قرآنيات

القرآن إبداع بشري أم إعجاز إلهي؟ (2)


الاحتمال الثاني: أن القرآن الكريم ناشئ عن مرض أصاب النبي وهو مرض الفص الصدغي:

هناك كتاب «الرؤى الدينية والطب المعاصر»، يذكر صاحب هذا الكتاب أن بين صرع الفص الصدغي وبين القضايا الروحية يوجد ارتباط، هذا المرض يصيب المخ إثر نوبة كهربائية شديدة، وأعراضه: شعور بالخوف، فقدان الوعي زمانًا ومكانًا، وشم رائحة غريبة، ثم يعي بعد ثانية، أو بعد دقيقة أو خمس دقائق.
قالوا: هذا المرض على علاقة بالقضايا الدينية والروحية، ومن الأمثلة على ذلك:
البروفسور تشاندران في جامعة كاليفورنيا كان يعالج مريضة اسمها غوين تاق، عندما أنجبت طفلها كانت تعتقد أنها أنجبت المسيح عيسى ابن مريم، نتيجة تأثير صرع الفص الصدغي عليها، قام مجموعة من العلماء بدراسة 193 مريضا بهذا المرض، وجدوا 24% من المرضى بهذا المرض كانوا يتحدثون عن أوهام دينية، بعضهم يدعي الألوهية، وبعضهم يدعي النبوة، نتيجة إصابتهم بهذا المرض.
أيضًا من الأمثلة التي ذكرت على ذلك:
إلين وايت وهي أمريكية ادعت أنها تلقت ألفين رؤية من الإله، وكتبت أربعين كتابًا روحيًّا، وأحدثت طائفة في المسيحيين، وماتت عام 1915م.
نتيجة هذا أنهم يقولون بأن النبي مصاب بهذا المرض، يصيبه ويعي ويقول نزل علي جبرائيل وقال لي كذا وكذا، ويقرأ القرآن، والقرآن ماهو إلا نسيج وصياغة نتيجة إصابة هذا الإنسان بصرع الفص الصدغي، هذا ما قاله القرآن عن الجاهلية منذ أن جاء النبي  : ﴿إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾.

عندما نناقش هذا الاحتمال نجد أن:
أولًا: لا ملازمة بين الموجبة الجزئية، والموجبة الكلية، قالوا أن 24% ممن أصيبوا بهذا الصرع تحدثوا عن قضايا دينية، يعني أن القضية جزئية، لا ملازمة بين أن نقول بعض المصابين بمرض الفص الصدغي أخبروا عن قضايا روحية، وبين أن نقول كل من أخبر عن قضايا روحية فهو مصاب بالفص الصدغي، فلو كان كل من يتحدث عن قضايا روحية مصاب بمرض الفص الصدغي، إذن كثير من الفلاسفة تحدثوا عن قضايا روحية، فهل كانوا مصابين بمرض الفص الصدغي؟ كثير من الشعراء حتى في الجاهلية تحدثوا عن قضايا روحية، فهل كانوا مصابين بمرض الفص الصدغي؟ فهذا لا معنى له.
ثانيًا: النبي عاش 63 سنة، وعاشره القريب والبعيد، وما رأوا عليه أعراض مرض حتى يقال بأنه مصاب بصرع الفص الصدغي.
ثالثًا: الشخص الذي يؤسس دولة، يؤسس جيش، ويضع نظام اقتصادي، ويدير مجتمع بأكمله، ويحسن إدارة العلاقات، لا يمكن أن يكون ناجحًا في ذلك كله إلا إذا كان شخصية حذرة، أي شخصية دائمًا تضع شكوك وارتيابات، لأن الذي يؤسس دولة وجيشًا واقتصادًا يعرف أن هناك معارضين يكيدون له المكائد، لذلك تراه دائمًا شخصية حذرة، تراقب الأوضاع، تلتفت إلى الشبهات، دائما تثير شكًّا حتى تتجنب الأخطار، فهل يعقل من شخص يعيش حذرًا في كل شيء، ومع ذلك يبقى متوهمًا طوال عمره أن هناك من يلقي عليه قضايا أخرى؟

الإنسان العادي عندما يصيبه هذا المرض من أول مرة يشك في نفسه، يراجع من حوله، لو كان النبي   واهمًا أو مصابًا بهذا الصرع لكان التفت إلى نفسه، لا يعقل أنه حسن الإدارة، ينظم الجيش، والدولة، ويدير الاقتصاد، والمجتمع الإسلامي، وفي كل هذه الأمور لم يكن واهمًا، ولا مريضًا، ولا مصروعًا، فهل من المعقول أن يكون مصروعًا عند الوحي؟
من خلال دليل حساب الاحتمالات، والمقارنة بين حاله في المعارك، وإقامة الدولة، وتأسيس الجيش، وإدارة المجتمع، وبين حاله إذا أخبر القرآن، ترشدنا إلى أنه كان شخصية حذرة، واعية، ملتفتة، لكل الاحتمالات في جميع أوضاعه وشؤونه  .
رابعًا: أن المرض المذكور، وهو صرع الفص الصدغي، غاية ماينتج أن الإنسان يدلو ببعض المواضيع الروحية فقط، وليس أن المرض سينتج لنا قرآن كامل، كتاب تشريعي متكامل، ويذكر لنا قصة الإنسانية من آدم إلى محمد  ، هل من المعقول أن تأسيس تشريع متكامل وإيراد قصة الإنسانية كلها، والحديث عن الحقائق الكونية كلها، نتيجة صرع الفص الصدغي؟

الاحتمال الثالث: أن القرآن جاء نتيجة اكتساب ثقافي أي اكتسبه النبي   من كتب العهدين في زمانه:

أن النبي   تعلم هذا القرآن من كتابي العهد القديم والعهد الجديد، توراة موسى، وإنجيل عيسى، وأنه أخذ القرآن من هذين الكتابين، هما متوفران واستفاد القرآن منهما، فالقرآن ليس كتابًا إلهيًّا جديدًا، بل هو مستفاد من العهدين، القديم والجديد، وهذه الشبهة موجودة منذ زمن الجاهلية، يقول القرآن: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ أنه يكتب قصص الأولين وينشرها، وأول من طرح الشبهة القديس يوحنا الدمشقي سرجون، كان وزيرًا ومستشارًا لمعاوية، ثم أصبح مستشارًا ليزيد ابن معاوية، وعنده كتاب «الهرطقات»، في الهرطقة رقم مئة يذكر فيها أن القرآن كله أخذه النبي   من العهدين القديم والجديد، وليس كتابًا إلهيًّا، ودليلهم على ذلك التشابه الكبير بين القصص التي ذكرها القرآن عن الأنبياء، وبين القصص التي ذكرت في العهدين، هذا التشابه 80% تطابق القرآن مع العهدين في القصص والتشريعات دليل على أن القرآن كتاب مستنسخ.

فما هي أجوبتنا عن هذا الاحتمال؟
أولا: أمية الرسول، كان رجلًا أميًّا، القرآن يبين لنا معنى الأمي: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ ويقول القرآن الكريم: ﴿مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ إذا كان رجل أمي لم يقرأ ولم يكتب، فهل باستطاعته أن يستنسخ القرآن من كتابين منسوخين، ثم يصوغهما إلى كتاب جديد يسمى بالقرآن الكريم؟
المستشرقة كارين أرميسترونج في كتابها «سيرة النبي محمد» قالت: لو كان النبي   هو الذي استنسخ القرآن لاكتشفه الناس، لأنه عاش بينهم 23 سنة، فهل يعقل أنهم خلال 23 سنة لم يلتفتوا إلى أنه يستنسخ القرآن من هاذين الكتابين؟
ثانيا: ما ذكره الدكتور عبدالرحمن بدوي، يقول: الشخص الذي يستنسخ كل هذه القصص، ويستنسخ كل هذه التشريعات، وكل هذه التعليمات، في هذا الكتاب ماذا يراد منه؟ لابد أن يكون شخصًا مطلعًا على اللغة العبرية، واللغة السريانية، واللغة اليونانية، لأن كتب العهدين كانت بهذه اللغات، لو كان شخصًا استنسخ القرآن من العهدين، لكان يجب أن يكون متعلمًا للغة العبرية، والسريانية، واليونانية، ولديه مكتبة كبيرة تشتمل على: التلمود، والأناجيل المسيحية، وقرارات الكنيسة، وإنتاجات الآباء اليونانيين، لابد أن يكون ملمًّا بكل هذا، بينما لم يذكر التاريخ عن النبي   إلا أنه كان يتيمًا يتاجر في أموال أبي طالب، وفي أموال خديجة، ولم يصدر منه أي تعلم، وأي اكتساب، وأي استنساخ، وأي قراءة مع أي شخص ومع أي رجل آخر.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة