من التاريخ

كيف وثق الحسين (عليه السلام) بأهل الكوفة ولماذا خرج اليهم؟


يتساءل الكثيرون ممن يستمعون إلى سيرة الحسين(عليه السلام)، ويقول واعجبًا كيف وثق الحسين(عليه السلام) بأهل الكوفة واعتمد عليهم في ثورته ولبى طلبهم وهو من أعلم الناس وأعرفهم بغدر أهل الكوفة وتقلبهم، وقد سبق له أن جربهم مع أبيه علي وأخيه الحسن(عليهما السلام)، هذا بالإضافة إلى نصح جملة من خلص أصحابه وأقاربه له بعدم الركون إلى رسائلهم ورسلهم فانهم قوم غدر وخيانة؟ 
 ونقول لهؤلاء إن توجه الحسين(عليه السلام) يومئذ وهو في تلك الظروف إلى العراق كان مطابقاً للشرع والعرف السياسي الصحيح. نقول كان مطابقاً للشرع لأن الشارع الإسلامي يركز أحكامه على الناس حسب ظواهرهم ويعتبر الظواهر هي الحجة والقياس ومناط الأحكام. أما البواطن والخفايا والظنون والأمور الغيبية فلا اعتبار لها في التشريع الإسلامي وإنما أمرها إلى الله والله وحده هو المحاسب عليها يوم الحساب. قال سبحانه وتعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا... }[1] قيل نزلت في مسلم رفع السيف في بعض الغزوات على مشرك ليقتله فقال المشرك أشهد أن لا إله إلا الله ولكن المسلم مع ذلك ضربه بالسيف وقتله. فبلغ الحادث إلى رسول الله (ص) فدعا بالمسلم وقال له لم قتلته وأنت سمعته يشهد أن لا إله إلا الله. فقال المسلم يا رسول الله إنه قالها خوف السيف لا عن إيمان وعقيدة فقال الرسول (ص): وما يدريك بذلك فهل فلقت قلبه وعرفت كذبه. وعلى إثر هذه القضية نزلت الآية الكريمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا } ونصوص القرآن على حجية الظواهر في الإسلام كثيرة منها قوله تعالى{إن الظن لا يغني من الحق شيئاً...}[2] وقوله تعالى {ولَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ...}[3] وقوله تعالى {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا... }[4]... وأكثر قواعد وأصول الفقه الإسلامي مبنية على الظاهر القائم بالفعل مثل قاعدة: المتهم بريء حتى تثبت إدانته. أو قاعدة لا يجوز القصاص قبل الجناية. وقاعدة اليد وقاعدة الطهارة. وقاعدة الحلية وقاعدة الأباحة وغيرها... فالخلاصة أن الإسلام دين يعامل الناس على الظاهر منهم. فإذا تحقق هذا، نقول أن أهل الكوفة أظهروا الولاء والطاعة للحسين (عليه السلام) بشكل من الإخلاص والإلحاح والجدية لم يسبق له مثيل وكان إظهارهم لهذا الولاء منذ عصر معاوية وفي حياة الحسن (عليه السلام) وبعده وتضاعف طلبهم له عند وفاة معاوية ولما بلغهم نبأ وفاة معاوية وامتناع الحسين(عليه السلام) من البيعة ليزيد وجهوا رسلهم ورسائلهم ووفودهم إلى الحسين(عليه السلام) وهو بعد في المدينة ولما استقر الحسين(عليه السلام) في مكة انهالت عليه طلباتهم وكتبهم كالسيل المتدفق حتى تسلم الحسين منهم في يوم واحد ستمائة كتاب وبلغ مجموع كتبهم إلى الحسين(عليه السلام) خلال مدة اقامة الحسين(عليه السلام) في مكة بلغ مجموعها إلى اثني عشر ألف كتاب وكل كتاب موقع من قبل رجلين والثلاث والأربع. وكلها تكرر عبارة «أقدم يابن رسول الله ليس لنا إمام غيرك فلقد اخضر الجناب وأينعت الثمار وإنما تقدم على جند لك مجندة» وكتب له بعضهم قائلاً إن لم تجب دعوتنا وتلبي طلبنا وتتوجه إلينا خاصمناك بين يدي الله يوم القيامة. 
 فأي حجة أعظم وألزم من ذلك وأي عذر للحسين (عليه السلام) أمام الله وأمام التاريخ إذا لم يلبّ دعوتهم بعد ذلك كله وهل كان يبرر له ذلك أن يقول كنت أظن أو أتوقع منهم الغدر والخلاف... وقد أضيف إلى تلك الحجة عليه حجة أخرى ألا وهي رسائل سفيره ونائبه الخاص مسلم بن عقيل، الذي بعثه إلى الكوفة ليستكشف حقيقة الأمر أكثر فأكثر ويتعرف على واقع تلك الدعوات عن كثب فكان نتيجة ما قام به مسلم بن عقيل طيلة أكثر من شهرين في الكوفة أن كتب إلى الحسين(عليه السلام) مؤكداً له استعداد أهل الكوفة للتضحية بين يديه بالنفس والنفيس وبكل غالٍ وعزيزٍ ويستحثه على القدوم إلى الكوفه فوراً. وقد صرح هو (عليه السلام) بالمسؤولية التي توجهت إليه تجاه أهل الكوفة لابن عمه عبد الله بن عباس لما ألح عليه بترك المسير إلى العراق. فقال الحسين(عليه السلام) يا ابن عم لقد كثرت علي كتبهم وتوافرت علي رسلهم ووجبت علي واجباتهم...

وأما من الناحية السياسية والحكمة، فإن الحسين(عليه السلام) ثائر في وجه دولة قوية وحكومة مسيطرة. وطبعاً لا بد له من قوة كبيرة يستند إليها في هكذا ثورة. والعراق يومئذ أنسب قوة وأكبر سند لمثل تلك الثورة التي عزم الحسين على القيام بها وذلك نظراً إلى مركز العراق الجغرافي وموقعه الاستراتيجي ومناخه الاقتصادي وغيرها من الملائمات التي تميزه عن باقي الأقطار الأخرى. ومن ثم اختارها أمير المؤمنين (عليه السلام) من قبل مركزاً لقيادته وعاصمة لخلافته ومنطلقاً لحركته الإصلاحية الشاقة الواسعة بعد عهد عثمان. وقد خرج منها علي (عليه السلام) بمائة ألف مقاتل أو يزيدون إلى حرب صفين. والخلاصة هي أن الكوفة يومئذ أفضل وأنسب منطلق لكل حركة ثورية لولا عيب واحد فيها فوّت كل مزاياها الثورية ألا وهي حالة التقلب والتلون التي امتاز بها أهل العراق عامة وأهل الكوفة خاصة.
ـــــــــــــــــــــ
 مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد