قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد ابو القاسم الخوئي
عن الكاتب :
مرجع شيعي كبير، ورئيس الحوزة العلمية في النجف

تمحيص الروايات الواردة في جمع القرآن (1)


السيد ابو القاسم الخوئي

الروايات التي ذكرت في الموضوع السابق هي أهم الروايات التي وردت في كيفية جمع القرآن، وهي - مع إنها أخبار آحاد لا تفيدنا علمًا - مخدوشة من جهات شتى:
1. تناقض أحاديث جمع القرآن! إنها متناقضة في أنفسها فلا يمكن الاعتماد على شيء منها، ومن الجدير بنا أن نشير إلى جملة من مناقضاتها، في ضمن أسئلة وأجوبة: من جمع القرآن في المصحف؟ ظاهر الرواية الثانية أن الجمع كان في زمن عثمان، وصريح الروايات الأولى، والثالثة، والرابعة، وظاهر البعض الآخر أنه كان في زمان أبي بكر، وصريح الروايتين السابعة، والثانية عشرة أنه كان في زمان عمر.
من تصدى لجمع القرآن زمن أبي بكر؟ تقول الروايتان الأولى، والثانية والعشرون أن المتصدي لذلك هو زيد بن ثابت، وتقول الرواية الرابعة أنه أبو بكر نفسه، وإنما طلب من زيد أن ينظر فيما جمعه من الكتب، وتقول الرواية الخامسة -ويظهر من غيرها أيضًا- أن المتصدي هو زيد وعمر.
هل فوض لزيد جمع القرآن؟ يظهر من الرواية الأولى أن أبا بكر قد فوض إليه ذلك، بل هو صريحها، فإن قوله لزيد: "إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله - ص - فتتبع القرآن واجمعه " صريح في ذلك، وتقول الرواية الخامسة وغيرها: إن الكتابة إنما كانت بشهادة شاهدين، حتى أن عمر جاء بآية الرجم فلم تقبل منه.

هل بقي من الآيات ما لم يدون إلى زمان عثمان؟ ظاهر كثير من الروايات، بل صريحها أنه لم يبق شئ من ذلك، وصريح الرواية الثانية، بقاء شيء من الآيات لم يدون إلى زمان عثمان... 
هل نقص عثمان شيئًا مما كان مدونا قبله؟ ظاهر كثير من الروايات بل صريحها أيضا أن عثمان لم ينقص مما كان مدونًا قبله، وصريح الرواية الرابعة عشرة أنه محا شيئًا مما دون قبله، وأمر المسلمين بمحو ما محاه.
من أي مصدر جمع عثمان المصحف؟ صريح الروايتين الثانية والرابعة: أن الذي اعتمد عليه في جمعه هي الصحف التي جمعها أبو بكر، وصريح الروايات الثامنة، والرابعة عشرة، والخامسة عشرة، أن عثمان جمعه بشهادة شاهدين، وبأخبار من سمع الآية من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
من الذي طلب من أبي بكر جمع القرآن؟ تقول الرواية الأولى أن الذي طلب ذلك منه هو عمر، وأن أبا بكر إنما أجابه بعد الامتناع، فأرسل إلى زيد وطلب منه ذلك، فأجابه بعد الامتناع، وتقول الرواية العاشرة أن زيدًا وعمر طلبا ذلك من أبي بكر، فأجابهما بعد مشاورة المسلمين.
من جمع المصحف الإمام وأرسل منه نسخًا إلى البلاد؟ صريح الرواية الثانية أنه كان عثمان، وصريح الرواية الثانية عشرة أنه كان عمر.
متى ألحقت الآيتان بآخر سورة براءة؟ صريح الروايات الأولى، والحادية عشرة، والثانية والعشرين أن إلحاقهما كان في زمان أبي بكر، وصريح الرواية الثامنة، وظاهر غيرها أنه كان في عهد عمر.
من أتى بهاتين الآيتين؟ صريح الروايتين الأولى، والثانية والعشرين أنه كان أبا خزيمة، وصريح الروايتين الثامنة، والحادية عشرة أنه كان خزيمة بن ثابت، وهما رجلان ليس بينهما نسبة أصلًا، على ما ذكره ابن عبد البر.
بماذا ثبت أنهما من القرآن؟ بشهادة الواحد، على ما هو ظاهر الرواية الأولى، وصريح الروايتين التاسعة، والثانية والعشرين، وبشهادة عثمان معه، على ما هو صريح الرواية الثامنة، وبشهادة عمر معه، على ما هو صريح الرواية الحادية عشر.
من عينه عثمان لكتابة القرآن وإملائه؟ صريح الرواية الثانية أن عثمان عين للكتابة زيدًا، وابن الزبير، وسعيد، وعبد الرحمن، وصريح الرواية الخامسة عشرة أنه عين زيدًا للكتابة وسعيدًا للإملاء، وصريح الرواية السادسة عشرة أنه عين ثقيفًا للكتابة، وهذيلًا للإملاء وصريح الرواية الثامنة عشرة أن الكاتب لم يكن من ثقيف وأن المملي لم يكن من هذيل، وصريح الرواية التاسعة عشرة أن المملي كان أبي بن كعب، وأن سعيدًا كان يعرب ما كتبه زيد، وهذا أيضًا صريح الرواية العشرين بزيادة عبد الرحمن بن الحرث للإعراب.

2. تعارض روايات الجمع: إن هذه الروايات معارضة بما دل على أن القرآن كان قد جمع، وكتب على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد روى جماعة، منهم ابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل، والترمذي، والنسائي، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، والضياء المقدسي عن ابن عباس.
قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة، وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر: "بسم الله الرحمن الرحيم "؟ ووضعتموهما في السبع الطوال، ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان مما يأتي عليه الزمان ينزل عليه السورة ذات العدد، وكان إذا نزل عليه الشئ يدعو بعض من يكتب عنده فيقول: ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وتنزل عليه الآيات فيقول: ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الانفال من أول ما أنزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن نزولًا، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فظننت أنها منها، وقبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطر: "بسم الله الرحمن الرحيم" ووضعتهما في السبع الطوال(1).
وروى الطبراني، وابن عساكر عن الشعبي، قال: "جمع القرآن على عهد رسول الله (ص) ستة من الأنصار: أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وسعد بن عبيد، وأبو زيد وكان مجمع بن جارية قد أخذه إلا سورتين أو ثلاث" (2).
وروى قتادة، قال: "سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد النبي؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد" (3).
وروى مسروق: ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود، فقال: "لا أزال أحبه، سمعت النبي - ص - يقول: خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأبي بن كعب" (4).
وأخرج النسائي بسند صحيح عن عبد الله بن عمر، قال: "جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة، فبلغ النبي - ص - فقال: اقرأة في شهر..." (5).
وستجيء رواية ابن سعد في جمع أم ورقة القرآن.

ولعل قائلًا يقول وإن المراد من الجمع في هذه الروايات هو الجمع في الصدور لا التدوين، وهذا القول دعوى لا شاهد عليها، أضف إلى ذلك أنك ستعرف أن حفاظ القرآن على عهد رسول الله - ص - كانوا أكثر من أن تحصى أسماؤهم، فكيف يمكن حصرهم في أربعة أو ستة؟!! وإن المتصفح لأحوال الصحابة، وأحوال النبي - ص - يحصل له العلم اليقين بأن القرآن كان مجموعًا على عهد رسول الله - ص - وأن عدد الجامعين له لا يستهان به.
وأما ما رواه البخاري بإسناده عن أنس، قال: مات النبي - ص - ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، فهو مردود مطروح، لأنه معارض للروايات المتقدمة، حتى لما رواه البخاري بنفسه.
ويضاف إلى ذلك أنه غير قابل للتصديق به.
وكيف يمكن أن يحيط الراوي بجميع أفراد المسلمين حين وفاة النبي - ص - على كثرتهم، وتفرقهم في البلاد، ويستعلم أحوالهم ليمكنه أن يحصر الجامعين للقرآن في أربعة، وهذه الدعوى تخرص بالغيب، وقول بغير علم.
وصفوة القول: أنه مع هذه الروايات كيف يمكن أن يصدق أن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بعد خلافته؟ وإذا سلمنا ذلك فلماذا أمر زيدًا وعمر بجمعه من اللخاف، والعسب، وصدور الرجال، ولم يأخذه من عبد الله ومعاذ وأبي، وقد كانوا عند الجمع أحياء، وقد أمروا بأخذ القرآن منهم، ومن سالم؟ نعم إن سالـمًا قد قتل في حرب اليمامة، فلم يمكن الأخذ منه.
على أن زيدًا نفسه كان أحد الجامعين للقرآن على ما يظهر من هذه الرواية، فلا حاجة إلى التفحص والسؤال من غيره، بعد أن كان شابًا عاقلًا غير متهم كما يقول أبو بكر، أضف إلى جميع ذلك أن أخبار الثقلين المتظافرة تدلنا على أن القرآن كان مجموعًا على عهد رسول الله - ص - على ما سنشير إليه.
ـــــــــــــــــــــ
 1- منتخب كنز العمال ج 2 ص 48.
2- نفس المصدر ج 2 ص 52.
3- صحيح البخاري باب القراء من أصحاب النبي - ص - ج 6 ص 202.
4- المصدر السابق.
5- الاتقان النوع 20 ج 1 ص 124.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة