مقالات

الاستدلال برواية الإمام العسكري(ع) على استحباب زيارة الأربعين (1)

 

الشيخ محمد عبيدان
قال الإمام الحسن العسكري(عليه السلام): علامات المؤمن خمس: صلاة الخمسين(إحدى وخمسين)[1]، وزيارة الأربعين ، والتختم باليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم[2].
عندما تمر علينا في كل عام ذكرى أربعين الإمام الحسين (ع) في شهر صفر المظفر، يجعل أحد محاور البحوث والأحاديث الرواية الذي افتـتحنا به مقامنا، ويعمدون للحديث عنها، فيتطرقون لزيارة الأربعين وفقاً لما جاء فيها، ويربطون الحديث بعد ذلك بالحدث التاريخي الذي يحكي ما جرى في يوم العشرين من صفر من مجيء الصحابي الجليل جابر ابن عبد الله الأنصاري(رض)، وكذا وصول الركب الحسيني إلى أرض كربلاء جائياً من أرض الشام.
ويعمدون إلى الاستدلال بالرواية المذكورة على استحباب زيارة الأربعين ، يوم العشرين من شهر صفر، ويجعلونها دليلاً على مدعاهم. ومقتضى كلامهم تمامية الرواية المذكورة على الحجة، وعليه يثبت بواسطتها حكم شرعي، وهو استحباب الزيارة.
ولكي يقرر صحة الاستدلال المذكور نوقع الحديث حول الرواية المذكورة، لنرى مدى دلالتها على ما ذكر من عدمه. وقبل ذلك لا بأس بالإشارة إجمالاً لحكم زيارة المولى أبي عبد الله الحسين(ع).


حكم زيارة الإمام الحسين(ع):
المعروف بين أصحابنا هو الحكم باستحباب زيارة الإمام الحسين(ع) في كافة الأوقات والأزمان، من دون اختصاص بوقت دون آخر، أو زمان دون آخر، نعم يتأكد الاستحباب في بعض الأوقات المخصوصة، فيكون الاستحباب فيها أوكد، كاستحباب زيارته في النصف من شعبان، واستحباب زيارته ليلة القدر، واستحباب زيارته يومي العيدين، واستحباب زيارته يوم عرفة، واستحباب زيارته يوم عاشوراء.
وعن جملة من أعلامنا أنه لا يـبعد البناء على وجوب زيارة الإمام الحسين(ع) في العمر مرة واحدة، ويظهر ذلك من المولى التقي الشيخ محمد تقي المجلسي(ره)، حيث حكى عنه ذلك ولده غواص بحار الأنوار(ره) في بحاره، وبنى هو(قده) على ذلك أيضاً[3]، ومثل ذلك قال المحقق صاحب الحدائق(قده)، في حدائقه الناضرة[4]، فلاحظ.


التفريق بين القضية التاريخية والحكم الشرعي:
هذا وينبغي قبل كل شيء الالتفات إلى أن هناك نوعين من الموضوعات لا ينبغي الخلط بينهما، بحيث يكون البحث عن كليهما على مستوى واحد، أحدهما هو الأحكام الشرعية، والثاني منهما هو القضايا التاريخية، إذ لا يخفى على أحد مدى الفرق بينهما، ضرورة أنه في الأحكام الشرعية، لابد وأن يكون ما يعطى من حكم مستنداً إلى دليل وحجة شرعية معتبرة، لكون الحكم الشرعي يمثل حكم الله سبحانه وتعالى وينسب إليه، ولا يجوز أن ينسب للباري سبحانه وتعالى أمرٌ لا يستند لحجة شرعية معتمدة، فالقول بأن هذا الأمر واجب مثلاً، أو القول بكونه مستحباً، أو أنه محرم، أو أنه مكروه، لابد وأن يكون معتمداً على مستند شرعي يكون حجة حتى يصلح إطلاق مثل هذه الأمور، ولهذا ما لم يكن هناك ما يصح الاستناد إليه والاحتجاج به، فلا يصح أن يطلق حكم شرعي، ولا يجوز نسبته للباري سبحانه، ومتى كان كذلك كان ذلك من الكذب على الباري سبحانه وتعالى، ومن المعلوم أنه من أكبر الكبائر التي توعد الله سبحانه فاعليها أشدّ العذاب.
وهذا بخلافه تماماً في القضية التاريخية، إذ أنه لا يعتبر فيها أن تكون مستندة لدليل صحيح أو لحجة شرعية معتبرة، بل يكفي أن تكون مذكورة في كتاب من الكتب، وحبذا لو كان كتاباً معتمداً، لأن الناقل للقضية التاريخية لن يكون إلا بمثابة الحاكي لما جاء في ذلك الكتاب، ولن يكون ناسباً لما ذكر لأحد، وليس من الضروري أن يكون معتقداً بما ينقل، أو جازماً به.


نعم من الأجدر أن يسعى قدر المستطاع إلى التأكد من سلامة ما ينقل، وأن يكون متوافقاً والموازين الموجبة لقبول القضايا التاريخية، وبعيداً كل البعد عما يوجب الرفض أو القبول، ولنوضح ذلك بمثال: من القضايا التاريخية المعروفة، قضية رجوع الركب الحسيني إلى أرض كربلاء من بلاد الشام يوم العشرين من شهر صفر، هذه القضية التاريخية محل خلاف ونقاش بين أعلام البحث والتحقيق، فبين من يلتـزم بثبوتها، وبين من يمنع من تحققها خارجاً، حتى أن بعضهم ينكر أنهم عادوا إلى أرض كربلاء، ويظهر ذلك جلياً من البحث في موضع مدفن الرأس الشريف للمولى أبي عبد الله الحسين(ع)، إذ يلتـزم البعض بأنه قد دفن في أرض المدينة المنورة، لما عاد الإمام زين العابدين(ع) بالركب الحسيني من بلاد الشام، ومن الطبيعي أن دفنه في أرض طيـبة الطيـبة إنما هو لعدم ذهابه لأرض كربلاء، وهكذا، فنلاحظ أن البحث في هذه المسألة لا يرتبط بحكم شرعي، ولذا لو التـزم شخص بإثبات هذه القضية، أو التـزم آخر بنفيها لم يكن في ذلك ضير، حتى لو كان الخبر في كلا الموردين معتمداً أم لا، لأنه لن يتضمن نسبة أمر لله سبحانه وتعالى، فهو لا يعدوا كونه قضية تاريخية بحتة، وهذا بخلاف الحكم الشرعي بأقسامه الخمسة كما عرفت، فالقول باستحباب مسح الوجه بعد القنوت في الصلاة حكم شرعي، ما لم يكن هناك دليل معتبر يدل عليه كان من الكذب على الله سبحانه وتعالى، والقول باستحباب صلاة ليلة الدفن المعروفة بصلاة الهدية أيضاً حكم شرعي، يحتاج إلى دليل معتبر يستند إليه، وإلا كان كذباً على الله سبحانه، وكذا القول بأنه يكره إيقاع عقد النكاح في الوقت الفلاني، فهذا نسبة حكم لله سبحانه وتعالى، فما لم يكن هناك دليل معتبر يستند له، كان من الكذب على الله سبحانه[5].
وبالجملة، فإن إثبات أي واحد منهم في واقعه وحقيقته نسبة لله سبحانه وتعالى، فيكون محتاجاً إلى حجة شرعية معتمدة يستند إليها في مقام الإثبات.
وبالجملة، إن مقتضى التفريق المذكور وعدم الخلط بين العنوانين المذكورين، يستلزم أن يفرق عند الحديث عن حكم زيارة الإمام الحسين(ع) يوم العشرين من صفر، وهو يوم الأربعين من شهادته(ع)، وعن قضية رجوع القافلة العلوية إلى أرض كربلاء، وملاقاتهم للصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري، فلا يخلط هذا بذاك، فلاحظ.

حديث زيارة الأربعين:
هذا وبعد التوجه لما سبق ذكره، ينبغي الآن تقريب دلالة الرواية المروية عن إمامنا أبي محمد العسكري(ع) على مدعى القائلين باستحباب زيارة الأربعين، إذ يقال في ذلك:
إن الإمام(ع) بصدد تعداد جملة من صفات المؤمن، وذكرَ في ما ذكر من صفات المؤمن زيارة الأربعين، والمقصود من زيارة الأربعين، هي زيارة الإمام الحسين(ع) يوم العشرين من صفر، ويكون قد مضى حينها على شهادة الإمام الحسين(ع) أربعين يوماً.
وبالجملة، يستفاد من النص المذكور عن إمامنا الحسن العسكري(ع) استحباب زيارة الإمام الحسين(ع) في يوم العشرين من صفر، لأن حديث الإمام عن علامات المؤمن، يتضمن الإشارة إلى ما يتميز به المؤمن دون غيره، وهذا يعني أن كل ما يميز المؤمن من عمل يكون محبوباً عند الشارع المقدس، فيثبت عندها استحباب العمل المذكور، فلاحظ.

ــــــــــــــــ
[1] بحار الأنوار ج 95 ص 348.
[2] وسائل الشيعة ب ح ، تهذيب الأخبار ج ب ح
[3] بحار الأنوار ج 98 ص 10.
[4] الحدائق الناضرة ج 17 ص 434.
[5] نعم لا بأس في بعض الأمور من الإتيان بها بعنوان الرجاء، لا بعنوان الاستحباب، ونقصد بعنوان الرجاء أن الآتي بها يقصد رجاء المطلوبية، فإن كانت مستحبة، كانت كذلك، وإلا فإنها ليست محرمة. وهذا المعنى حسن شريطة أن لا يحرز أو يشك في انطباق عنوان التشريع المحرم، فلاحظ.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة