مقالات

ما هي الأساليب المناسبة لتفعيل شعار أخلاقنا محمدية في أجيالنا الشابة؟


د. خديجة المحميد

المسؤولية التربوية للأجيال المعاصرة هي الأمانة الربانية التي ينبغي أن يتحمّلها المبلّغون في صناعة الوعي العقائدي والفكري والاجتماعي الإسلامي الأصيل، باستلهام النموذج الأخلاقي لخاتم الأنبياء المصطفى محمد صلوات الله وسلامه عليه وآله الأطهار، وأساليبه في بناء الشخصية الإنسانية الهادفة والجادة في السير نحو معالي القيم والمكارم السلوكية الحياتية.
أما على مستوى النموذج القدوة فهو الأعلى:
" وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ " القلم / 4
إذ بيّن العظيم الأعظم جلّت قدرته أنه عظيم الخلق، فسجّل له وأثبت أعظم مستوى أخلاقي يمكن أن يبلغه بشر صلوات الله وسلامه عليه وآله.
أما في أساليبه وطرقه التربوية في صناعة الإنسان، فهي المثلى حيث أنها تُعبّر عن الهدى والمسلك القرآني النابع من تعاليمه الصالحة لكل زمان ومكان في النهوض بالحياة الطيبة للفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة:
" هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " الجمعة / 2

فهو صلى الله عليه وآله كما كان يغذي العقول والأذهان بالعلم والمعرفة، كان أيضًا يعمل على تربية وتزكية القلوب، "وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكمَةَ"، ولم يكتفِ بتعليمهم القوانين والأحكام، بل كان يعلمهم الحكمة أيضًا، وهي أعلى درجة ومكانة إذ تعني: وضع الشيء في موضعه.
" وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً " البقرة / 269

فلنسلط الضوء على الأسلوب النبوي المحمدي في غرس القيم الأخلاقية في الفرد والمجتمع من خلال موقف يهز العقل والوجدان بعمق، ليفتحهما على حقيقة الفطرة الإنسانية في معانقتها وتفاعلها مع القيم والمباديء الربانية، ثم نستثمره في عملية الاستهداء لأفضل الأساليب التربوية التي تحي النفوس والعقول الشابة:
حينما دخلت ناقة الرسول إلى يثرب بعد هجرته إليها من مكة أحاط به الناس، وقد كانت آنذاك مقسمة إلى أحياء تشتمل على بيوت وأزقة ومتاجر، يعود كل منها إلى أحد القبائل التي تنتمي إما إلى الأوس أو الخزرج، فينبري أمام هذه الناقة كبار هذه القبائل ويأخذون بركابها ويقولون له: "إلينا يا رسول الله، فيقول لهم: "دعوا الناقة فإنّها مأمورة". وعمل كبار القوم وأشرافهم، شيوخهم وشبابهم على اعتراض ناقة النبيّ صلى الله عليه وآله قائلين: "انزل هنا يا رسول الله، فالدّار دارك، وكلّ ما لدينا في خدمتك"، لكنّه كان يجيبهم: "دعوا الناقة فإنّها مأمورة". فطوت الناقة الطريق، حتّى وصلت إلى حيّ بني النجّار الّذين تنتمي إليهم أمّ الرسول صلى الله عليه وآله، فجاؤوه وباعتبارهم أخواله قالوا له: يا رسول الله، إنّ لنا بك لقرابة فانزل عندنا، فقال لهم: "دعوا الناقة فإنّها مأمورة". وهكذا انطلقت الناقة حتّى حطّت رحالها بأكثر أحياء المدينة فقراً، فمدّ الناس أعناقهم ليعرفوا مَنْ صاحب الدار الّتي استقرّت عندها الناقة، فإذا به أبو أيّوب الأنصاريّ أحد أفقر أهل المدينة. فحلّ النبيّ صلى الله عليه وآله ضيفاً عليه، بينما رُدّ الأعيان وأصحاب النفوذ والأشراف وذوو الأنساب. فاتّضح من خلال ذلك عدم تعلّق هذا القائد الربّاني بالثروة والنسب القبليّ والزعامات القبلية والانتماء الأسري والعائلي، إذ كان يهدف برسالته السماوية مقارعة الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الفاسد والظالم، والعمل على إرساء العداله والنهوض والسعادة للإنسان.

مثل هذه المبادئ والقيم العاليه النبيله في سلوكه كقائد رسالي، والتي تجسدت وتعاضدت مع أخلاق الصدق والأمانة والرحمة التي عُرف بها منذ نعومة أظفاره، وفي ريعان شبابه قبل أن يُبعث، نحتاج أن نجسدها في وعي وعقول وقلوب وحياة الشباب كقدوة مؤثّره بالأساليب والآليات الفعّاله التي نقترح منها ما يلي لأهميته في التصدي للحفاظ عليهم من استهداف مؤثرات الحرب المعاصره الناعمه حفاظًا ينطلق من موقع الفعل الشامل والجذري، وليس من موقع رد الفعل الجزئي والوقتي:
1.  تعبئة الشباب بروح المسؤولية والثقة والعزة والكرامة من موقع كون الإنسان خليفة الله في أرضه:
  "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" البقرة/ ٣٠

كلنا قد خُلقنا لنكون خلفاء الله سبحانه في أرضه، وإن اختلفت مستويات خلافتنا له جلّ وعلا وتفاوتت في مسؤولياتها وإنجازاتنا فيها. وينبغي ألا يغيب هذا المعنى عن قلوبنا ومشاعرنا، لأنه فعلًا إن غاب سنتيه عن جوهر معنى الحياة. نحن جميعًا قد كُرّمنا بخلافة الله تبارك و تقدس، فلنعمل لنكون أهلًا لهذه الكرامه العظيمه. من مقتضيات الخلافه أن يجلّي المستخلِف صفات وإرادة وقدرة المستخلَف، وفعلًا وعد الله سبحانه أن الأرض يرثها عباد الله الصالحون. الشباب يعشق القدره والقوة والعلم والكمال ولكن كيف يتحقق له الاتصال بمنبع القدره والقوة والعلم والكمالات الربانيه لتُفاض عليه بلا حواجز وعوائق؟

نعلّمهم أن أوّل شرط لذلك هو جعل أوعيتهم مستعدّة لهذا الفيض وكيفية ذلك: إستعمال ما يزودهم الله به من قدرة وإمكانات في محلّها. أما ما هو محلّها؟ فهو الكيفية والطريقة التي يحددها الله سبحانه، طاعة الله والالتزام بمنهجه هو السبيل للقدرة والعزة. إن الله تعالى الذي أحب أن تظهر صفاته وأسماؤه في هذا الإنسان؛ هو حاضرٌ لمدّ من يقبل خلافته ويسعى لأدائها بكل ما يجعله كذلك.. (ولهذا، يقول العارفون: جميع صفات الحقّ المطلقة تُفاض على نحوٍ مطلق في المكان والزمان والمادّة والرّوح؛ وإنّما هو الإنسان الذي يقبل أو يرفض مثل هذا العطاء).
 ظهور المريد الرحمن الرحيم القادر العليم العزيز القوي الرؤوف الغني الحميد .....
يريدنا الله أن نستقبل كل ذلك .. نستقبل قدرته المطلقة وكماله وجلاله المطلق ؛ وما علينا إلا الاتّصال بها دون أي حجاب.

2.  في إطار تنشئة الشباب المسلم على روح المسؤولية من مفهوم الخلافة لله تبارك وتقدّس، والعمل على استهدائه بالنموذج الإنساني الأعلى في الخلافة الربانية محمد وآله الاطهار صلوات الله وسلامه عليهم، لنربيهم على أن يختاروا هدفًا كبيرًا لبناء ذواتهم ومجتمعهم عملًا على تحمّل أمانة رسول الله والأئمة صلوات الله عليهم وفق مفهوم الانتظار الإيجابي لظهور الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف ليملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا.
3.  بناء الشخصية القيادية المبادرة للشباب بتدريبهم على مهارات وفنون القيادة واتخاذ القرار والتواصل الفعّال، من خلال ابتكار مشاريع فكرية وعملية في خدمة المجتمع بشتى الميادين الممكنه وقيادة تنفيذها بالمنهج الإسلامي الأخلاقي.
4.  رسم منظومة مفردات الأخلاق المحمدية وتجسيد تأثيرها على الحياة الفردية والاجتماعية، وتوظيف شتى الفنون المعاصره لخدمتها سواء السينمائية أو المسرحية أو بتوظيف ريش الفنانين المعبّره. فكم سيكون التأثير العقلي والروحي للتجسيد الفني التمثيلي لمسار ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي تحط عند بيت أبي أيوب الأنصاري في المدينة!..
5.  تناول كل مفردة من منظومة الأخلاق المحمدية بالحوار المفتوح مع الشباب، واستلهام تطلعاتهم وآرائهم في كيفية تجسيد هذه الأخلاق في ذواتهم وأسرهم ومجتمعهم، والتعرّف على التحديات التي تواجههم إزاء المستجدات التي يفرضها إعلام الحرب الناعمه وجنوده، والحلول المبتكره من طرفهم للثبات على كرامة الخلافة المحمدية الربانية. من المهم جدًّا استثمار مهارات الحوار المفتوح مع الشباب والإنصات الفعّال لهم بإرشاد منفتح وغير مشروط بإملاءات المزاج الذاتي لنا كمرشدين لهم، وهو ذلك الحوار الذكي الذي يخلق مشترك الفطرة الإنسانية بين مرشديهم وبينهم كمسترشدين، وتفعيل ساحة الفهم الميداني الصحيح لتعاليم الهدى الإلهي ليتمسكوا به في تحقيق طموحاتهم التكامليه بالأساليب العصرية المناسبه.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد