كثيرة ولكن بشكل مختصر:
1- قول 70 مرة يوميًا : استغفر الله واسأله التوبة.
2-قول 70 مرة يوميًا: استغفر الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الحي القيوم وأتوب إليه.
3- التصدق ولو بنصف تمرة ليحرم الله تعالى جسده على النار.
4- قل في شعبان ألف مرة: لا إله الا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره المشركون (34 مرة تقريبًا يوميًا).
5- الإكثار في هذا الشهر من الصلاة على محمد وآله.
6- قراءة الصلوات الشعبانية عند كل زوال من أيام شعبان: اللهم صل على محمد وآل محمد شجرة النبوة ....
7- قراءة : المنجاة الشعبانية.
وغيرها كثير فهنيئًا للعاملين."

وحول الاستعداد لشهر رمضان انطلاقًا من شهر شعبان يقول سماحته: "الاستعداد لهذا الشهر الكريم والقيام بما يستطيع عليه من الأعمال المذكورة آنفًا وغيرها يمهد للنفوس استقبال شهر الله وشهر المغفرة وشهر التوبة ألا وهو شهر رمضان بحيث لا يدخل الشهر الكريم ألا وقد استعدت النفوس واشرأبت روحيًا بتلك الأعمال التي من شأنها تصقل هذه النفوس وتربيها لتكون آمنة يوم الفزع الأكبر وليخرج العبد من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى وأشكركم على أتاحة هذه الفرصة لنا لكي نلتقي بالأحبة في هذه الشبكة المباركة ولا تنسونا من صالح  الدعاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته."

مواقيت الصلاة