مقالات

من نور الزهراء عليها السلام

 

السيد علي الخامنئي "دام ظله"
إنّ كل ما نقوله حول الزهراء عليها السلام قليل، وفي الحقيقة إنّنا لا نعلم ما يجب قوله في الزهراء عليها السلام وما يجب التفكير فيه، فالأبعاد الوجودية لهذه الحوراء الإنسية والروح الخالصة وخلاصة النبوة والولاية، واسعة ولا متناهية وغير قابلة للإدراك وهي بصورة بحيث يتحيّر الإنسان فيها.
فكما تعلمون فإنّ المعاصرة تعتبر من الأمور التي تمنع الإنسان من معرفة الشخصيات بصورة جيدة، فغالباً لم تعرف النجوم الساطعة في عالم البشرية في حياتها من قبل معاصريهم، إلا من ندر من العظام كالأنبياء والأولياء، وهؤلاء أيضاً عرفوا من قبل أفراد معدودين فقط، إلا أن فاطمة الزهراء عليها السلام كانت في عصرها بصورة بحيث لم يمتدحها أبوها وبعلها وبنوها وخواص شيعتهم فحسب، بل أنها كانت تُمتدح حتى من قبل أولئك الذين لم تكن لهم علاقات سليمة معها انظروا إلى الكتب التي أُلفت حول الزهراء عليها السلام أو حول كيفية تعامل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع هذه العظيمة، فقد رويت من قبل الذين أشرنا إليهم كزوجات النبي والأخريات، فهذه الرواية المعروفة عن عائشة أنها قالت: "والله ما رأيت في سَمْتهِ وهَدْيِهِ أشبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فاطمة، وكانت إذا دخلت على رسول الله قام إليها" - أي أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يقوم من مكان ويتحرك نحوها بكل شوق، هذا معنى "قام إليها"، وليس معناه أنه إذا دخلت الزهراء عليها السلام قام إمامها النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلا، قام وذهب إليها، وفي بعض الروايات المروي عن عائشة أيضاً جاء هكذا "وكان يقبلها ويجلسها مجلسه".


هذه هي منزلة الزهراء عليها السلام، فماذا يقول الإنسان حول ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ وماذا يقول حول هذا الموجود العظيم؟
إن عظمة الزهراء عليها السلام - أيها الأعزاء - مشهودة من سيرتها..
وهنا توجد مسألتان:
المسألة الأولى: ما مدى معرفتنا بالزهراء عليها السلام؟
حسناً، إن محبّي أهل البيت عليها السلام قد سعوا طوال تاريخ الإسلام إلى احترام آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتعلق بهم وخصوصاً الزهراء عليها السلام بالقدر المستطاع، وليس لأحد أن يتصور أن هذه العظيمة أصبحت عزيزة على القلوب في عصرنا فقط، نعم في عصرنا ما في ا لقلوب يجري على الألسن؛ لأنّه عهد الإسلام وحكومة القرآن، عهد الحكومة العلوية وحكومة أهل البيت عليها السلام، إنها كانت عزيزة دائماً. فأقدم جامعة إسلامية في العالم الإسلامي والتي يعود تاريخها إلى القرنين الثالث والرابع الهجري هي باسم الزهراء عليها السلام ألا وهي جامعة الأزهر في مصر والمشتق اسمها من الزهراء عليها السلام، فكان الخلفاء الفاطميون الشيعة الذين كانوا يحكمون مصر آنذاك يسمّون جامعاتهم باسم الزهراء عليها السلام. وقد سعى الشيعة على مدى القرون الماضية للتعلّق بهذه العظيمة.


المسألة الأخرى: هي أنّنا يجب علينا اهتداء الطريق بالنجوم:
فالإنسان العاقل يكون هكذا، فعندما يسطع نجم في السماء فهو لا يختص بهذه الكرة الأرضية فقط - يقال أن بعض هذه النجوم التي هي كالنقطة في السماء، هي - في الحقيقة - أكبر من مجرة درب التبّان التي تشاهدونها والتي تتشكّل من ملايين النجوم، فلا نهاية للقدرة الإلهية، لكننا نشاهده نقطة تسطع في السماء - حسناً، فلا بد للإنسان العاقل الذي وهبه الله العين أن يستفيد من هذا النجم في حياته، والقرآن يقول ﴿وبالنجم هم يهتدون﴾.
أعزّائي! إن نجم عالم الخلق الزاهر ليس بالذي نراه ونتصوّره، بل هو أعظم من هذا بكثير، إننا نرى نور شخصية الزهراء عليها السلام، لكنها أعظم من هذا بكثير. إذاً ماذا نستفيد نحن منها؟ بهذا القدر الذي نعرف فيه أنّها الزهراء عليها السلام.
لقد قرأت هنا في إحدى المرات الرواية التي تقول: "أنها تظهر لأهل السماء"، فنحن لا شيء أمام هذا النور، فالكروبيون (الملائكة المقربون) في الملأ الأعلى تنبهر عيونهم من نور الزهراء عليها السلام. فيجب علينا الاهتداء بها إلى الله وإلى طريق العبودية، وإلى الصراط المستقيم. فالزهراء عليها السلام قد سلكت هذا الطريق فأصبحت الزهراء، وإن رأيتم أن الله قد جعل طينتها طينة متعالية؛ لأنه كان يعلم أنها تخرج مرفوعة الرأس في الامتحان في عالم المادة والناسوت (الطبيعة الإنسانية) "امتحنك قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة"، فالباري سبحانه وتعالى قد أَلطَف على تلك الطينة وجعلها متعالية؛ لأنه كان يعلم أنها تخرج مرفوعة الرأس من الامتحان، وإلا فالطينة الطيبة كانت كثيرة، لكن هل تمكّن الجميع من الصبر على الامتحان.
 

هذا جانب من حياة الزهراء عليها السلام التي نحتاج إليها لتطهير أنفسنا، فالحديث ورد من طريق الشيعة "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة عليها السلام: يا فاطمة، إنّني لا أغني عنك من الله شيئاً، أي يجب عليك أن تفكّري بنفسك، فكانت تفكّر في نفسها من صغرها إلى نهاية عمرها القصير. فانظروها إلى حياتها كيف كانت؟ كانت إلى قبل الزواج حينما كانت فتاة - تعامل أباها - نبي الرحمة والنور ومؤسس الحضارة الحديثة، والقائد العظيم للثورة العالمية الخالدة، وحيث كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم آنذاك يرفع راية تلك الثورة - بصورة بحيث أصبحت "أمُّ أبيها" ولم يقل اعتباطاً (أُمُّ أبيها)، فكانت الزهراء عليها السلام - سواء في مكة أو في شعب أبي طالب أو عندما توفيت خديجة وبقي النبي وحيداً مكسور القلب بوقوع حادثتين في فترة قصيرة وفاة خديجة ووفاة أبي طالب، فأحسَّ النبي بالغربة - تزيل بيديها الصغيرتين غبار الحزن والغمّ عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد