علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ عبدالهادي الفضلي
عن الكاتب :
الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي، من مواليد العام 1935م بقرية (صبخة العرب) إحدى القرى القريبة من البصرة بالعراق، جمع بين الدراسة التقليدية الحوزوية والدراسة الأكاديمية، فنال البكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية ثم درجة الدكتوراه في اللغة العربية في النحو والصرف والعروض بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، له العديد من المؤلفات والمساهمات على الصعيدين الحوزوي والأكاديمي.rnتوفي في العام 2013 بعد صراع طويل مع المرض.

الربا دراسة فقهية قانونية تاريخية مقارنة (1)


الشيخ عبدالهادي الفضلي

أهمية دراسة الربا
ترتبط أهمية البحث في موضوع الربا بما أثّره ويؤثّره من أفاعيل في الحياة الاقتصادية للناس، ذلك أنه أهم عامل في نشوء الاقطاع غير المشروع، وأقوى عامل في تكوين الرأسمالية غير المشروعة، اللذين هما السبب المباشر في وجود الطبقية الاقتصادية الواسعة بين أبناء المجتمع حيث تتجمع الثروة المالية لدى فئة قليلة من الناس عن طريق تعاملهم بالربا على حساب حرمان الآخرين من حقوقهم الطبيعية في تلكم الثروة و إبعادهم عن التمتع بها .
والجميع يعرف أن الرأسمالية الحديثة المتمثلة في الشركات المالية الكبرى والبنوك الربوية العالمية التي تدعم حكوماتها وتدعمها، هي السبب المباشر لوجود الاستعمار الحديث، الذي عانت منه الشعوب المعاصرة أقسى أنواع الحرمان، ومن ثم الاسترقاق المستور والآخر المكشوف .
كما أننا نعرف أن الإسلام تشريعاً وتطبيعاً حارب الربا الذي كان سائداً وشائعاً عند مجيئه بين أبناء المجتمع الجاهلي وفي العالم كله ، وخرج من مقاومته له منتصراً بأروع انتصار، وأقام مقامه نظام البر والإحسان .
وقد راع هذا الانتصار العظيم كبار المرابين آنذاك، حيث هزموا أمامه أكبر هزيمة، فراحوا أمام أفاعيل بريق الذهب الوهاج ولمعان اللجين الخاطف للأبصار يتحينون الفرص والمناسبات للعودة إلى ما كانوا عليه من الاقطاع و الرأسمالية غير المشروعين، وواتتهم السانحة يوم ضعف الكيان السياسي للمسلمين، ودخلت الجيوش الغربية الرأسمالية أوطانهم وسيطرت عليها، وللقوي حكم قاهر وجائر في مقدرات الضعيف ومصائره، فكان أن نقلوا إلينا أنظمتهم الاقتصادية، خاصة أنظمة القروض المالية التي تقر جواز التعامل بالربا .
وللأسف الشديد أننا لا نزال مرتهنين لأنظمتهم المالية ، إذ بصيص انطلاقة وئيدة الخطى لإنشاء البنوك الإسلامية من غير دعم من الحكومات في البلاد الإسلامية لها إلا ما رحم ربي، غير أننا ببركة الصحوة الإسلامية وانتشار الوعي الإسلامي بين الشعوب المسلمة سوف نصل ـ بعون الله تعالى ـ إلى استرجاع حياتنا المالية الإسلامية العادلة، نتعامل فيما بيننا، ومع الآخرين، على هدى نظام البر والإحسان بعيدين كل البعد عن أكل أموال الناس بالباطل عن ربا أو غيره .
من هنا رأيت أن أتناول موضوع الربا في دراستي الفقهية هذه بشيء من التطعيم والتجديد بما يربط واقع البحث بواقع الحياة، راجياً من الله تعالى التوفيق لذلك، أنه ولي التوفيق وهو الغاية .

التسمية
كان هذا النوع من المعاملة يسمى قديماً في النصوص الدينية والوثائق التاريخية والوقائع المالية باسم (الربا) الذي يعني الزيادة على رأس المال بغير عوض مشروع، أو يسمى بما يقابله في اللغات الأخرى أمثال :
Usure بالفرنسية . Usury بالانجليزية . Usura بالاسبانية . Wucher بالألمانية . وأفادته الفارسية من العربية فهو فيها (ربا) أيضاً .
وأمسى الآن يسمى في لغة القانون والاقتصاد والمال : interest ويترجم عربياً باسم (الفائدة) و (فائدة المال) و (فائدة رأس المال ) .
واشتهر استعمال كلمة (فائدة) حتى أصبحت في لغتنا المالية المعاصرة تترادف مع كلمة (ربا)، وحتى صارت المعاجم المزدوجة الحديثة تقابل كلمة (ربا) العربية بكلمة ( usury ) و كلمة ( interest ) الانكليزيتين، كما في (معجم المصطلحات الدينية) للدكتور عبد الله أبو عشي المالكي والدكتور عبد اللطيف الشيخ إبراهيم .

التعريف (في اللغة العربية)
قال ابن فارس في (معجم مقاييس اللغة): مادة ربي . ربأ: «الراء والباء والحرف المعتل وكذلك المهموز منه يدل على أصل واحد، وهو الزيادة والنماء والعُلُو، تقول من ذلك: (ربا الشيءُ يربو) إذا زاد، و(ربا الرابيةَ يربوها) إذا علاها، و (ربا) أصابه الربو.
والربو: عُلُو النَفَس، قال :
حتى علا رأس يفاعٍ 1 فربا رفّـه عن أنفـاسـها وما ربـا أي: رباها وما أصابه الربو .
والربا في المال والمعاملة معروف . وتثنيته : رِبَوَان ورِبَيَان وأما المهموز فالمربأ والمربأة من الأرض وهو المكان العالي يقف عليه عين القوم » .
وفي (العين): «ربا الجرح والأرض والمال وكل شيء، يربو ربواً إذا زاد. وربا المال يربو ـ في الربا ـ أي يزداد » .
وذكر معنى الزيادة لكلمة ربا بالإضافة إلى معجم العين ـ فيما لدي من معجمات ـ كل من : (المغرَّب) و (المفردات) و (التعريفات) . وزاد على الزيادة: النماءَ كل من (اللسان) و (القاموس) و (معجم ألفاظ القرآن الكريم). وزاد على الزيادة: الفضلَ كل من (المصباح) و (المعجم الوسيط). وزاد في (النهاية) على الزيادة: الارتفاعَ .
وفي (معجم مقاييس اللغة) ـ كما مررنا به ـ زاد على الزيادة: النماء والعُلُو. وفي (المحيط في اللغة) زاد عليها: الكثرةَ والنماء .
وكما رأيتَ، فكل المعاجم تلتقي عند معنى الزيادة، فالربا اللغوي ـ في معناه الذي يلتقي مع موضوعنا الذي هو الربا الاصطلاحي ـ هو: الزيادة. وبهذا عرّفه الفقهاء لغوياً حتى قال السيد العاملي في (مفتاح الكرامة): « قد طفحت عباراتهم بأن الربا ـ لغة بـ الزيادة » .
وخصصه الراغب الأصفهاني في (المفردات) بالزيادة على رأس المال، قال: « والربا: الزيادة على رأس المال لكن خص في الشرع بالزيادة على وجه دون وجه » .

في الفقه
قال ابن الأثير في (النهاية): « وهو في الشرع: الزيادة على أصل المال من غير عقد تبايع » .
وفي (المعجم الوسيط): «والربا في الشرع: فضل خالٍ عن عوض شُرط لأحد المتعاقدين » .
وفي (التعريفات): « وفي الشرع: هو فضل خالٍ عن عوض شُرط لأحد العاقدين » .
وفي (معجم لغة الفقهاء): « الربا: كل زيادة مشروطة في العقد خالية عن عوض مشروع » .
وقال ابن البراج في (المهذب): « والربا محرم في شرع الإسلام، وهو: الفاضل من الشيئين إذا كانا من جنس واحد من المكيلات أو الموزونات » .
وفي (فقه القرآن) للراوندي: « والربا: هو الزيادة على رأس المال في جنسه أو مماثله .
وذلك كالزيادة على مقدار الدَّين للزيادة في الأجل، أو كإعطاء درهم بدرهمين، أو دينار بدينارين » .
وفي (أصباح الشيعة): «الربا: هو التفاضل بين شيئين من جنس واحد من المكيل والموزون خاصة » .
وقال المحقق الحلي في (الشرائع): « وهو يثبت :
ـ في البيع، مع وصفين: الجنسية والكيل والوزن .
ـ وفي القرض، مع اشتراط النفع .

وضابطه: كل شيئين يتناولهما لفظ خاص كالحنطة بمثلها، والارز بمثله، فيجوز بيع المتجانس وزناً بوزن، نقداً، ولا يجوز مع زيادة، ولا يجوز إسلاف أحدهما في الآخر على الأظهر » .
وفي (المسالك): « الربا ـ لغة ـ الزيادة ، قال الله تعالى : ﴿ ... فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ ... ﴾ 2 ، وشرعاً : بيع أحد المتماثلين المقدرين بالكيل والوزن ـ في عهد صاحب الشرع أو في العادة ـ بالآخر، مع زيادة في أحدهما حقيقة أو حكماً أو اقتراض أحدهما مع الزيادة، وإن لم يكونا مقدرين بهما إذا لم يكن باذل الزيادة حربياً، ولم يكن المتعاقدان والداً مع ولده ولا زوجاً مع زوجته .
وعلى القول بثبوته في كل معاوضة يبدل (البيع) بـ (المعاوضة) على أحد المتماثلين الخ .
وقد يعرّف بأنه: زيادة أحد العوضين المتماثلين الخ، ونظراً إلى مناسبة المنقول عنه » .
وسيأتي بيان الاختلاف في اختصاص الربا بالبيع أو عمومه لكل معاوضة، ما ألمح إليه تعريف المسالك . ويمكننا اختصار هذه التعريفات بالعبارة التالية: ( الربا هو مبادلة المثل بمثله مع الزيادة في أحدهما مما يمكن وقوع التفاضل فيه )

في الاقتصاد
وعرّف الربا في علم الاقتصاد الحديث بأحد قسميه الفقهيين الآتيين ـ فيما يأتي ـ وهو ربا القرض، مما يدل على أن الربا اقتصادياً لا يتحقق إلاّ في الديون .
ففي (المعجم الوسيط): « والربا في علم الاقتصاد: المبلغ يؤديه المقترض زيادة على ما اقترض تبعاً لشروط خاصة » .
ويعرّفه المحامي نبيه غطاس في (معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال) بالتالي : «ربا Usury : في الأصل تعني الكلمة أية فائدة تدفع عن المال المقترض بغرض الاستفادة منه .
وفي الاستعمال الحديث تعني الكلمة أية فائدة تدفع عن المال المقترض بنسبة تزيد على النسبة التي يحددها الشرع أو القانون، أي أنها تمثل الربح غير المشروع الذي يكسبه الدائن من المال الذي يقرضه للغير » .

في القانون
وقانونياً يعرّفه (المعجم القانوني) للفاروقي: «ربا، مراباة، أو مرابحة Usury : إقراض المال لقاء فائدة تتجاوز الفائدة القانونية مع توافر نية الربح الفاحش .
( قانون انجليزي قديم ) : فائدة على دين جزاء يناله صاحب النقود نظير استعمال الغير لها » .
ويعرّفه الدكتور جرجس في كتابه (معجم المصطلحات الفقهية والقانونية) تحت عنوان (فائدة) بقوله: « الفائدة : هي عبارة عن بدل إيجار رأس المال، أي التعويض الذي يحصل عليه الدائن لقاء إقراض ماله لفترة زمنية معينة .
وتعطى الفائدة بنسبة مئوية تحسب على أساس المبلغ المدين » .
والربا في القانون ـ هو الآخر ـ يختص بربا القرض ـ كما هو في الاقتصاد الحديث ـ مع اشتراط توفر الدائن على الربح الفاحش.
 ــــــــــــ
1. اليفاع : المرتفع من كل شيء ، يكون في المشرف من الأرض و الجبل و الرمل و غيرها .
•  2. القران الكريم : سورة الروم ( 30 ) ، الآية : 39 ، الصفحة : 408 .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة