مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
حيدر حب الله
عن الكاتب :
ولد عام 1973م في مدينة صور بجنوب لبنان، درس المقدّمات والسطوح على مجموعة من الأساتذة المعروفين في مدينة صور (المدرسة الدينية). ثم سافر إلى الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانية لإكمال دراساته الحوزويّة العليا، فحضر أبحاث الخارج في الفقه والأصول عند كبار آيات الله والمرجعيات الدينية. عام 2002م، التحق بقسم دراسات الماجستير في علوم القرآن والحديث في كلّية أصول الدين في إيران، وحصل على درجة الماجستير، ثم أخذ ماجستير في علوم الشريعة (الفقه وأصول الفقه الإسلامي) من جامعة المصطفى العالميّة في إيران (الحوزة العلمية في قم). من مؤلفاته: علم الكلام المعاصر، قراءة تاريخية منهجيّة، فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حجية الحديث، إضاءات في الفكر والدين والاجتماع (خمسة أجزاء) ...

الشخصية المحمدية هل قصرنا معها؟ وما هي وظيفتنا تجاهها؟

 

حيدر حب اللّه
يمثل النبي محمد بن عبد اللّه (ع) أعظم شخصية في الإسلام، فهو صاحب الرسالة، وهو المبلغ عن اللّه تعالى، وهو نافذتنا لعالم السماء وسبيلنا إلى الوحي الإلهي، هو الذي كانت سنته حجة، وسيرته ملهمة للأجيال والشعوب، رمز من رموز الإنسانية، وشخصية من كبرى شخصياتها التي غيرت التاريخ وبدلت فيه وحولت.
وقد دخلت شخصية هذا النبي العظيم مجال السجال بين الأديان، واتخذ بعض الذين أنكروا نبوته مواقف سلبية منه في‏بعض الأحيان، فاتهمه بعضهم بالكذب والدجل والافتراء، وخفف بعضهم خطابه ليرى فيه رجلاً توهم ما كان فيه صلاح‏مجتمعه، إلى الفترة الأخيرة التي كثرت فيها السجالات حول الإسلام والنبي، فكان كتاب «الآيات الشيطانية‏» تصويرًا لصورة‏ غير حسنة عن رسول اللّه(ص)، الى آخر ما حدث عام ٢٠٠٦م من كاريكاتورات اعتبرت مهينة للإسلام والمسلمين، وأثارت ضجة عارمة في أنحاء مختلفة من العالم.
 لن أتحدث هنا بلغة سجالية مع الآخر، وإنما أريد أن أمارس نقدًا على الذات حتى لا نكتفي بتوجيه اللوم إلى الآخر الذي نراه يستحق اللوم أيضًا، هل قصرنا نحن مع شخصية الرسول(ص)؟ هل ساهمنا في هذه الصورة المشوهة من حيث ‏نشعر أو لا نشعر؟ ما هو واجبنا تجاه هذا النبي الكبير؟ لسنا نرتاب في أن علماء المسلمين كتبوا حول الرسول(ص) وشخصيته وسيرته وحقوقه كتبًا كثيرة ما تزال ظاهرة باهرة ‏حتى اليوم، لكن السؤال الأول: هل عرض العلماء المسلمون شخصية النبى(ص) بوصفها شخصية حضارية أم عرضوها شخصية إسلامية داخلية؟ أعتقد أن هذا السؤال يمثل مدخلًا بالغ الخطورة، فقد كتب القاضي عياض اليحصبي (٥٤٤ه‏-) مثلُا كتاب «الشفا بتعريف‏ حقوق المصطفى‏»، وفعل ذلك غيره، لكن ألم يصور لنا القاضي عياض النبي رجل المسلمين لهذا حدثنا عن حقوقه علينا و..؟ وهل فكر في أن يعرضه رجلًا للبشر جميعًا، أي هل كانت هذه الفكرة ساكنة في وجدان القاضي عياض- ونأخذه هنا أنموذجًا فقط- أن يصور النبي لشخص لا يؤمن به سلفًا ويقدمه إنسانًا عظيمًا قبل أن يكون التصور العقيدي له ذا دور في ‏الترحيب بسلوكه ومشروعه؟! لعل الكثير منا- نحن المسلمين-  تصور رسول اللّه وصوره بعيدًا عن البعد الحضاري في شخصيته، أي تجاوز الإطار الإسلامي العقيدي في شخصية هذا الرجل، كي يتسنى تعميمه حضاريًّا، لهذا وجدنا تركيزًا على البعد النبوي فيه، مثل‏الحديث عن خصائص النبي، كما فعل في قسم كبير من كتابه، السيوطي (٩١١ه‏-) في «الخصائص الكبرى‏»، أو الفقهاء في ‏بدايات أبحاث كتاب النكاح من علم الفقه الإسلامي.


إن إدخال البعد الحضاري الذي يتخطى عناصر الاعتقاد، لعرض رسو اللّه(ص) في سياق إنساني عام، بات حاجة ملحة اليوم في عالم حوار الحضارات، أو تعارفها، لابد أن يأخذه بعين ‏الاعتبار المسلمون وعلماؤهم.
 وإذا دخلنا من البعد الحضاري إلى البعد العلمي في دراسة شخصية الرسول(ص) وتاريخه وسيرته، لم نجد كثيرًا مساهمات تحقيقية بحثية جادة تنقح سيرة الرسول(ص) وتدرسها لتعرف صحيحها من سقيمها، لقد غلب على كتب السيرة ‏طابع السرد الحولي أو ما يشبهه، وقلما وجدنا وقفات جادة على امتداد النصوص الحاكية عن النبي، تحاكم هذه النصوص‏على أسس النقد التاريخي والحديثي والرجالي من جهة، وتحكم لها أو عليها على أسس ومعايير نقد المتن وعرضها على ‏العقل وحقائق التاريخ، وعلى الكتاب الكريم أيضًا.
نعم، هناك محاولات، لكنها لا تمثل الاتجاه السائد في التعاطي مع السيرة النبوية، فقد تجد بحثًا فقهيًّا يتناول بجدية ‏مسألة ما في سيرة النبي يتصل بشخصيته، وآخر فلسفيًّا أو كلاميًّا يقوم بالأمر عينه، لكنك قلما تجد كتابًا في سيرة النبي ‏وتاريخه يتعاطى النصوص التاريخية بشأنه بمنطق العلم ومعاييره، لا منطق الخطابة أو العاطفة أو الانفعال، وهذا ما يدعو لسيرة علمية لحياة الرسول(ص)، ولتكون هذه السيرة هي الثقافة السائدة في أوساط المسلمين في الصورة التي ينحتونها عن شخصية النبى(ص) في عقولهم ووعيهم.
 وإذا دخلنا إلى المناخ الشيعي، تظهر أمامنا تهمة يتهم بها الشيعة، وهي عدم اهتمامهم بالنبى(ص) وعدم تاليفهم كتبًا في‏سيرته وحياته إلا قليلًا، وأنه شخصية مغيبة في حياتهم نسبة لحضور مفهوم الإمام عندهم، حتى أخذ بعضهم يتحدث عن‏ انحراف عقائدي بسبب ذلك.

لعل هناك بعض الأسباب التاريخية التي اضطرت- في بعض الفترات- الشيعة أن يركزوا على شخصية الأئمة (ع) أكثر من‏تركيزهم على شخصية النبى(ص)، كونهم يريدون إثبات مذهبهم أمام سائر المذاهب الأخرى، الأمر الذي يضطرهم لتناول ‏قضايا الخلاف التي تركز على مفهوم الإمامة ومستتبعاته، كما أن وجود نصوص كثيرة متوفرة عن أئمة أهل البيت(ع)، سيما الباقر والصادق(ع)، جعل حضور نصوص الأئمة في دراساتهم مميزًا وبارزًا، نعم هذا كله لا يبرر الاتهام العقائدي للشيعة‏ بذلك، لكنه يطالب الشيعة اليوم أن يهبوا للمساهمة في هذا المجال، لدرء الشبهة عنهم من جهة، وتفويت الفرصة على‏المغرضين من جهة ثانية، وتلافي بعض النواقص من جهة ثالثة، ولهذا يفترض تفعيل درس شخصية الرسول وتاريخه ‏ونصوصه في المجتمع الشيعي بأطيافه وطبقاته، وإعادة استحضار المفاهيم اللصيقة بذلك، كي يكون الرسول- كما هو دومًا- حاضرًا في الوعي واللاوعي معًا، على مستوى الفرد والجماعة والأمة، في البحث العلمي وفي الحياة اليومية.
من الضروري حصول نهضة شيعية على مستوى دراسة حياة النبي (ص) وكل ما يتصل به، ومن الضروري أيضًا جمع كل‏ التراث الشيعي حول شخصية النبى(ص) وإعادة تحقيقه وإخراجه من بطون المخطوطات، حتى أنه يمكن جمع الأبحاث‏ الموزعة في الكتب المختلفة عند علماء الشيعة، كي تعبر عن مساهماتهم التاريخية في دراسة شخصية الرسول(ص)، وبهذا يتضاعف الوعي العام بالرسول، وتتطور الدراسات حوله، كما حصل على الصعيد القرآني، حيث كانت النهضة الشيعية‏ الأخيرة في مجال علوم القرآن والتفسير، نهضة جادة، بدأت بالفعل في تكثيف حضور النص القرآني، بما فوت الفرصة على‏الكثيرين ممن يتهمون الشيعة في عقيدتهم حول القرآن الكريم.
 من هنا، نرى أن مما دفع بعض الباحثين أو الكتاب الغربيين لتكوين صورة سلبية عن الرسول(ص)، كان عدم وجود دراسة مستوفية لما في مصادر الحديث الإسلامي عن شخصية الرسول، إذ أدى ذلك إلى استغلال بعض الروايات المشينة ‏للرسول(ص) في أخلاقه وفي علاقاته بنسائه، بهدف عرضه صورة مشوهة للعالم، انطلاقًا من مصادر المسلمين أنفسهم، إن‏ هذا ما يضاعف الحاجة لتنقية كتب الحديث من الخرافات والأباطيل والمقطوع بطلانه عمليًّا، والإفصاح عن ذلك بكل جرأة ‏معرفية، كي لا يجري توظيف هذه النصوص توظيفًا سلبيًّا لدى الآخر.


طبعًا، عندما نقول ذلك من الضروري أن نعرف أننا لا نقوم بتصفية الحديث مما هو باطل علميًّا لأجل أن يرضى الآخر، بل المطلوب أن يكون نقدنا للحديث ومصادر السيرة نقدًا علميًّا وضوعيًّا غير ناشئ من أي عقدة خوف من الآخر، بل‏الهدف هو المعرفة فحسب، وبعدها نكون مسؤولين عن الدفاع عن الشخصية التي ثبتت علميًّا للرسول(ص)، وإلا فلسنا مضطرين لإرهاق أنفسنا وطاقتنا في الدفاع عن أشياء لم يسبق أن خضعت- كما تتطلب الحاجة- لبحث علمي مقنع‏ تمامًا، نتحمل مسؤوليته.
كما أننا غير مضطرين، كما يفعل بعضهم، أن نشوه صورة الرسول الكريم لأجل تلميع صورة هذا الصحابي أو ذاك، أو بيان مكرمة هذا الإمام أو ذاك، فالكل لهم قدرهم ومكانتهم، لكن يفترض أن لا تجرنا الخلافات المذهبية- مع الأسف- إلى إثبات نظريات مذاهبنا على حساب هذا الرسول العظيم، وهو الأمر الذي نراه مبثوثًا في مرويات المسلمين هنا وهناك‏ مع الأسف الشديد.
 وعلى هذا الأساس، ينبغي عرض الصورة الإنسانية للرسول(ص)، ومكارم أخلاقه، وبعد الرحمة والتسامح فيه، ومنهج ‏تعامله مع الآخر، فالنص القرآني قدم لنا صورة عن النبى(ص) تختلف كثيرًا عن بعض الصور التي تقدمها لنا بعض‏ التصورات التي قد تستند إلى بعض الأحاديث، وقد تكون ضعيفة.
لقد وصف القرآن النبى(ص): (وإنك لعلى خلق عظيم) (القلم: ٤)، ولم نجد من أنكر من العرب خلق الرسول اللّه(ص)، كما وصفه (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران: ١٥٩)، وهي الآية التي‏تكشف سلوك الرحمة في رسول اللّه (ص) والشفقة والرأفة والأدب الرفيع.


إن التركيز على القرآن في دراسة سيرة الرسول(ص) وصفاته أمر ضروري، ذلك أن القرآن- بالنسبة لنا- مصدر قطعي، وقد حوى الكثير مما ينفع في تدوين سيرة النبى(ص)، لهذا يفترض أن يجعل النص القرآني أحد أهم أسس ومصادر دراسة‏ السيرة النبوية، وأن لا يكتفى بكتب الحديث والتاريخ، فميزة القرآن أنه يصح معيارًا لوزن تلك الكتب والمراجع التاريخية ‏والحديثية عن المسلمين.
من هنا، تتأكد الدعوة للكتابة لسيرة النبى(ص)القرآنية، فهي صورة أقرب إلى اليقين- عند المسلم- من أي صورة‏ أخرى، كما يجب التمييز في دراسة حياة النبي بين عناصر الخلود في شخصيته وعنصر المرحلية التي استدعتها ظروفه ‏التاريخية.
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: ١٥٩.]

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة