مقالات

المقام المنيع


الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي

يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يا أبا ذرّ، إنّ ربّك عزّ وجلّ يُباهي الملائكة بثلاثة نفر: رجلٌ في أرض قفر فيؤذّن ثمّ يقيم ثمّ يصلّي، فيقول ربّك للملائكة: انظروا إلى عبدي يصلّي ولا يراه أحدٌ غيري فينزل سبعون ألف ملك يصلّون وراءه ويستغفرون له إلى الغد من ذلك اليوم، ورجلٌ قام من الليل فصلّى وحده فسجد ونام وهو ساجدٌ، فيقول تعالى: انظروا إلى عبدي، روحه عندي وجسده ساجدٌ، ورجلٌ في زحفٍ فرّ أصحابه وثبت وهو يقاتل حتّى يُقتل.
إنّ مباهاة الله تعالى ملائكته ببعض عباده يعني أنّ لهؤلاء العباد خصائص تتمتّع بأهميّةٍ كبيرةٍ عند الله، ولو كان هناك خصائص أخرى تزيد من كمال الإنسان وتقرّبه من الله أكثر، ولها مثل هذه القيمة عند الله، لكان النبيّ قد ذكرها.
فحين يريد سبحانه أن يعرّف المقام المنيع لبعض عباده إلى ملائكته ويباهي بهم، فإنّه تعالى يذكر أفضل تلك القيم والكمالات.
والآن يجب أن ننظر إلى تلك الفئات الثلاث من عباد الله ذلك الذي يصلّي في الصحراء بعيداً عن أعين الناس ويراعي في صلاته آدابها ومستحباتها، وذاك الذي يقوم في منتصف الليل من فراشه الوثير للعبادة والمناجاة وذلك الذي يصمد أمام الأعداء وحيداً ويقاتل حتّى آخر رمقٍ لينال مقام الشهادة لكي نرى أيّة خصائص قد حازوا؟ وما هي القواسم المشتركة بينهم، حتّى صاروا مورد عناية الله تعالى بحيث رفع منزلتهم؟
إنّ الخصوصيّة أو العنصر المشترك بين هذه الفئات الثلاث هو استقلالهم وتفرّدهم. فإنّ الشخص الأوّل كان يعبد الله وحيداً بعيداً عن أعين الناس وكذلك الشخص الثاني فهو ينهض وحده في الليل، وهكذا الثالث الذي وقف وحيداً مقابل الأعداء.
فالله تعالى لا يباهي بذلك الذي يصلّي في المسجد الجامع مع ما له من الثواب في صلاته. بل يباهي بذلك الذي يصلّي وحيداً في الصحراء أو يقاتل وحيداً بعد فرار أصحابه ويحمل على الأعداء دون هوادة. هذا مع أنّه من الممكن أن يكون هناك من قد شارك في عشرات العمليّات العسكريّة، وهو يتميّز بالإقدام والشجاعة الكبيرة وقد حقّق الكثير من الانتصارات والمفاخر.
ومع ذلك، فإنّ التركيز هنا على ذلك الذي بقي وحيداً، وهو لا يتهاون في أداء تكليفه.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد