من التاريخ

الجزيرة العربيـّة قبل الإسلام


الموقع الجغرافيّ والأوضاع الاجتماعيّة والسياسيّ
تقع شبه جزيرة العرب، والتي تُسمّى أيضاً "جزيرة العرب"، في الجنوب الغربيّ من قارّة آسيا، وهي أكبر شبه جزيرة في العالم.
ويحدُّها من الجنوب خليج عدن والمحيط الهنديّ وبحر عُمان، ومن الغرب البحر الأحمر، ومن الشرق خليج عُمان والخليج الفارسيّ والعراق، وتُتاخمها من الشمال صحراء واسعة تنتهي بسهل الفرات.
مناخها قاسٍ، وهواؤها جافّ، وليس في طول البلاد وعرضها مياه - عدا الأقسام الجنوبية - ولا أنهار صالحة للملاحة فيها، والسبب في جفافها هو كونها محاطة بجدار جبليّ شاهق من ثلاث جهات[1].
وهذا الجدار هو الذي يصدّ رطوبة البحار ويمنعها من الوصول إلى هذه المنطقة.


أقسام الجزيرة الرئيسة:
1- الوسطيّ الذي يُسمّى بالصحراء العربيّة.
2- الشماليّ وهو ما يُعرف باسم الحجاز.
3- الجنوبيّ الذي يُعرف باسم اليمن[2].
 ويتميّز القسم الجنوبيّ (اليمن) بكثرة هطول الأمطار فيه، وكونه منطقة زراعية مزدهرة وتقطنها أعداد غفيرة من السكان. ولهذا لا تكاد تُقارَن بشمال ووسط جزيرة العرب، وهذا ما استدعى نشوء القرى والمدن واجتماع الناس في هذا القسم، ممّا أدّى إلى وجود أنظمة وقوانين (وإن كانت بدائية)، وما يُلازِم ذلك من تأسيس الحكومات التي ظهرت في هذه المنطقة قبل ولادة المسيح عليه السلام بمئات السنين، نذكر منها:
1- الدولة المعينية: (1400 ـ 850 قبل الميلاد).
2- الدولة السبئية: (850 ـ 115 قبل الميلاد).
3- دولة قتبان: (865 ـ 540 قبل الميلاد).
4- دولة حضرموت: (1020 قبل الميلاد ـ 65 بعد الميلاد).
5- دولة سبأ وريدان وحضرموت وأطراف اليمن، وكان يُسمّى ملوكها "تُبَّع"، واستمرّ حكمها من عام 115 قبل الميلاد إلى عام 523 بعد الميلاد[3].
وأثنى المؤرّخون كثيراً على الحضارة الزاهرة التي نشأت في اليمن، ووصفوا قصور سبأ بأنّها قصور نضرة ذات أبواب مُرصَّعة بالجواهر، ومساكنها عامرة، وفيها أوانٍ من الفضّة والذهب، وفيها سدّ مأرب الذي انهار قبل أربعمائة سنة من ظهور الإسلام[4] نتيجة إهمال من أمّة آخذة في الانحطاط.
أدّى هذا الخراب والانحلال إلى مهاجرة عدد كبير من أهل اليمن، وحدوث تحوّلات كبيرة في شبه جزيرة العرب، حيث توجّه رهط تنّوخ من قبيلة الأزد اليمانية إلى الحيرة (العراق)، وتوجّه آل جفنة إلى الشام، وسارت قبيلتا الأوس والخزرج إلى يثرب (المدينة المنوّرة)، بينما توجّهت خزاعة إلى مكّة وما جاورها[5].


الجاهليّة والقبيلة
عُرف عصر ما قبل الإسلام في الجزيرة العربيّة بـ "العصر الجاهليّ". ورغم أنّ كلمة الجاهليّة مشتقّة من الجهل، إلّا أنّ الجهل هنا لا يقع في النقطة المقابلة للعلم، وإنّما يقع في النقطة المقابلة للعقل والمنطق، فهي تعني السفه والغضب والأنفة، وهي الحال التي كانت عليها العرب قبل الإسلام لِما كانوا عليه من مزيد جهل في كثير من الأعمال والأحكام[6]. فإطلاق كلمة جاهل على ذلك المجتمع يُعزى إلى رؤيتهم المغلوطة والبعيدة عن العقل والمنطق.
ويذهب بعض المؤرّخين إلى القول بأنّ تسمية الجاهليّة الأولى الواردة في القرآن الكريم يُراد منها الزمن الذي ولِد فيه النبيّ إبراهيم عليه السلام، وقيل: إنّها الفترة ما بين آدم ونوح عليهما السلام، وهي ثمانمائة سنة، في حين ذهب بعض المعاصرين إلى القول بـأنّها الفترة ما بين عيسى عليه السلام ومحمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الذي تنصرف إليه الآيات الكريمة التي ورد فيها ذكر أحكام الجاهليّة، وظنُّ الجاهليّة، وحميّة الجاهليّة، وتبرّج الجاهليّة الأولى[7].
وكانت القبيلة هي الوحدة السياسيّة عند العرب في عصر ما قبل الإسلام، فأفراد القبيلة ينتمون أو يعتقدون أنّهم ينتمون إلى أصل واحد مشترك، تجمعهم وحدة الجماعة وتربطهم رابطة الدم والعصبيّة للأهل والعشيرة.


العصبيّة
المصداق الأبرز للعصبيّة عند العرب يتمثّل في عصبيّة الدم وهي أساس القرابة ومصدر الترابط، والانتماء إلى أبٍ بعيد أو جدٍّ مشترك، من نسله تكوّنت القبيلة أو القبائل المنتمية إليه. وعلى هذا الأساس كان شعور العرب بالقوميّة الشاملة ضعيفاً، ذلك لأنّ وعيها السياسيّ كان ضعيفاً محدوداً لا يتجاوز القبيلة.
وهكذا كان المجتمع العربيّ قبل الإسلام مجتمعاً مفكّكاً سياسيّاً ينقسم إلى وحدات متعدّدة قائمة بذاتها، تُمثِّلها القبائل المختلفة.


نُظُم الحكم
كان لكلّ قبيلة مجلس من شيوخها، يرأسه رجل يَتمُّ اختياره من بين أفراد القبيلة، ويُطلقون عليه ألقاباً منها: الرئيس والشيخ والأمير والسيّد، ويُشترط أن تتوفّر فيه بعض الصفات، منها: الشجاعة والحكمة والصبر والكرم وسعة النفوذ.
 ويتولّى سيّد القبيلة واجبات، أهمّها: قيادة الجيش، وأمر المفاوضات مع القبائل الأخرى، وفضّ النزاعات، والحُكم في الخلافات، وإعانة الضعفاء، والمحافظة على وحدة القبيلة. وكان مجلس القيادة يعقد اجتماعاته في دار الندوة، أو المنتدى، حيث تُناقش الأمور والمسائل التي تخصّ القبيلة كإعلان الحرب، أو إقرار السلم.
ولم يكن يخضع عرب الحجاز قبل ظهور الإسلام لسلطة حكومة، ولم يكن لهم نُظُم ولا تشكيل سياسيّ، ولهذا السبب كانت حياتهم تختلف اختلافاً كليّاً عمّا كانت عليه حياة المجتمعات في بلاد فارس وبلاد الروم، حيث الحكومة المركزية التي تتولّى شؤون الناس في كلّ أرجاء البلاد، ولهذا كان العرب يشعرون بالضعف مقابل الفرس والروم.

 ــــــــــ
* سيرة الرسول الاكرم (ص) اعداد مركز نون للترجمة والتاليف.
[1] تمتدّ هذه الجبال من شبه جزيرة سيناء في موازاة البحر الأحمر على شكل سلسلة كأنّها جدار عازل، ثمّ تلتفّ عند الزاوية الجنوبية الغربية، وتدور في موازاة الساحل الجنوبي والشرقي لجزيرة العرب.
[2] قال المقدسيّ، وهو من العلماء المسلمين في القرن الرابع، إنّها تُقسم إلى أربعة أقسام كبرى، وهي: الحجاز، واليمن، وعُمان، وهجر (أحسن التقاسيم، ص102)، وقسّمها غيره إلى خمسة أقاليم.
[3] شرف الدين، أحمد حسين، اليمن عبر التاريخ، مطبعة السنّة المحمّديّة، القاهرة، ط2، 1384هـ، ص 53.
[4] الآلوسي البغدادي، محمود شكري، بلوغ الإرب في معرفة أحوال العرب، دار الكتب الحديثة، القاهرة، ط2، ص204.
أشار القرآن الكريم إلى قوم سبأ في سورتين، إحداهما بمناسبة ذكر ملكة سبأ وكتاب النبيّ سليمان إليها في سورة النمل، الآيتان: 22 و 23، وثانيهما بمناسبة ذكر الآثار الناتجة عن انهيار السدّ في سورة سبأ، الآيات: 15-19.
[5] حسن، إبراهيم حسن، تاريخ الإسلام السياسيّ، ج 1، ص44.
[6] ابن منظور: لسان العرب، 1303هـ، ج13، ص136.
[7] راجع سورة المائدة، الآية: 50، وسورة آل عمران، الآية: 154، وسورة الفتح، الآية: 26، وسورة الأحزاب، الآية: 33.

مواقيت الصلاة