من التاريخ

تاريخ الصوم

السيد عبد الأعلى السبزواري

تقدم أنّ الصوم من أهمّ الوسائل التي يلتمس بها العبد التقرب إلى خالقه، وأعظم السُّبل في تحلية النفس بالفضائل وتخليتها عن الرذائل وأنّه أول ما يمكن أن يصدر من الحبيب في لقاء حبيبه، بالتنزه عما تشتهيه النفس من المستلذّات،

فهو من الخير الذي أمرنا اللّه تعالى بالاستباق إليه ولأجل ذلك وغيره مما هو كثير كتبه اللّه على الأمم السابقة، بل هو محبوب لدى جميع الأمم حتى الوثنية منها فلم يخل منه دين من الأديان سواء السماوية منها أم الوضعية، فقد يظهر من بعض الروايات أنّ المجوس كان لهم صوم، وأنّ الصيامية نحلة منهم تجرّدوا للعبادة وأمسكوا عن الطيبات من الرزق، وعن النكاح والذبح على ما هو المقرر عندهم و توجّهوا في عبادتهم للنيران.

وأما اليهود فالصوم عندهم هو الإمساك عن الأكل والشرب ولم يفرض عليهم إلا صوم يوم واحد، كما ورد في عهد [اللّاوييّن 16/ 29] وكان اليهود يصومون بعد ذلك أيامًا في مناسبات.

وكانوا في ذلك اليوم يلبسون المسوح، وينثرون الرماد على رؤوسهم، ويصرخون ويتضرعون ويتركون أيديهم غير مغسولة إلى غير ذلك من العقائد التي كانت عندهم في الصوم، وكان اليوم هو يوم التكفير أي: اليوم العاشر من الشهر السابع، كما في سفر اللاوييّن، وفيه يحاول اليهودي التشبه بالملاك، وهذا اليوم يسبق بتسعة أيام تسمّى بـ (أيام التوبة) حيث يطهرون خلالها تطهيرًا يكفل لهم النقاء في خلال العام القادم، والصوم عندهم يكون من غروب الشمس إلى مساء اليوم التالي.

وفي غير ذلك يصومون تذكاراً للرزايا التي وردت عليهم فخصّصوا أربعة أيام للصوم حزنًا بعد خراب الهيكل الأول، وهي اليوم التاسع من الشهر الرابع من كل سنة، وهو يوم استيلاء الكلدان على القدس.

واليوم العاشر من الشهر الخامس، وهو يوم احتراق الهيكل والمدينة. واليوم الثالث من الشهر السابع، وهو يوم استباحة نبوخذ نصّر لأُورشليم قتلاً ونهباً. واليوم العاشر من الشهر العاشر، وهو يوم ابتداء حصار القدس.

وأما النصارى– على اختلاف مذاهبهم- فهم متفقون على وجوب الصوم في الجملة فقد ورد في إنجيل [متى 6 ر 16] «ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين، فإنّهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين، الحق أقول لكم إنّهم قد استوفوا أجرهم، وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك لكي لا تظهر للناس صائمًا». وقد نسب إلى السيد المسيح أنّه صام أربعين يومًا بلياليها.

والصوم عندهم مفروض في أزمنة معينة خاصة وإن اختلفوا في قواعده فإنّه عند أكثرهم الانقطاع عن المأكل من نصف الليل إلى الظهر، فالكاثوليك منهم الصيام عندهم كثير وشديد، وهو عندهم:

الإمساك عن الطعام والشراب يومهم وليلهم ولا يأكلون إلا قرب المساء، وإذا أفطروا لا يشربون خمرًا، ولا يتأنقون في المأكل، والفرض عندهم هو الصوم الكبير السابق لعيد الفصح وما سواه فهو نفل، وهو كثير كصوم يوم الأربعاء تذكارًا للحكم على السيد المسيح ويوم الجمعة يوم صلبه، وكذا صوم الأيام الأربعة السابقة للميلاد وعيد انتقال العذراء، وعيد جميع القديسين، هذا ما كان عليه الكاثوليك أول الأمر ولكن جرت تغييرات في فروض الصوم حتى صار صوم كثير من الأيام السابقة فرضًا، ومن ذلك وجوب الصوم والانقطاع عن اللحم يوم الجمعة ما لم يقع يوم عيد، وأضيف إليه يوم السبت أيضًا. ومن ذلك صوم البارامون أي: صوم الاستعداد للاحتفال بالأعياد الكبرى.

وأما الروم الآثوذكس فأيام الصيام عندهم أكثر، وقوانينهم أشد، وأهمها

أربعة أولها: الصوم السابق لعيد الفصح.

الثاني: من العنصرة إلى آخر حزيران

الثالث: خمسة عشر يومًا قبل انتقال العذراء.

الرابع: أربعون يوما قبل الميلاد

وأما الأرمن والقبط والنساطرة فهم أشد الملل النصرانية في الصوم وأكثرها صومًا، وهو عندهم إجباري لا يجري فيه من التساهل ما يجري عند غيرهم، فإنّ الأرمن يصومون الأربعاء والجمعة من كل أسبوع إلا ما وقع منهما بين الفصح والصعود، ولهم أيضًا عشرة أسابيع يصومونها كل سنة. وبالجملة إنّ الصّوم عندهم يذهب بنصف السنة.

وأما البروتستانت فالصوم عندهم سنة حسنة لا فرض واجب، وهو عندهم الإمساك عن الطعام مطلقًا بخلاف سائر الطوائف المسيحية فإنّ الصوم عندهم الانقطاع عن بعض المآكل كما عرفت والصوم عند المسلمين هو الإمساك عن الأكل والشرب وغيرهما من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وفيه من الشروط والآداب والأحكام ما لم يكن لغيرهم، ولذا يفسده عندهم ما لا يفسده عند غيرهم.

وأما الفرض عندهم هو شهر رمضان، وغيره نفل يعم السنة إلا ما كان محرمًا كصوم يومي العيدين، وله أحكام كثيرة عندهم فلتراجع الكتب الفقهية.

وأما الصوم عند غير الأديان الإلهية، فالمصريون القدماء كانوا يصومون تعبدًا لإيزيس واليونان لذيميتيز- آلهة الزراعة- وكذا إذا أراد أحدهم أن ينخرط في زمرة المطلعين على أسرار كيبلي استعد لذلك بصوم عشرة أيام، وأما الرومان فقد كانوا أكثر صومًا من اليونان، ولهم أيام معلومة يصومونها كل عام تعبدًا لزفس وسيريس، و إن ألمّت بهم حادثة صاموا استعطافًا لمعبوداتهم.

وأما الهنود فقد فاقوا جميع الأمم بالصيام حتى إنّهم يقضون أيامًا لا يأكلون ولا يشربون ويألفونه صغارًا فلا يوهن قواهم كثرته كبارًا.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة