علمٌ وفكر

عظة بالغة لطالب الحكمة والفلسفة

 

الشهيد مرتضى مطهري
إن الفخر الرازي بطل التشكيك إذ أورد بذهنه الوقّاد تشكيكات قد تحدى بها الفلاسفة وأجهدهم في الإجابة عليها وليس ذلك مقدوراً لكل أحد، فقدم بذلك خدمة للفلسفة والعلم إذ حمل فؤوساً وقام بضرب الجذور بكل شجاعة وقسوة.
والنتيجة أنه قدم للآخرين ولم يقدّم لنفسه شيئاً لأنه كان دائم الشك؛ فمعروف عنه أنه كان يتأسف آخر عمره ولم يبلغ الاطمئنان واليقين في المسائل الإيمانية. 
وكان يقول: قد اتضح لي الآن بطلان المسألة التي كنت اعتقدها على مدى خمسين سنة فأنّى أعرف أن سائر معتقداتي لم تكن هكذا؟!
لماذا كان الفخر الرازي في هذه الحالة؟

لو قسنا المحقق السبزواري بالفخر الرازي لا نجد عند المحقق التوقد الذهني الذي يمتلكه الفخر أبداً ولكنه قطع مراحل من الإيمان والمعنوية والصفاء واليقين لم يقطع الفخر الرازي من الألف واحداً منها. 
من هنا يعتقد أمثال المرحوم صدر المتألهين أن الإنسان إذا اكتفى بالاستدلال في المعارف الإلهية لن يحقق شيئاً كما أنه لو اقتصر على صفاء الروح والتزكية فذلك أيضاً لن يخلو من مخاطر إلا إذا كان تحت تربية أولياء الله فذاك شيء آخر.
فإذا كنت الفخر الرازي في العلم ولكن دون زهد وصفاء ومعنوية سيكون العلم داءً يفتك بالروح بدل أن يكون شفاء لها. 
إن الإسلام يحث على الإخلاص بقدر ما يحث على التعقل وطلب العلم.

حديث نبوي رواه الشيعة والسنة عن رسول الله (ص): ﴿من أخلص لله أربعين صباحاً جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه﴾
إن مدرسة صدر المتألهين مدرسة العقل والقلب معاً. 
كان يقول السيد الطباطبائي: لما بدأت قراءة الأسفار الأربعة كنت أجتهد في الدرس وأثابر وأقوم بتحليل المسائل بدقة حتى أخذني الغرور شيئاً فشيئاً فقلت: لو أتى المرحوم صدر المتألهين بنفسه لما استطاع أن يحلل المسائل أفضل مني. يقول: فبقيت هكذا حتى حضرت عند السيد القاضي أستاذ السير والسلوك.

فما إن بدأ السيد بالحديث عن مسائل الوجود حتى عرفت أني لم أكن أفهم كلمة واحدة من الأسفار.
أجل، من أراد أن يفهم الحكمة المتعالية حقيقة فلا بد أن يمهّد الأرضية القلبية والروحية والاستعداد المعنوي لها وإلا ﴿ظلماتٌ بعضُها فوقَ بعضٍ﴾.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة