قرآنيات

الأنبياء كلهم مسلمون

 

الشيخ محمد جواد مغنية
﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ..﴾
قد يَرِدُ سؤالٌ: ألَا يدلُّ ظاهرُ هذه الآية على أنّ جميعَ أديان الأنبياء - حتّى دين النّبيّ إبراهيم عليه السّلام - ليست بشيءٍ عندَ الله تعالى، إلّا دين رسول الله فقط، معَ العلم بأنّ كلَّ ما جاءَ به الأنبياء حقٌّ وصِدقٌ بإقرارٍ من رسول الله، صلّى الله عليه وآله، وبنَصٍّ من القرآن الكريم؟
والجواب: الآيةُ تدلّ تماماً على العكس، فإنّ ظاهرَها ينطقُ بلسانٍ مُبينٍ أنّ كلَّ دينٍ جاءَ به نبيٌّ من الأنبياء السّابقين يتضمّنُ في جوهره الدّعوةَ الإسلاميّةَ التي دعا إليها محمّدُ بنُ عبدِ الله صلّى الله عليه وآله.
وإليك – أيّها القارئ - هذه الحقائق الثّلاث:
1) إنّ الإسلام يرتكزُ قبلَ كلِّ شيءٍ على أُصولٍ ثلاثة: الإيمانِ بالله ووحدانيّتِه، والوَحي وعصمتِه، والبَعثِ وجزائه. وكلّنا يعلمُ علمَ اليقين، ويؤمنُ إيماناً لا يَشوبُه ريبٌ، بأنّ اللهَ سبحانه ما أرسلَ نبيّاً من الأنبياء إلّا بهذه الأُصول.
2) إنّ لَفْظَ «الإسلام» يُطلَقُ على معانٍ، منها: الخضوعُ والاستسلام، ومنها: الخُلوصُ والسّلامةُ من الشّوائب والأدران. وليس من شكٍّ في أنّ كلَّ دينٍ جاءَ به نبيٌّ من أنبياء الله فهو خالصٌ وسالمٌ من الشّوائب، وعلى هذا يصحُّ أن نُطلقَ اسمَ الإسلام على دينِ الأنبياء جميعاً.
3) إنّ مصدرَ القرآن واحدٌ لا اختلافَ بين آياتِه، كثيراً ولا قليلاً، بل «ينطقُ بعضُه ببَعض، ويشهدُ بعضُه على بعض»، كما قال الإمام عليّ عليه السّلام. وإذا تتبّعنا مواردَ لفْظ «الإسلام» في القرآن الكريم، لَوَجدنا أنّ اللهَ سبحانه قد وصفَ جميعَ الأنبياء بـه في العديد من الآيات، وبذلك نعلمُ أنّ الحصرَ في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ الله الإِسْلامُ..﴾، هو حصرٌ لجميع الأديان الحقّة بالإسلام، لا حصراً للإسلام بدِينٍ دونَ آخر من الأديان التي جاء بها الأنبياء من عند الله تعالى.


من آيات «إسلام» الأنبياء
1) أخبر اللهُ تعالى عن لسان النّبيّ نوح عليه السّلام مخاطباً قومَه: ﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الله وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ يونس:72.
2) قال تعالى في إبراهيم ويعقوبَ عليهما السّلام: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ الله اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ البقرة:130-132.
3) أمّا الآية التي هي أصرَحُ من الكلّ، وتَعُمُّ الأوّلينَ والآخرين من الأنبياء، وتَابِعيهم، وتَابعي التّابعين، قولُه تعالى: ﴿ومَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ﴾ آل عمران:85. فإذا لم يقبلِ اللهُ إلّا من المسلمين، وقد قَبِلَ من الأنبياء؛ آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وجميع النّبيّين، عليهم السّلام، والتّابعينَ لهم بإحسان، فتكونُ النّتيجةُ الحتميّةُ أنّ النّبيّينَ من عهدِ آدمَ عليه السّلام، حتّى رسول الله، صلّى الله عليه وآله، ومعَهم المؤمنون بهم... كلّهم من المسلمين.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة