مقالات

القراءة حياة


الشيخ حسين المصطفى

أول ما يتبادر إلى ذهني، وربما هو السؤال الأهم في هذا الموضوع الحيوي هو: هل القراءة هواية؟
لطالما كتب الكثير من التربويين عن القراءة وأهميتها وفوائدها، لكن أرى أنَّ كتاباتنا السابقة لم تتعمق كثيراً في أهمية القراءة، فهناك مفاهيم أعمق مما يطرح يجب أن نتناولها، وهناك مفاهيم يجب أن تصحح، هذا ما أراه حسب وجهة نظري، والقراءة والكتاب والثقافة والتقدم والتطور أمور متلازمة ومفاهيم مترابطة، لذلك علينا أن لا نمل من التطرق لمثل هذه المواضيع بحجة التكرار، وعلينا أن لا نمل من طرحها لأننا نعاني من ظاهرة شح القراءة في مختلف شرائح المجتمع..
وبحسب "تقرير التنمية البشرية" للعام 2003 الصادر عن اليونسكو، يقرأ المواطن العربي أقل من كتاب بكثير، فكل 80 شخصاً يقرأون كتاباً واحداً في السنة. في المقابل، يقرأ المواطن الأوروبي نحو 35 كتاباً في السنة.

 وجاء في "تقرير التنمية الثقافية" للعام 2011 الصادر عن "مؤسسة الفكر العربي" أن العربي يقرأ بمعدل 6 دقائق سنوياً بينما يقرأ الأوروبي بمعدّل 200 ساعة سنوياً.
ومع تفاوت الإحصائيات المطروحة أليس هذا أمراً مخيفاً؟!
عندما كنا نسأل عن هواياتنا، كنا نجيب بعدة إجابات ومن ضمنها القراءة، ولا أدري هل فعلاً نحن نقرأ بشكل مستمر وجاد حتى ندرج القراءة ضمن قائمة الهوايات؟! أم أنّ قراءة الجرائد وملاحقها الرياضية والفنية وقراءة مجلات ... نعتبرها قراءة؟
ثم هل القراءة تعتبر هواية؟
دعوني أضجركم قليلاً وأقول: هل التنفس ضمن قائمة هواياتنا؟!
إنّه سؤال غريب، أدرك ذلك تماماً!
ماذا لو سمعنا أحدهم يقول: هوايتي المفضلة هي الأكل؟!

سنضحك ونأخذ منه هذه الكلمات على أنها نكتة طريفة يريد بها أن يؤنسنا في هذا الزمان النكد أو حقيقة طريفة خصوصاً إن كان من أصحاب الأجسام الممتلئة!
بالتأكيد ستستغربون هذه الفلسفة، لماذا؟ لأنّ هذه الأمور عادات أو أفعال ضرورية طبيعية لكل إنسان ولكل كائن آخر.
وكذلك هي القراءة، أرى أنها أمر ضروري لكل إنسان تماماً كالتنفس والأكل لا غنى عنها، والقراءة أمر يتميز به الإنسان عن باقي المخلوقات ولذلك أرى أن القراءة ليست هواية أبداً.
ومن الأمور الأخرى التي يجب أن نتعمق في طرحها، هي مسألة غرس حب المعرفة في نفوسنا وفي أبنائنا، فحب المعرفة والاستطلاع والفضول العلمي والبحث والاستقراء والاستنتاج، من العادات المفيدة التي يجب غرسها في المجتمع وإحلالها محل عادات أخرى سلبية.
ولأنّ القراءة إحدى وسائل المعرفة والعلم، فمن الطبيعي أن نرى المجتمع يقبل على القراءة ما دام حب المعرفة قد غرس فيه، وإذا ما وضعنا المعرفة في مرتبة قصوى، بعد الغناء والحفلات والمظاهر والأسواق و.... الخ، فمعنى ذلك أننا ألغينا حب المعرفة تماماً من حياتنا وصارت حياتنا سلسلة من الأمور التافهة والنتيجة النهائية تساوي إنسان يعيش على هامش إنسانيته.
هل تعلمون أنني قد أضطر للذهاب مع أحد أفراد عائلتي لمكان يستوجب فيه الانتظار، كالمستشفى وغيره، فآخذ معي كتاباً للقراءة، فيكون الأمر غريباً لأنهم لم يعتادوا على أن يكون مناخنا هكذا، بينما اعتادوا أن يروا الأوربيين يقرأون في كل مكان.. ولذا كانت سياستي مع أطفالي: لا ميزانية عندي للمعرفة اشتروا ما شئتم من الكتب مهما كان سعر الكتاب، وأما بالنسبة لمجالات الترفيه فلا بدّ أن تقنعوني بجدوى شرائها.

الأمر طبعاً ليس بهذه السهولة، أعني غرس حب المعرفة؛ لأنّ تراكم العادات السلبية على مرّ السنين يحتاج إلى سنين طويلة لتغييرها، وكذلك غرس العادات الإيجابية يحتاج إلى مجهود منظم ومخطط يسير وفق أهداف محددة، وهذا ما نفتقده في الكثير من الجهود التي تهدف إلى غرس قيم إيجابية في المجتمع.
ولو نظرنا بنظرة شمولية لواقع وأسلوب الحياة عند أهم فئة من المجتمع وهي الشباب، سنرى مظاهر عديدة سلبية وإيجابية: الإيجابي منها هي وجود القدرة لدى الشباب في تغيير الوضع إلى الأفضل.

أقول هنا: وجود القدرة، لكن أين الإرادة؟
نحن نفتقد الإرادة بسبب السلبية والأنانية، الكل ينتظر الكل حتى يصلح أمراً ما، أو يزيل عائقاً ما، قد نكتب ونتحدث عن السلبيات لكن أين الفعل الإيجابي الذي يجب أن يقوم به كل فرد تجاه المشكلة أو السلبية؟
تقولون: وما علاقة هذا بموضوع القراءة؟
أقول: بأنّ الفعل الإيجابي تجاه أي مشكلة سيؤدي إلى حل هذه المشكلة ولو كان هذا الفعل صغيراً، وبتراكم المبادرات والأفعال الإيجابية سنصل إلى حل مشاكلنا، مثلاً، بمقدور كل مجموعة من الشباب سواء كانوا في المدرسة أو الجامعة أن يشكلوا جماعة للمكتبة أو للقراءة، ومن ثم يقوموا بعمل أنشطة تسير في اتجاه تشجيع القراءة وحب الاستزادة من العلم والثقافة.
باستطاعة كل شاب أن يساهم في تكوين مكتبة على مستوى المنزل أو الحي أو المسجد، في استطاعة كل فرد منا تشجيع الآخرين على القراءة بإهدائهم الكتب أو حتى بتعريفهم بعناوين الكتب.

إنَّ أشكال الفعل الإيجابي تجاه هذه القضية تتنوع وتتفرع ولو حاولنا أن نذكرها فلن تنتهي لأنّ المجال في هذا واسع والآفاق رحبة، وكل شخص يستطيع أن يبدع في خدمة هذا الهدف، غرس حب المعرفة في مجموعة محددة من المجتمع.
فالقراءة أمر ضروري ولا نستطيع أن نعتبرها هواية نمارسها متى نشاء، بل هي عادة نمارسها يومياً وبشكل تلقائي، وغرس حب المعرفة عامل مساعد على حب القراءة، لأنّ القراءة وسيلة من وسائل اكتساب المعرفة، وحتى نغرس حب المعرفة في المجتمع علينا أن نحاول ونبادر بأفعال إيجابية تجاه خدمة هذا الهدف.

وينبغي أن نلفت إلى أهمية دور البيت في هذا الاتجاه، فإنّ الأم والأب المثقفين حصن حصين من الصعب اختراق ثغوره، وأنّ المرأة التي تكون مديرة لأخطر مؤسسة اجتماعية في الحياة، وهي الأسرة إن كانت متعلمة ومثقفة ثقافة العصر استطاعت أن تنجب أبناء صالحين، ولنعم ما عبرّ به الفيلسوف روسو في مقولته الرائعة في هذا المجال، حيث يقول: "إذا أردت رجالاً فضلاء فعلموا المرأة العلم والفضيلة".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة