مقالات

الانتساب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله

 

الشيخ حسين كوراني
أسعدُ الناس يومَ القيامة هو مَن عرف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، في الحياة الدنيا وأطاعه، ثمّ وصل إليه في الآخرة، فكان معه.
وليس أشقى الناس مَن لم يعرف رسول الله في الدنيا ولم يصل إليه، بل أشقى الناس هو الذي عرف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الدنيا إلّا أنّه لم يتّبعْه، ولم يُطعه، وغلبت عليه المعاصي، بحيث أنّه سُلب عند الموت حبَّ النبيّ، فمات على غير الإسلام.
في الروايات أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال لأمّ سلَمة: «مِن أصحابي مَن لا يراني بعدَ موتي».
فإذا كان الإنسان الذي عاصر النبيّ وشاركه حروبه وغزواته، يُمكن أن تمنعه الذنوب من الوصول إليه صلّى الله عليه وآله وسلّم، فكيف بأحدنا الذي لم يعش مع الرسول، ولم يشارك معه في الجهاد، وفي الوقت نفسه يريد أن يكتفي بالمعرفة المختلطة بالذنوب، ليكون مع رسول الله صلّى الله عليه وآله؟!


يا لسوء العاقبة والمنقلب أن يكتشف أحدنا يوم القيامة أنّه لا علاقة له برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، لأنه كان يحسن في بعض أعماله، ويُسيء في أعمال أخرى أكثر ممّا أحسنه. فلمّا غلبت عليه المعاصي مات على غير ملّة رسول الله.
الخوف من سوء العاقبة يحتّم علينا أن نفكّر كثيراً في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ﴾. [الروم:10]
يجب أن نستحضر دائماً أن الإنسان، أيّ إنسان، إنما هو ثمرة أعماله؛ فالذي تغلب فيه وعليه المعاصي هو إنسانٌ عاصٍ، والعاصي إذا تاب يمكن أن يصل إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أمّا إذا أقام على المعاصي ولم يتُب، أو اكتفى بتوبة شكليّة، تتكرّر منه المعصية، يقع في الكبائر، ويصرّ على الصغائر، والإصرار على الصغيرة كبيرة.
نقرأ في دعاء كميل: «فلئن صيّرتَني للعقوباتِ مع أعدائك، وجمعتَ بيني وبينَ أهل بلائك، وفرّقتَ بيني وبين أحبّائك وأوليائكَ..». يعني فرّقتَ بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأهل البيت عليهم السلام، هذا التفريق هو بسبب المعاصي والذنوب. هو بمنزلة الجمع مع الأعداء! لأنّ المعاصي من أخلاق أعداء الله تعالى.
نحن بتصرّفاتنا في الدنيا إمّا أن نتشبّه برسول الله وأهل البيت عليهم السلام، أو نتشبّه بآل أبي سفيان وعموم أعداء الله، وأعداء رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم.


أسباب التفريق عن أولياء الله
ما هي الأسباب التي تُفضي إلى التفريق بيننا وبين رسول الله وآل بيت الأطهار في يوم القيامة؟
أخطر هذه الأسباب هو سوء الخُلُق، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله تجلّي الخُلُق العظيم، كما قال تعالى: ﴿وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. [القلم:4]
وسوء الخُلُق يعني سوء المعاملة؛ أي أن يتعامل الإنسان ويتصرّف مع الآخرين بطريقة سيئة ولا أخلاقية. مَن كان كذلك فهو على خطرٍ كبيرٍ جدّاً، لن يصلَ إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولن يخرج من الدنيا مؤمناً، اللّهُمّ إلا أن يتدارك.
سأذكر روايتين من الروايات الكثيرة في هذا المجال:
1) عن الإمام الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنّ أحبّكم إليّ وأقربَكم منّي يومَ القيامةِ مجلساً؛ أحسنُكم خُلُقاً، وأشدُّكم تواضعاً.  وإنّ أبعدَكم منّي يومَ القيامة الثرثارون، وهُمُ المستكبرون».
2) وعنه صلّى الله عليه وآله: «أحبّكم إلى الله أحاسِنُكم أخلاقاً، الموطِّئون أكنافاً، الذين يألَفون ويؤلَفون، وأبغضُكم إلى الله المشّاؤون بالنّميمة، المفرّقون بين الإخوان، الملتمِسون للبُراء العثرات».


المدخل إلى تَدارُك ما فات
المطلوب هو أن يراقب كلٌّ منّا نفسَه في المجالات التي أشارت إليها الروايتان:
أوّلاً: التكبّر، لأنّ المتكبرين-بنصّ الرواية- هم أبعدُ الخلق عن الله تعالى، والتكبّر يتلازم مع الثرثرة، لقوله صلّى الله عليه وآله: «..الثرثارون، وهم المستكبرون».
ثانياً: الانغلاق، «لا يألَف ولا يُؤلَف»: إنسان يعيش في كيان مُغلَق، يختار لنفسه أصحاباً، فإذا اختلف معهم تركهم واختار غيرهم، لا يألَف ولا يُؤلَف، لا يُحِبّ ولا يُحَبّ، لأنّه كالحجر القاسي، ليست فيه قابلية الجذب نهائياً.
ثالثاً: نقل الكلام، أو بتعبير الرواية «المشّاؤون بالنميمة»: يلتقي أحدنا بآخر فيقول له: هل تعرف ماذا قال عنك فلان؟! أو ماذا قالت عنكِ فلانة؟! هذه نميمة، المشّاؤون بالنميمة هم من أبغض الخلق إلى الله تعالى.
رابعاً: التفريق بين الناس، «المفرّقون بين الإخوان»: هل تحرص الزوجة على تقوية علاقة زوجها بأهله، وهل يحرص الزوج على تمتين علاقة زوجته بأهلها؟ إذا لم يكونا كذلك، ينطبق عليهما أنّهما يفرّقان بين الناس.

خامساً: «الملتمسون للبُراء العثرات»: هم الذين يحومون حول عيوب الناس، ونقائصهم، وأخطائهم. يُفترض بالمؤمن أن يكون هيّناً ليّناً. الإنسان الليّن لا يُدقّق ليُحرج الآخرين، أو ليفتّش عن ثغراتهم ويقرّرهم بها، حتّى لو كان هذا الإنسان له حقّ عند الطرف الآخر، فلا ينبغي أن يطالبه بحقّه من خلال التضييق عليه، له أن يطالب بحقّه، لكنْ مع مراعاة الطرف الآخر وظروفه.
في رواية طريفة حول هذا الموضوع، يروي حمّاد بن عثمان، من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام، يقول: «كنتُ عند أبي عبد الله عليه السلام، إذ دخلَ عليه رجلٌ من أصحابنا، فقال له أبو عبد الله: ما لأخيك يشكو منك؟
قال: يشكوني أنّي استقصيتُ حقّي منه.
فقال أبو عبد الله: كأنّك إذا استقصيتَ حقّك لم تُسئ؟ أرأيت ما ذَكر اللهُ عزّ وجلّ في القرآن ﴿..وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ﴾، أَخافوا أن يجورَ اللهُ جلّ ثناؤه عليهم؟ لا واللهِ ما خافوا ذلك، وإنّما خافوا الاستقصاء؛ فسمّاه اللهُ سوءَ الحساب. نعم، مَن استقصى من أخيه فقد أساء». [الرعد:21]
إذاً، مسألة حُسن الخُلُق مسألة حسّاسة ومهمّة جداً، وإذا لم نتنبّه إلى أنّ واجبنا دائماً أن نعمل على تحسين أخلاقنا فإنّنا سوف نتعايش مع سوء الخُلُق ونصل إلى هذه النتيجة الخطرة جداً، بحيث إنّنا نُحرَم من رؤية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم القيامة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة