مقالات

الزهراء (ع) بضعة الرسول (ص) (1)

 

السيد منير الخباز

ورد عن النبي محمد أنه قال: ”فاطمة بضعة مني، يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها“
نحن نقف مع هذا الحديث النبوي الشريف لنتأمل بعض معانيه:
المعنى الأول:
قوله : ”فاطمة بضعة مني“ الرسول الأعظم عبر عن الإمام الحسين والإمام علي وعبر عن السيدة الزهراء بتعبير آخر، قال: ”حسين مني وأنا من حسين“ وقال: ”علي مني وأنا منه“ فعبر بكلمة مني عن الحسين وعلي ولكنه عبر عن الزهراء بالبضعة، قال: ”فاطمة بضعة مني“ والبضعة هي القلب، فكأنه يقول: فاطمة قلبي الذي بين جنبي، هذا التعبير أعظم مدلولاً من التعبير بكلمة مني، فكلمة مني وأنا منه تشير إلى المسانخة والمشابهة، فهو عندما يقول: ”علي مني وأنا منه“ أو ”الحسين مني وأنا منه“ فهذا التعبير يعني أن هناك مسانخة ومشابهة بيني وبين علي، بيني وبين الحسين، ولكن عندما يعبر بالبضعة، فالبضعة تعني مدلولاً أعظم من المسانخة، وأعظم من المشابهة، البضعة تعني التمثيل ”بضعة مني“ تعني هي صورة عني، تمثلني، تجسدني، ”فاطمة بضعة مني“ أي أن فاطمة صورة أخرى عني، ومثال آخر عني، يجسدني ويمثلني في تمام فضائلي ومناقبي وتفاصيل حياتي.
إذن هناك فرق بين التعبير بمني الذي يفيد المسانخة والمشابهة، وبين التعبير بضعة مني فإن البضعة بمعنى القلب، تفيد التمثيل وأن هذا الشخص صورة أخرى عن النبي محمد .


المعنى الثاني:
أن كلمة بضعة مني تشير إلى أن قلب النبي وقلب الزهراء اشتركا في دور واحد، وفي منقبة واحدة، أي أن الله أعطى لقلب فاطمة دورا أعطاه لقلب النبي .
من المعروف أن قلب النبي موطن التنزيل، يعني أن القرآن الكريم نزل على قلب النبي القرآن الكريم يقول: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ القرآن نزل على قلب النبي ليس نزولاً حسيًّا أو صوريًّا، بل نزول حضوري، يعني أن حقائق القرآن، ومضامين ومقاصد القرآن نزلت في قلب النبي فأصبحت حاضرة فيه، هذا النزول الذي عبر عنه القرآن ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ أصبح قلبه موطن التنزيل، وحقائق القرآن، قبل أن ينزل بألفاظه لمدة 23 سنة، القرآن نزل مرتين، نزل مرة بحقائقه على قلب النبي، ونزل مرة بألفاظه مفرقا لمدة 23 سنة، والقرآن عبر عن النزول الأول بالإنزال ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ ﴿إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾.
وعبر القرآن عن النزول الثاني وهو النزول الحسي اللفظي لمدة 23 سنة بالتنزيل، حيث قال: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا﴾ وقال في آية أخرى: ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ وقال في آية أخرى: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ إذن القرآن كان عنده حقائق وتنزيلاً، كان في قلبه، ثم نزل بصياغته اللفظية الحسية لمدة 23 سنة، قلب النبي موطن التنزيل، وقلب فاطمة موطن التأويل، هذا الدور خص الله به الزهراء من بين الحجج المعصومين كلهم، خص بهذا الدور فاطمة، أن قلبها موطن التأويل كما كان قلب أبيها المصطفى موطن التنزيل.
في الرواية الصحيحة عن الإمام الصادق بعد وفاة النبي محمد دخل على الزهراء حزن شديد لفراق أبيها، فنزل عليها ملك يحدثها، تسمع صوته ولا تراه، وكانت إذا ذهب الملك نادت إلى أمير المؤمنين فأخبرته، والأمير يدون ما تذكره فاطمة الزهراء وليس غريبًا عليها أن تحدثها الملائكة، فلقد حدثت مريم ابنة عمران، حيث قال القرآن الكريم: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾ فكما أن مريم حدثتها الملائكة، كذلك حدثت السيدة الزهراء الملائكة، الكلام في الحديث هذا كان تأويل القرآن، هذا الذي يسمى بمصحف فاطمة.


الإمام الصادق في الرواية المعتبرة يقول: ”وإن عندنا مصحف فاطمة، ما هو بقرآن وليس فيه من القرآن حرف واحد، ولكن فيه بطونه وتأويله“ يعني أن القرآن الكريم له ظاهر وباطن، بطون القرآن كما ورد عن النبي : ”وإن للقرآن سبعين بطنًا، وإن للآية ظهرًا وبطنًا“ هذه البطون المعبر عنها بعلم التأويل، نزلت على قلب فاطمة الزهراء فأصبح قلبها كقلب أبيها، قلب أبيها موطن التنزيل، وقلبها موطن التأويل، ولذلك قال عنها أبوها: ”فاطمة بضعة مني، قلبها قلبي“ دور قلبها دور قلبي، كما أن قلبي موطن التنزيل، فإن قلبها موطن التأويل وهذا المعنى هو الذي أشار إليه الإمام الحسن العسكري : ”نحن حجج الله على الخلق، وفاطمة حجة علينا“ ليست فاطمة أفضل من أمير المؤمنين، أبوها أفضل منها، وزوجها أفضل منها، بعض العلماء يقول: أبناؤها أفضل منها، وهم أئمة عليها، ولكن الله تبارك وتعالى خصها بهذه المكرمة، وبهذا الشرف، إكرامًا لها، وإعظامًا لشأنها.
تمامًا كما خص الله الإمام علي بفضائل إكرامًا له، الإمام علي هو الذي اقتلع باب خيبر، هل صار أفضل من رسول الله؟ لا، لكن الله اختصه بهذه الفضيلة إكرامًا لشأنه، وإعظامًا لأمره ”إنما اقتلعته بقوة ربانية، لا بقوة جسمانية“
قد يختص الله بعض الأئمة ببعض الفضائل، وهذا لا يعني أنهم أفضل من غيرهم، الإمام الحسين خص بفضائل لم تثبت لا لأبيه الإمام علي، ولا لأخيه الإمام الحسن، الله تبارك وتعالى خصه بفضائل لم تثبت لغيره من الأئمة
وفيه   رسول   الله  قال  وقوله
حبي   بثلاث  ما  أحاط  بمثلها
له   تربة   فيها   الشفاء  وقبة   
 صحيح صريح ليس في ذلكم نكر
ولي  فمن زيد هناك ومن عمرو
يجاب بها الداعي إذا مسه الضر
هذه الخصوصية لم تثبت لأخيه الحسن، والرواية تقول: ”ما تكلم الحسين والحسن جالس قط“ الحسن إمام على الحسين، ولكن مع ذلك خص الله الحسين بفضائل لم تثبت للإمام الحسن
وذرية   ذرية  منه  تسعة       أئمة حق لا ثمان ولا عشر

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة