قرآنيات

مفاتيح أسرار القرآن الكريم (3)

 

السيد منير الخباز
العنصر الثالث: صاحب هذه النظرية نظرية علم التأويل أستدل بروايتين:
عن الباقر قال يوماً لأصاحبه الإمام الباقر يخاطب أصحابه: إذا حدثتكم بشيء فسألوني من كتاب الله يعني اسالوني ما هو دليلك من كتاب الله على ما تقول؟! ثم قال الإمام الباقر أن النبي   نهي عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السؤال فقيل له يا بنى رسول الله أين هذا من كتب الله؟! أنت الآن أتيت لنا بحديث أين هذا الحديث من كتاب الله؟! فقال  : قوله: ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ﴾ هذا معناه نهى عن القيل والقال، قوله تعز وجل: ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ هذه معناه النهي عن فساد المال، قوله: ﴿لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ هذا معناه نهي عن كثرة السؤال فكل ما قلته موجود في الكتاب.
من يأتي صاحب نظرية التأويل يقول هذه الرواية واضحة أن الأئمة لا يتحدثون إلا بشيء في الكتاب إذن هذا معناه أن أحاديث الأئمة لم تأت بشيء جديد الأئمة لم يأتوا بشيء جديد كل ما عندهم هو من الكتاب إنما يحتاج اقتناصه من الكتاب إلى عملية تأويل وتدبر وإلا فليس لذا الأئمة ولا لذا النبي شيء جديد كل ما عندهم هو موجود في الكتاب ولذلك السنة تفصل الكتاب ليس بمعنى السنة تأتي بشيء جديد لا السنة مأخوذة من الكتاب هذه الرواية الأولى.
ورد عن النبي  : ”إذا جائكم الحديث عني فما وافق كتاب الله فهو عني «إذا رأيتم حديث موافق للقرآن فهو عني» قلته أم لم أقله“ أي حديث ترونه يوافق القرآن خلاص قولوا قاله النبي حتى لو لم أقله، قلته أو لم أقله ما دام يوافق القرآن إذن مني قلته أم لم أقله، هناك حديث أخر: ”حدثوا عني ولا حرج“ المهم يوافق كتاب الله.


إذن يستفاد من هذه الروايات أنه ليس لذا النبي شيء جديد وليس لذا الأئمة شيء جديد ما عندهم هو في الكتاب إذن إذا رجعنا إلى الكتاب، ما هي النتيجة؟! النتيجة أننا إذا رجعنا إلى الكتاب استغنينا عن أحاديث النبي وأحاديث أهل البيت كل هذا لا نحتاج إليه نتيجة هذا الاستدلال صاحب النظرية يريد أن يصل إلى هذه النتيجة: نتيجة هذا الاستدلال تأويل الكتاب ميسور لكل المسلمين ولا يخص فئة معينة لا المجتهدين ولا حتى الأئمة ولا حتى النبي تأويل الكتاب عملية ميسورة لكل المسلمين بل لا نحتاج إلى أحاديث النبي ولا إلى أحاديث الأئمة لأنه أحاديثهم مأخوذة من الكتاب إذا استطعنا عبر عملية التأويل أن نستفيد كل هذه الأحكام وكل هذه المفاهيم الإسلامية لم تعد هناك حاجة إلى أحاديث النبي والأئمة «حسبنا كتاب الله».
بعد ذلك يذكر صاحب النظرية أمثلة على ما يقول هنا أضرب لك أمثلة: مثال من النبي نفسه النبي نفسه أول القرآن سأل النبي  : ما معنى قوله تعالى: ﴿لا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ ما معنى العدل؟! قال يعني الفدية يعني يوم القيامة لا يطالبون أحد بفدية خلاص عقوبة الفدية لا تفيد﴿لا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ قال العدل يعني الفدية هذا السائل يقول كيف عرف النبي أن العدل هو الفدية؟! لأنه النبي قام بعملية تأويل لأنه قام يراجع القرآن يربط بعضه مع بعض ورأى آية تشابه هذه الآية وهو قوله تعالى: ﴿لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ﴾ فسر العدل بمعنى أخذ الفدية فالنبي جالس يمارس عملية تأويل.
الشيء الثاني أضرب لك مثال حي: عندما تسمع قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ ﴿السِّرَّ﴾عرفناه ﴿وَأَخْفَى﴾ كيف؟! ما معنى﴿وَأَخْفَى﴾؟!: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾؟! يقول لك نحن لا نحتاج أن نرجع إلى رواية ولا نحتاج نرجع إلى فقهاء ولا إلى مفسرين ولا إلى الأحاديث نحن بأنفسنا نستطيع أن نفهم الآية: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾كيف؟!

نقارنها بآيات أخرى مثلاً قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ مثلاً قوله تعالى: ﴿يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ مثلاً قوله تعالى: ﴿يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾ من نجمع هذه الآيات نفهم الآية معنى السر ما هو؟ ما تخفي الصدور، الأخفي هو ﴿خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ﴾لماذا؟! لأنه العين إذا نظرت بخدعة أو نظرت مثلاً أنت ترى شخص ينظر أنت تفكره ينظر مستقيم لا هو ينظر على جنب ولكن لا تحس له، نظرة العين عندما تكون نظرة خادعة تسترق البصر هذه تسمى «خيانة الأعين» هذه النظرة الخادعة التي تسترق البصر هي الأخفى، إذن: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ السر ﴿مَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾الأخفي هي ماذا؟! ﴿خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ﴾لأنه هذه النظرة الخفية من العين أخفى مما هو في الصدر، إذن عملية تأويل القرآن عملية بسيطة ميسروه نستطيع أن نقارن بين الآيات ونوصل إلى نظرية التأويل ولا نحتاج إلى هذه الجهد كله ونستطيع أن نستنبط الأحكام الشرعيه والمفاهيم الإسلامية من خلال هذه العمليات التأويلية بلا حاجة إلى معين أخر. ما هو تعليقنا على هذه النقطة؟!

 

عندنا عدة تعليقات:
التعليقة الأولى: ذكرنا لكم أن صريح الآية المباركة ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾أن التأويل يخص فئة معينة هذه معناه أن التأويل غير التفسير وهذا معناه أن التأويل غير الأخذ بالظاهر إذا لو كان كذلك لما اختص بفئة معينة، دخل قتادة على الإمام الباقر   قال يا قتادة بلغني أنك تفسر كتاب الله قال: بلى قال: إن كنت تفسره من عندك فقد هلكت وأهلكت وأن كنت تفسره من الرجال فقد هلكت وأهلكت إنما يعرف القرآن من خوطب به» من خطوب به هو: النبي بعد النبي من هو يعرفه؟! وما هو إلا عند الخاصة من ذرية نبينا محمد   هذه التعليقة الأولى.
التعليقة الثانية: نلاحظ هذا المفكر وهذا الكتاب استند أصلاً إلى روايات ضعيفة السند الرواية الأولى الواردة عن الباقر  : ”إذا حدثتكم بشيء فسألوني من كتاب الله“ رواها أبو الجارود، وأبو الجارود لم يوثق كيف يعتمد عليها؟! وعلى فرض أن هذه الرواية تامة السند لم تأت الرواية وتقول ليس عند الأئمة شيء وأن كل ما عندهم موجود أين؟! في الكتاب، لماذا؟! تفاصيل أغلبها لا توجد في الكتاب وردت في أين؟! في سنة النبي وسنة أهل البيت.
يعني الآن أضرب لك مثال: سأل الإمام الصادق   قيل له أنهم «أنهم يعني أهل السنة يعترضوا علىيك» يقولون ذكرت إمامتكم في القرآن فلو كانت إمامتكم في القرآن لذكر الله أسماءكم، أسماؤكم غير موجودة في القرآن لم يذكر الله محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين... إلخ الأسماء لم تذكر في القرآن تقولون إمامتكم في القرآن لو كانت إمامتكم في القرآن لذكرت أسماؤكم، أسماؤكم غير موجودة في القرآن أجاب الإمام الصادق  : قال قل له أن الله قال في كتابه ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ ولم يبين صلاة المغرب ثلاث ولا صلاة الفجر ركعتان ولا صلاة الظهر أربع فمن أين عرفنا أعداد الصلوات؟! وهي لم تذكر في القرآن! إنما عرفناها بلسان نبيناً محمد   فكما أن الله ذكر الصلاة ولم يذكر أعدادها في القرآن وإنما عرف بذلك النبي   فكذلك ذكر إمامتنا في القرآن والنبي هو الذي أشار بأسمائنا إذن ليس كل التفاصيل في الكتاب في حديث النبي والأئمة تفاصيل كثيرة في العقائد وفي الفروع لم يتعرض لها الكتاب الكريم هذا أولاً، إذن معنى الرواية: ”إذا حدثتكم بشيء فسألوني من كتاب الله“ بمعنى أننا لا نقول خلاف قول ربنا لا أن جميع التفاصيل موجودة في الكتاب كما ورد عن الصادق  : ”لا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا“.
الرواية الثانية: الواردة عن الرسول: ”إذا جاءكم الحديث فما وافق كتاب الله فهو عني قلته أو لم أقله“ هذا الحديث لم نجد له مصدر، كيف نستند إلى حديث ليس له مصدر معروف؟! عندنا حديث أخر شبيه به هو ”إذا حدثتم فإن كان موافقًا للحق فحدثوا عني حدثتوا به أم لم أحدث“ هذه الرواية الثانية موجودة عند إخواننا أهل السنة ولا توجد عندنا في كتبنا وعلماء أهل السنة يقولون هي من الموضوعات ولا يعتمد عليها إذن هذا المضمون أصلاً مضمون موضوع لا يعتمد عليه، فكيف تؤسس عليه قاعدة وتبني عليه مفاهيم؟!.

التعليقه الثالثة: أن قول النبي  : "عندما سأل ﴿لا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ قال العدل هو الفدية من أين عرفنا أن النبي استند في هذا التفسير إلى التأويل؟! بمعنى أنه جمع بين آيتين واستنتج منهما أن المراد بالعدل الفدية، لماذا لا يكون قد استند إلى الوحي المباشر من قبل الله تبارك وتعالى؟! والله قد قال عنه ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى «3» إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ ليس أنه قام بعملية تأويل، وأما الآية التي أستشهد بها كمثال وهي قوله عز وجل: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾قال ﴿السِّرَّ﴾: هو ما تخفي الصدور ﴿َأَخْفَى﴾هو خائنة الأعين جمع بينها وبين الآية الأخرى ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾هذا غير صحيح لماذا؟!
لأنه لا ربط بين الآيتين ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ﴾ وهو ما يسره الإنسان من أحاديث في قلبه وخاطره وأخفى من السر هو العقل الباطن، والعقل الباطن وهو الميول التي تختزن داخل الإنسان وإن كان غافلًا عنها، مثلاً هذا الإنسان عنده ميول نحو الخطابه لكنه غافل بمجرد أن يحدث حدث شوف لا عنده قدرة على الخطابة هذا إنسان عنده ميول للشعر ولكنه غافل عن ميوله بمجرد أن تحدث مناسبة يشعر أنه له ذوق وإعجاب وقدرة على إنشاء الشعر الميول المختزنة تمسى «بالعقل الباطن» هي أخفى من السر وليس المراد بالأخفى هو: ﴿خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ﴾، ﴿خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ﴾ ليست أخفى من السر بلا أشكال صحيح أحياناً أنت لا تستطيع أن تفسر النظرة شخص ينظر نظرة ولكن لا تعلم هل نظرته سليمة أو نظرة مكر وخداع لا تدري صح أحياناً لا يمكن تفسير النظرة لكنه أحياناً يمكن تفسيرها فخيانة الأعين والنظرة المسترقة يمكن تفسيرها وما دام يمكن تفسيرها فهي ليست أخفى من السر حتى تفسر بها الآية المباركة ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾يعني المراد بالأخفى ﴿خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ﴾.
فالنتيجة: من خلال مناقشتنا لنظرية التأويل تبين لنا أن التأويل علم يختص بأهله والتفسير علم يعتمد على أدواته والذي نستطيع أن نقوم به نحن الذين لا نملك علم التأويل ولا أدوات التفسير هو التدبر بمعنى الاستئناس بظواهر القرآن والاتعاظ والاعتبار بظواهر القرآن وهذا ما مدح به الله تبارك وتعالى عبادة ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ «1» قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلا «2» نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا «3» َوْزِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا﴾ ترتيل: هو أن تقرأ القرآن بحزن بأسى لتستمد العظة والعبرة من آياته الإمام أمير المؤمنين   يصف المتقين يقول: ”أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ، تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً، يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيَسْتَثِيرُونَ القرآن يستثير به الفكر الماحي للجهل. بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ، فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً، وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً، وَظَنُّوا أنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ، وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ، وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا البكاء فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ“.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد