مقالات

كيف يتّحد المسلمون؟

 

الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء
يستحيلُ لو بقي المسلمَون على هذا الحال أنْ تقوم لهم قائمة، أو تجتمع لهم كلمة، أو تثبت لهم في المجتمع البشريّ دعامة، ولو ملأوا الصحف والطوامير، وشحنوا أرجاء الأرض وآفاق السماء بألفاظ الاتّحاد والوحدة، كلُّ ذلك لا يُجدي إذا لم يحرِّروا أخلاقهم وملَكاتهم، ويكبحوا جماح أهوائهم ونفوسهم، بإرساء العقل والرويّة، فيجد كلُّ مسلم أنَّ مصلحة أخيه المسلم هي مصلحة نفسه، فيسعى لها كما يسعى لمصالح ذاته.
وإذا كان التخلُّق بهذا الخُلق الشريف عسيراً لا يُنال، فلا أقلّ من التناصف والتعادل، والمشاطرة والتوازن، فلا يجحد المسلم لأخيه حقَّاً، ولا يبخسه كيلاً، ولا يطفِّف له وزناً... والأصلُ والملاك في كلُّ ذلك: اقتلاعُ رذيلة الحرص، والجشع، والغلَبة، والاستئثار، والحسد، والتنافس. 
فإنَّ هذه الرذائل سلسلة شقاء، وحلقات بلاء، يتّصل بعضها ببعض، ويجرّ بعضها إلى بعض، حتى تنتهي إلى هلاك الأمَّة التي تتغلغل فيها، ثم تهوي بها إلى أحطّ مهاوي الشقاء والتعاسة.

وليس معنى الوحدة في الأمَّة أنْ يهضم أحد الفريقين حقوق الآخر فيصمت، ويتغلَّب عليه فيسكت. ولا من العدل أنْ يُقال للمهضوم إذا طالب بحقّ، أو دعا إلى عدلٍ: انَّك مُفرِّق أو مشاغب، بل ينظر الآخرون إلى طلبه، فإنْ كان حقاً نصروه، وإنْ كان حيفاً أرشدوه وأقنعوه، وإلّا جادلوه بالتي هي أحسن، مجادلةَ الحميم لحميمه، والشقيق لشقيقه، لا بالشتائمِ والسباب، والمنابزة بالأَلقاب، فتحتدم نار البغضاء بينهما حتّى يكونا لها معاً حطباً، ويصبحا معاً للأجنبيّ لقمةً سائغة، وغنيمةً باردة.
وقد عرف اليوم حتى الأَبكم والأصمّ من المسلمين أنَّ لكلِّ قطرٍ من الأقطار الإسلامية حوتاً من حيتان الغرب، وأفعى من أفاعي الاستعمار، فاغراً فاه لالتهام ذلك القطر وما فيه... أفلا يكفي هذا جامعاً للمسلمين، ومؤجِّجاً لنار الغيرة والحماس في عزائمهم، أفلا تكون شدّة تلك الآلام وآلام تلك الشدة، باعثة لهم على الاتحاد وإماتة ما بينهم من الأضغان والأحقاد، وقد قيل «عند الشّدائدِ تذهبُ الأحقاد»؟

وأوَّل شرط إعادة صميم الإخاء والوحدة بين عموم فرق المسلمين: سدّ باب المجادلات المذهبية وإغلاقها تماماً، فإنْ أراد أحدٌ التنويه عن مذهبه، فعلى شرط أنْ لا يمسّ مذهب غيره بسوءٍ ولا غميزة.
الوحدةُ الحقَّة، هي أن يرى كلُّ فردٍ من الأمَّة أنَّ المصلحة النوعية هي عين المصلحة الفردية، بل هي فوقها، وهذه الصفة خفيفةٌ في اللسان، ثقيلةٌ في الميزان.
ينسى الكلُّ أو يتناسى عدوّهم الصميم الذي هو لهم بالمرصاد، والذي يريد سحق الكلِّ، ومحو الجميع، ويبثّ بذور الشقاق بينهم ليضرب بعضهم ببعض، وقد أملت عليهم الحوادثُ بعد الحرب العامَّة دروساً بليغة، وعِبراً محسوسةً لو كانوا يعتبرون.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة