مقالات

ما لله آية أكبر منّي


ليلى علي حسين

تتمثّل قيمة كلّ إنسان بمدى قربه وبعده عن الله تعالى، فكلّما كان الإنسان أكثر قربًا من مصدر الكمال المطلق والوجود الشديد وهو الواجب جلّ وعلا كلّما كان أكثر كمالًا وكانت مرتبته الوجوديّة أشدّ وأوسع .
وعليه فالموجودُ الذي سما وعلا وارتفع ليكون من الله عزّ وجلّ بمقام قاب قوسين أو أدنى سيكون هو أفضل الخلائق، والوجود الأكثر شدّة من باقي الموجودات قاطبة، والتّالي لمرتبة الواجب جلّ وعلا، وهو بالطبع النّبي الخاتم محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، ( ثمّ دنى فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى).

وأمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السّلام الذي منحه القرآن الكريم منزلة النّفس لرسول الله صلّى الله عليه وآله سيكون بموجب نصّ القرآن ( وأنفسنا وأنفسكم) أفضل الخلق بعد النّبي محمّد صلّى الله عليه وآله  وصاحب مرتبة وجوديّة شديدة وواسعة، فهو الوحيد من بين سائر الخلق من حاز رتبة النّفسيّة لرسول الله صلّى الله عليه وآله، وهذا طبيعيّ فالمرتبة كلّما تكاملت أصبحت فردًا لا كفؤ لها، فالله واحدَا لا شبيه له ولا مثيل لأنّه نبع الكمال المطلق، والتّالي له الأشدّ قربًا منه وهو النّبي الخاتم محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم لا شبيه له ولا مثيل ولا كفؤ إلّا شخص واحد فقط هو أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام .

ومن أبرز مميّزات المرتبة الوجوديّة الواسعة هو احتواؤها لكل صفات الكمال بلا استثناء، فالله عزّ وجلّ وهو واجب الوجود بالذات لا يمكن لنا أن نسلب عنه كمالًا البتّة، فكلّ كمال مُتصوّر هو ثابت لذاته بالضّرورة، وكذلك الإنسان الكامل فهو مرآة تُظهر وتُجلّي أسماء الله الحسنى وصفاته العُليا، فهذه المرتبة الوجوديّة الواسعة سوف تتّسع لتحوي كلّ كمال وجوديّ، وستظهر لنا بقوّة في أيّ عمليّة استحضار لصفات الكمال نقوم بها لتكون هي مصداقها الأجلى بل الأتمّ .
وهكذا كان أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام، إنسانًا له حضور في كلّ مجالات الكمال بلا استثناء، بل إنّ حضوره ليس حضورًا عاديًّا كغيره، لأنّه يحضر ليهيمن ويتسلّط فيكاد لا يجعل لغيره ذكرًا معه، وقد وصف نفسه في خطبته الشّقشقيّة الشّهيرة ( ينحدر عنّي السّيل .. ولا يرقى إليّ الطّير) فهو عليه السّلام في قمّة الكمال الشاهقة، ولذا فالكلّ دونه ويليه، مضافًا إلى ذلك مهما حاول إنّسان -بالغ ما بلغ- فإنّه لن يتمكن من الوصول إلى قمّته وعليائه، فهو هناك في ذُرى العلياء لا يُدانيه أحد، وذلك ببساطة لأنّه وحده من استحقّ أن يكون نفس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم !

ولذا نجد أنّنا كلّما بحثنا عن تجلّيات أسماء الله وصفاته في هذا الوجود فإنّنا نعثر عليها بوضوح في عليّ عليه السّلام، فأنت عندما تبحث عن جمال الله وكذا عندما تبحث عن جلاله فسترى وجود عليّ عليه السّلام مُظهرًا لهما، فرحمة الله وعدله وحبّه لعباده ورأفته وكرمه وإحسانه وفضله وعظمته وقوّته وعلمه وإرادته وعطائه وعزّته وطهره وكذا سخطه وجبروته وانتقامه من الظالمين المستكبرين، وغير ذلك من صفات كمال لا تعدّ ولا تُستقصى فإنّنا سنجدها في ذات عليّ عليه السّلام، فهو المظهر الأتمّ لأسماء الله تعالى وصفاته.

ومن أجل ذلك نقرأ أنّه صلوات الله عليه وصف نفسه بأنّه أكبر آية لله عزّ وجلّ فقال : ( ما لله آية أكبر منّي)، فإذا كانت الآية بمعنى العلامة التي تدلّ على صاحبها بما تعكس من صفاته، فستكون كلّ مخلوقات الله آيات دالّة عليه بما تظهر من أسمائه وصفاته، وبطبيعة الحال ستتفاوت هذه الآيات في حجمها -ليس الماديّ ولكن الحجم المترتبّ على السّعة الوجوديّة-، فكلّما كانت الآية لديها القابليّة لإظهار أكبر عدد من أسماء الله وصفاته كانت أكبر من غيرها من الآيات.
والآن أظنّكم عرفتم معي ما يرمي إليه أمير المؤمنين عليه السّلام من قوله : ( مالله آية أكبر منّي ) !

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة