من التاريخ

مناظرة عمر بن أُذَيْنَة مع ابن أبي ليلى القاضي

 

القاضي النُّعمان المغربيّ
عن عمر بن أُذينة - وكان من أصحاب أبي عبد الله، جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام - أنّه قال: دخلتُ يوماً على عبد الرحمن بن أبي ليلى بالكوفة، وهو قاضٍ، فقلت: أردتُ - أصلحك الله - أن أسألك عن مسائل؛ وكنتُ حديثَ السنّ.
فقال: سَلْ يا ابن أخي عمّا شئت.
فقلت: أخبرني عنكم، معاشرَ القضاة، ترِد عليكم القضيّة في المال والفرج والدم، فتقضي أنت فيها برأيك، ثمّ ترد تلك القضيّة بعينها على قاضي مكّة فيقضي فيها بخلاف قضيّتك، وترِد على قاضي البصرة، وقضاة اليمن، وقاضي المدينة، فيقضون فيها بخلاف ذلك، ثمّ تجتمعون عند خليفتكم الذي استقضاكم فتُخبرونه باختلاف قضاياكم فيصوّب قولَ كلّ واحد منكم! وإلهكم واحد، ونبيّكم واحد، ودينكم واحد، أفأمرَكم الله، عزّ وجلّ، بالاختلاف فأطعتموه؟ أم نهاكم عنه فعصيتموه؟ أم كنتم شركاء لله في حكمه فلكم أن تقولوا وعليه أن يرضى؟! أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بكم على إتمامه؟ أم أنزله الله تامّاً فقصّر رسول الله صلّى الله عليه وآله عن أدائه؟ أم ماذا تقولون؟ ....
فقال: أمّا قولك في اختلاف القضايا: فإنّه ما ورد علينا من أمر القضايا ممّا له في كتاب الله أصلٌ وفي سُنّة نبيّه، فليس لنا أن نعدو الكتاب والسُّنّة، وما ورد علينا ليس في كتاب الله ولا في سُنّة رسوله فإنّا نأخذ فيه برأينا.
قلت: ما صنعتَ شيئاً، لأنّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿..مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ..﴾، (الأنعام:38) وقال: ﴿.. وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ..﴾ (النحل:89) .... فَكيف يرِد عليك من الأحكام ما ليس له في كتاب الله أثر ولا في سُنّة نبيّه خبر؟
قال: أُخبرك يا ابن أخي حديثاً حدّثناه بعض أصحابنا، (أنّ عمر بن الخطّاب كان إذا قضى قضيّةً بين رجلين، قال: والله ما يدري عمرُ أصاب أم أخطأ، إنّما رأيٌ اجتهدتُه!).
قلت: أفلا أحدّثك حديثًا؟ قال: وما هو؟


قلت: (روينا) عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، أنّه قال: «القُضاةُ ثَلاثةٌ: هالِكانِ وَناجٍ؛ فَأمّا الهالِكانِ: فَجائِرٌ جارَ مُتَعَمِّدًا، وَمُجْتَهِدٌ أَخْطَأَ. وَالنّاجي مَنْ عَمِلَ بِما أَمَرَهُ اللهُ بِهِ». فهذا نقضُ حديثك يا عمّ! [المُراد بالمجتهد هنا، العامل برأيه من غير أن يستند إلى الأدلة المعلومة]
قال: أجل، والله، يا ابن أخي! فتقول: إنّ كل شيء في كتاب الله؟
قلت: اللهُ قال ذلك، وما من حلالٍ ولا حرام، ولا أمرٍ ولا نهي، إلّا وهو في كتاب الله، عرف ذلك مَن عرفه، وجهله مَن جهله....
قال: فعند من يوجد علم ذلك؟ قلتُ: عند مَن عرفتَ.
قال: وددتُ لو أنّي عرفته فأغسلَ قدميه وأخدمه وأتعلّم منه.
قلت: أناشدك الله، هل تعلم رجلاً كان إذا سأل رسولَ الله، صلّى الله عليه وآله، أعطاه، وإذا سكت عنه ابتداه؟
قال: نعم، ذاك عليّ بن أبي طالب.
قلت: فهل علمتَ أنّ عليّاً سأل أحداً بعد رسول الله، صلّى الله عليه وآله، عن حلالٍ أو حرام؟
قال: لا.
قلت: فهل علمت أنّهم كانوا يحتاجون إليه ويأخذون عنه؟ قال: نعم.
قلت: فذلك عنده.
قال: فقد مضى فأين لنا به؟
قلت: تسأل في وُلده، فإنّ ذلك العلم فيهم وعندهم.
قال: وكيف لي بهم؟
قلت: أرأيتَ قوماً كانوا في مفازةٍ من الأرض ومعهم أدِلّاء، فوثبوا عليهم فقتلوا بعضهم وأخافوا بعضهم فهرب واستتر مَن بقي لخوفه، فلم يجدوا مَن يدلّهم فتاهوا في تلك المفازة حتّى هلكوا، ما تقول فيهم؟
قال: إلى النّار! واصفرّ وجهه، وكانت في يده سَفرجلة فضربَ بها الأرض فتهشّمت، وضرب بين يديه وقال: إنّا لله وإنا إليه راجعون!

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة