مقالات

تبدل الذنب الصغير إلى كبير

 

الشيخ محسن قراءتي
الذنب يعني المخالفة، فكل عمل من الأعمال التي تخالف الأوامر الإلهية يعد في نظر الإسلام ذنباً، فحتى لو كان الذنب هيناً فهو عظيم وكبير وذلك لمخالفة الأوامر الربانية وعدم إطاعة الله سبحانه وتعالى، قال النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)لأبي ذر الغفاري: "لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن أنظر إلى من عصيته".
يستفاد من بعض الروايات والآيات القرآنية بان هناك ذنوباً صغيرة تتبدل الى ذنوب كبيرة وتتلبس بأحكامها .
1 ـ الإصرار على الذنب الصغير:
إنّ ممارسة الذنب الصغير لعدة مرات يعد ذنباً كبيراً وإذا لم يبادر المرتكب للذنب إلى التوبة والاستغفار يحسب إصراراً على المعصية .
فمثلاً لو نسج الخيط مع الشعر لصار حبلاً قوياً فعندها لا يكون خيطاً ولا شعراً بل هو حبل قوي . ففي سورة آل عمران (الآية 135)نقرأ :
(وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
قال الإمام الباقر (عليه السلام) في شرح هذه الآية :
"الإصرار هو أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله فلا يحدث نفسه بتوبة ، فذلك الإصرار" (اصول الكافي ج 2 ص 288).
قال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ):
"إياك والإصرار فأنه من أكبر الكبائر وأعظم الجرائم" (غرر الحكم ج 1 ص 151).
"لا تغفلوا عن الذنوب الصغيرة".
قال الإمام الصادق ( عليه السلام):
إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نزل بأرضٍ قرعاء فقال لأصحابه : ائتوا بحطبٍ ، فقالوا : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب ، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): فليأت كل إنسان بما قدر عليه ، فجاؤوا به حتى رموا بين يديه بعضه على بعض ، فقال الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ): هكذا تجتمع الذنوب ، ثم قال : إياكم والمحقرات من الذنوب ، فإن لكلّ شيء طالباً ألا وإن طالبها يكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمامٍ مبين » (أصول الكافي ج 2 ص 288).
إشارة إلى قوله تعالى في سورة يس الآية 12 :
(وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا).
قال الإمام الصادق (عليه السلام):
"لا صغيرة مع الإصرار".


2 ـ الاستهانة بالذنب:
الاستهانة بالذنب تعدّ من الذنوب الكبيرة، ولإيضاح الموضوع نضرب مثالاً:
إذا ضرب أحد غيره بحجرٍ كبير على رأسه ثم ندم على عمله واعتذر ، فمن الممكن أن يصفح عنه . ولكن إذا ضرب أحد الآخر بحجرٍ صغير جداً ولم يعتذر منه زاعماً أنها هفوة طفيفة ولم تكن شيئاً مهماً ، فطبيعي أن لا يصفح عنه المضروب ، لأنها نابعة من روحه المتبكرة واستهانته بذنبه .
قال الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ):
"من الذنوب التي لا تغفر : ليتيني لم أواخذ إلاّ بهذا" (بحار الأنوار : ج 73 ، ص 355).
لأن الذنب المشار إليه في الرواية قد استهين به .
قال الإمام علي ( عليه السلام ):
"أشد الذنوب ما استهان به صاحبه" (نهج البلاغة الحكمة 348 غرر الحكم ج 1 ص 193).
نقل زيد الشحام عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال :
"اتقوا المحقرات من الذنوب فإنها لا تغفر".
قلت: وما المحقرات؟ قال الإمام الصادق ( عليه السلام ):
"الرجل يذنب الذنب فيقول : طوبى لي لو لم يكن لي غير ذلك" (أصول الكافي ج 2 ص 287 ).
وجاء في الصحيفة السجادية عن الإمام السجاد (عليه السلام)في ضمن الدعاء أنه يقول :
"اللهم أعوذ بك من… الإصرار على المآثم واستصغار المعصية واستكبار الطاعة ومباهاة المكثرين والإزراء بالمقلين وسوء الولاية لمن تحت أيدينا وترك الشكر لمن اصطنع العارفة عندنا … " (الدعاء الثامن من الصحيفة السجادية ).


3 ـ الابتهاج عند ممارسة الذنب :
الإحساس باللذة والفرح عند اقتراف الذنب هو أحد الأسباب التي تحول الذنب إلى كبير ويوجب العذاب الأليم لصاحب الذنب . وفي هذا المورد توجد عدة روايات .
قال الإمام علي ( عليه السلام):
"شر الأشرار من تبهج بالشر" (الغرر ص 130)
وقال أيضاً :
"من تلذذ بمعاصي الله ذلّ" (غرر الحكم ج 1 ص 446).
قال الإمام السجاد (عليه السلام):
"إياك وابتهاج الذنب فإنه أعظم من ركوبه" (بحار الأنوار ج 78 ص 159).
وقال الإمام السجاد (عليه السلام) في حديث آخر :
"حلاوة المعصية يفسدها أليم العقوبة" (بحار الأنوار ج 78 ص 159).
وله في حديث آخر :
"لا خير في لذة من بعدها النار" (بحار الأنوار ج 78 ص 159).
وقال الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم):
"من أذنب ذنباً وهو ضاحك دخل النار وهو باك" (مشكاة الأنوار ص 394 ـ وسائل الشيعه ج 11 ص 268).


4 ـ اقتراف الذنب عند الطغيان:
والسبب الآخر الذي يبدل الذنب الصغير إلى كبير هو صدوره عن الطغيان والعصيان كما ورد في الآيات التالية من سورة النازعات الآية 37 الى 39.
(فَأَمَّا مَن طَغَى«37»وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا«38»فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى«39»)

5 ـ الغرور عند إرخاء الستر الإلهي للإنسان المذنب وإمهاله :
من الموارد التي تحول الذنب الصغير كبيراً هو أن المذنب يخالج تفكيره أن عدم مجازاة الله سبحانه وتعالى السريعة له تدل على رضى الله عنه وحبه له كما جاء في الآية 8 من سورة المجادلة :
(وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا  فَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
فالوعيد بعذاب جهنم لهؤلاء الأشخاص دليل على أن ذنب هؤلاء المغرورين بعدم مجازاة الله السريعة لهم هي من الذنوب الكبيرة .
6 ـ التجاهر بالذنب :
إنّ اعلان الذنب والتجاهر به أمام الناس يبدل الذنب الصغير إلى ذنبٍ كبير . وهذا التجاهر تعبير عن أن صفة التجرّؤ على الأوامر الإلهية وعدم الالتزام بها هي صفة المذنبين ، ويعبّر أيضًا عن تلوث المجتمع لكون الذنب فيه متفشياً وطبيعياً .
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):
"إياك والمجاهرة بالفجور فإنه من أشد المآثم" (غرر الحكم ج 1 ص 151).
وقال الإمام الرضا ( عليه السلام):
"المستتر بالحسنة يعدل سبعين حسنة، والمذيع بالسيئة مخذولّ" (مشكاة الأنوار : ص 394 ـ أصول الكافي ج 2 ص 428)

6 ـ ذنب الأشخاص ذوي المركز الاجتماعي المرموق :
هناك أشخاص لهم مكانة اجتماعية مرموقة بين الناس ، فما يقترفونه من الذنوب له حكمّ خاص يختلف تماماً عن عامة الناس لذا يحكم على ذنوبهم الصغيرة بكونها كبيرة لوجود بعدين .
1 ـ بعد فردي .
2 ـ بعد اجتماعي .
إنّ ذنب الأشخاص المتميزين المرموقين في البعد الاجتماعي يعد ذنباً كبيراً وإن كان صغيراً لأنه يوفر الأرضية لانحراف وإغواء جمعٍ كثيرٍ من الناس مما يؤدي إلى الاستهانة بالدين .
كما يقولون : "الملح يرجى لإصلاح ما فسد فكيف الحال إذا الملح فسد ؟!!" ، ولنضرب المثال الآتي :
لو وضع شخص أمي ماءً قذراً في إناء وأعطاه لآخر فشربه فأصابه المرض، في هذه الحالة لا يعاقب الأمي لأن الثاني كان عالماً فلماذا شرب الماء؟
ومثله إذا كان شخص يصنع «المرطبات» بالفستق وماء الورد والحليب ويقدمه إلى المشتري بشكلٍ جميل وجذاب فإذا أكل أحدً من تلك «المرطبات» فتسمم عوقب ذلك البائع لجذبه المشترين وإغرائهم بلون المرطبات المعروضة وجهلهم بتسمّمها .
وعلى هذا المعيار تأتي المحاسبة الإلهية للشخصيات المرموقة في المجتمع مختلفةً عن محاسبة الآخرين .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة