قراءة في كتاب

وصايا للسالك الصّادق


ربى حسين

ضمن سلسلة الأعمال الكاملة لآية الله الشّيخ محمد تقي مصباح اليزدي، صدر عن دار المعارف كتاب "وصايا الإمام الصّادق للسّالك الصّادق"، ضمّ ثمانية وعشرين درسًا يشرح فيها سماحته وصيّة أوصى بها عبد الله بن جندب الّذي حاز على مقامات رفيعة في المعنويات والمعارف. وهذه الدروس هي عِبر تُعين السّالك في رحلته التّكامليّة وتبديل علمه الحضوري شبه واعٍ بالله، إلى علم حصولي وحضوري واع.

وفي طريقك أيّها السّالك
تبدأ رحلة الوصول إلى العرفان الحقيقي مع هذه الوصيّة الدّستور بضرورة معرفة أهل البيت ومدرستهم ونهجهم بصورة أفضل، واعتبارهم المقياس الأساس لكل برنامج يعرض علينا. وقد حذّر الإمام (ع) ابن جندب من إبليس الّذي نصب حبائله في دار الغرور، فما قصد إلّا أولياء أهل بيت النّبوّة (ع) الّذين وضعوا أقدامهم على الطّريق المستقيم الحق، عازفين عن زخارف الدّنيا الحقيرة، ناظرين للآخرة بعين الرّضا والتّسليم واليقين بأنّ ما عنده تعالى خيرٌ وأبقى.
 تطرّق سماحته الى مسألة مهمة يغفل عنها العوام ويقصدها السّالكون وهي محاسة النّفس، وهي تتضمّن أربع مراحل تبدأ بالمشارطة ثم المراقبة خلال اليوم فالمحاسبة ليلًا، والمعاتبة في حال وجود خطأ أو زلل فيلزم السّالك نفسه مثلًا أن يصوم في اليوم التّالي أو ينفق مبلغًا من المال.  
وفي طريقك أيّها السّالك لا بدّ أن يقلّ زادك للدنيا ويزيد استحقارك لها "طوبى لعبد لم يغبط الخاطئين على ما أتوا من نعيم الدّنيا وزهرتها". هنا لفت سماحته إلى مسألة تفضيل بعض النّاس بالنّعم لا يدل على أنّهم أكثر محبوبيّة، بل على الفتنة الإلهيّة والامتحان الرّبّاني، "نبلوكم بالشذر والخير فتنة".

 ما بين الإيمان الواقعي والجهل الدّيني
جاء في زيارة حضرة المعصوم (ع): "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا"، إذ أنّ الإيمان الواقعي يتمثّل باستثمار حضور الله في كل مواقفنا والاتّصال الدّائم بهدايته وعليه نكرر عشر مررّات يوميًّا: "اهدنا الصّراط المستقيم". وقد أكّد سماحته على أنّ الجهل في الثّقافة الإسلامية أبعد الكثيرين عن لبّ الدّين حتّى على المستوى الاعتقادي. وجلّهم من أتباع الأنبياء والمتديّنين وأتباع المعارف الإسلاميّة ممّا أدّى إلى منع رواج الدّين وحرمان النّاس من الحقائق والمعارف.
خصّص الكتاب درساً كاملاً للحديث عن السعادة التّي تتحقق وفقًا لمراتب الاستقامة بحيث يتحمّل كل فرد مسؤولية بمقدار المعرفة التّي أدركها وعمل بها ليبلغ المقامات المرجوّة وهنا يحضرنا حديث للشّيخ تقي الله بهجة "اعمل بما تعمل". فمن انكشفت له الحجب وأدرك تكليفه الشخصي، لا ينبغي له العمل كمن علم أن الدّين صلاة وصوم والسّلام. وفي نهاية المطاف يقول الإمام الصّادق لهؤلاء "... لصافحتهم الملائكة... ولما سألوا الله شيئاً إلّا وأعطاهم".

مصائد الشّيطان
"يا ابن جندب أقل النوم باللّيل والكلام في النّهار فما في الجسد شيء أقلّ شكراً من العين واللّسان. هنا وفي معرض حديثه عن مصائد الشيطان يبرز النوم وكثرة الكلام، أكّد (ع) أنّ هذه المصائد بالدّرجة الأولى تمنع الإنسان من الصّلاة في أوّل الوقت ما ينتج عنه عدم الاعتناء بالدّين والاستهزاء به، لأنّه كلٌّ تبعٌ لصلاتك أيّها السّالك.
وقد حذّرت وصيّة ابن جندب من بعض النّقائض الأخلاقيّة بحيث لا يليق بالشّخص المؤمن مهموماً وقلقاً تجاه أي شيء سوى ما ينجيه من العذاب الإلهي. والقضيّة الأهم التّي تطرح هنا هي آفات يقع بها المؤمن من رياء وحسد وغضب تبعده لخطوات في مسيره الإلهي المجاهد للنفس ومصائد الشّيطان الرّجيم.

ضرورة حفظ الهويّة الشّيعيّة
هذا الباب بحث في قضيّة التفريق بين المحب لأهل البيت والشّيعيّ الحق أمثال سلمان وأبي ذر. "فلو تلطّف الله تعالى وجعل محبّة أهل البيت (ع) في قلوبنا فينبغي أن نستفيد منها جيّدًا ولا نتّفق عند الدّرجة الأولى من هذا السّلم". شرح سماحته تحت هذا العنوان علامات الشّيعة الحقيقيّين وهي: بسط اليدين تجاه الأخوة، صلاة إحدى وخمسين ركعة، عدم الطّمع، عزّة النّفس مقابل الأعداء، وأخيراً الالتزام بفتاوى أهل البيت في جميع الأحكام.

يرفع المؤمنين درجات  
اعتبر سماحته أن الإمام الصّادق(ع) انطلق من موقع المربّي لإيجاد دافع في الشّيعة لكي يرفعوا من مستوى هممهم. فغير تلك الفئة الّتي أعرضت عن لذات الدنيا، أخرى أعرضت عن لذّات الجنة ونعيمها. فهؤلاء لا يريدون سوى اللّه ورضاه والقرب منه في دار الفناء، وهو يريد أن تهون عليهم دنياهم، واضعين الموت نصب أعينهم متجرّدين من إغراءات الدّنيا المبعدة عن المقامات المعنويّة.
وقد عدّد سماحته وصايا أخلاقيّة وفصّلها كأهمّية النّشاط والكسب اليومي للفرد، والمحافظة على السّلام النفسي ورفع اضطرابها في ظل الاعتماد على الله، فلا خلاص من مشاكل الدّنيا والنّفس وتقوية روحيّة الفرد وتقبله للنقد إلا بتطبيق تعاليم دينه.

كلمة أخيرة

تناول القسم الأخير من الكتاب مواضيع علاقة المؤمن بالدّنيا والمادّيات من جهة وعلاقته بالمؤمنين. ولفت إلى مسألة تقوية علاقة العبد بربّه والّتي تتجلّى بالصّلاة الذّاكرة المدركة لعظمة الذّات الإلهيّة، إضافة إلى كفّ نفسه عن الهوى واللّغو، وحديثه معها بذكره تعالى على مدار اليوم. وعليه أيّها السّالك ستنال وعد اللّه وسيسطع وجهك في عالم المعنى والملكوت كالشّمس وتبلغ درجات روحيّة لطالما عملت عليها.

وخير الختام هذه الرّواية الشّريفة، التّأكيد أن لكل شيئ أساسًا وأساس الإسلام حبّ أهل البيت ولو وجدت هذه المحبّة سيستقر بناء الإسلام الواقعي وترسو سفينتك أيّها السّالك وتكون ممّن نزلت بهم آيات سورة الزّمر: " ... قالوا الحمد الله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنة حيث شاء فنعم أجر العاملين".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة