مقالات

الإفاضة من الحضور إلى الشهود

 

يختتم موسم عرفة الذي يتلو في الفضل ليلة القدر ، بالانتقال المباشر إلى موسم عبادي بالغ الفرادة والتميّز، وهو للأسف بالغ التضييع والإهمال.
إنّه الوقوف بـ«المشعر الحرام»، أي «المزدلفة»، أي «جَمْع»، فهي ثلاثة أسماء لمكان واحد عظيم الحرمة عند الله تعالى.
ولا تنفصل الحرمة عن مدى قرب من يبلغها، وحرمتِه، على أنّ بلوغَ القرب حركةُ عقل وقلب، وما الجسد إلّا براق أو حجاب، أو وسيلة مرتبة من هذا أو درْكٍ من ذاك.
إن قلتَ في الإفاضة من عرفات، إنّها الإفاضة من الحضور إلى الشهود، فلم تعْدُ الحقيقة، وإن قلت فيها إنّها بالغفلة عنها الإفاضة من الحرم إلى الحرمان، ومن القرب إلى الطرد، فقد أصبت كبد الحقيقة.
وفي محاولة التعرّف على دلالات التسميات الثلاث، لهذا المكان الواحد الذي يفيض الحاج إليه من عرفات، نجد التالي:

1)   جَمْع:
قال الشيخ الصدوق: «وسمّيت المزدلفة جمعاً لأنه يجمع فيها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين». أي يصلَّيان جمعاً فسمي المكان «جَمْع».
وفي الدعاء المروي ما يصلح تفسيراً آخر للتسمية، وهو عن الإمام الصادق عليه السلام، وقد روي بصيغتين:
«اللهمّ هذه جَمْع، اللهمّ إني أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تجمع لي فيها جوامع الخير الذي جمعت لأنبيائك وأهل طاعتك من خلقك، وقد أمرتَ عبادَك بذكرك عند المشعر الحرام، فصلِّ على محمّد وآل محمّد ولا تؤيسني من خيرك وعرّفني في هذا المكان ما عرّفت أولياءك، ولا تخيّبني في ما رجوتك، وأعتقني ولوالدي ولجميع المؤمنين من النار برحمتك».
«اللهمّ هذه جَمْع، اللهمّ إني أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تجمع لي فيها جوامع الخير. اللهم لا تؤيسني من الخير الذي سألتك أن تجمعه لي في قلبي. وأطلب إليك أن تعرّفني ما عرّفتَ أولياءك في منزلي هذا، وأن تقيَني جوامعَ الشر».

2)  المشعر الحرام:
في الدعاء الخاص بالمشعر، ما يضيء على سبب هذه التسمية، وهو:
«فقد ترى مقامي بهذا المشعر الذي انخفض لك فرفعتَه، وذلّ لك فأكرمتَه، وجعلتَه علَماً للناس، فبلِّغني فيه مُناي ونيل رجائي، اللهمّ إنّي أسألك بحقّ المشعر الحرام أن تحرّم شعري وبشري على النار، وأن ترزقَني حياةً في طاعتك وبصيرةً في دِينِك وعملاً بفرائضك، واتِّباعاً لأوامرك وخير الدارين جامعاً».
 

3) مزدلفة:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّ جبرئيل قال لإبراهيم عليهما السلام: «ازدلِف، فسمّيت المزدلفة».
ولعلّه توضيح من الإمام عليه السلام للمعنى بالحكمة التي تشارف السرّ، ولا مصلحة في المزيد. والله العالم.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة