سياحة ثقافية

المسجد النّبوي الشريف

 

مسجدٌ أسّس على التّقوى

«خيرُ ما رُكبَت إليهِ الرَّواحلُ مسجدي هذا والبيت العتيق».  دخل رسول الله محمد  صلى الله عليه وآله المدينة في السّنة الأولى من الهجرة فطمع كل من سكانها الأنصار في نيل شرف استضافته باعتراض ناقته "القصواء"، لكنه (ص) قال لهم "خلّوا سبيلها فإنها مأمورة" إلى أن بركت في مربد لغلامين يتيمين من الأنصار هما سهل وسهيل، فطلب الرسول منهما أن يشتري المربد ليبني فيه مسجده فقالا "بل نهبه لك يا رسول الله..."، فأبى إلا أن يبتاعه منهما فدفع لهما الثمن عشرة دنانير كانت كافية لإيجاد المسجد النّبوي الشّريف ثاني أهم مسجد بعد القبلة الأولى لدى مسلمي هذه الأرض. كما أنّ هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة قد أحدثت تغيّراً كبيراً في واقع الدعوة الإسلامية آنذاك، حيث انتقل المسلمون من موقع إلى موقع أقوى ومن ظرف إلى ظرف أشد على أعداء الله والإنسان. وكان هذا المسجد هو نواة العمل الإصلاحي والتّنويري آنذاك، ونجد له امتدادًا في ذلك حتّى ثورة سبطه الإمام الحسين(ع).

 

أقسام المسجد

﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾. جعل أساس المسجد من الحجارة وحيطانه من اللبن، أمّا أعمدته فكانت من جذوع النخل، وسقفه من الجريد. وقد ترك في وسطه رحبة، وجُعل له محراب. كما جعا له ثلاثة أبواب، الأول في الجنوب حين كانت القبلة إلى بيت المقدس شمالا. والثاني في الشرق يسمى باب النبي، واشتهر بعد ذلك بباب جبريل، والثالث غربا ويعرف اليوم بباب الرحمة.

ولما تحولت القبلة إلى مكة المكرمة في السنة الثانية للهجرة، فتح باب في الجهة الشمالية وأغلق الباب الجنوبي. كما بنى النبي الكريم بجوار المسجد الحجرة التي سكنها وحجرات أزواجه المطهرات، وفيها قبره الشّريف(ص).

 

توسعة المسجد

عبر التاريخ، مرّ المسجد النبوي بتسع توسعات. فبعد عودة الرسول من غزوة خيبر في السنة السابعة للهجرة، أصبح المسجد يضيق بالمصلين، فتمت توسعته من جهة الشرق والغرب والشمال بزيادة أربعين ذراعا في العرض وثلاثين ذراعا في الطول فأصبح شكل المسجد مربعا. وبعد ذلك وسعه عمر بن الخطاب بإضافة ثلاثة أبواب أخرى: باب النساء، وباب الرحمة، وباب السلام. ثم وسعه عثمان بن عفان، بعدما ضاق بالمصلين، فاشترى الدور المحيطة به من الجهات الشمالية والغربية والجنوبية، أما الجهة الشرقية فلم يقربها لوجود حجرات زوجات النبي (ص) فيها.

وتواصلت التوسعة في العهد الأموي، حيث أمر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك واليه على المدينة المنورة عمر بن عبد العزيز عام 88 هـ بزيادة مساحة المسجد وإعادة إعماره، فبنيت المآذن الأربع في أركان المسجد، وأنشئ المحراب المجوف، وزخرفت حيطان المسجد من الداخل بالرخام والذهب والفسيفساء.

وزاد عدد أبواب المسجد النبوي في عهد الخليفة العباسي المهدي فصارت 24 بابا وتوسّعت مساحة المسجد إلى 8890 مترا مربعا، وبلغ عدد نوافذه 60 نافذة.

 

معالم المسجد النّبوي

- منبر الرسول (ص) 

كان الرسول (ص) يخطب في البداية على جذع نخلة، ثم صنع منبرا من ثلاث درجات. احترق المنبر عام 886 هـ، فبنى أهل المدينة منبرا من الآجر.

- الروضة

"ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي". وهو موضع في المسجد النبوي يقع بين المنبر وحجرة الرسول الكريم، وقد تم تحديدها بسجاد أخضر اللون يختلف عن بقية سجاد المسجد النبوي.

- الحجرة النبوية

وهي التي دُفن فيها النبي (ص)، ودفن فيها أبو بكر عام 13 هـ وعمر بن الخطاب عام 24 هـ.

- القبة الخضراء

سُميت بالقبة الزرقاء والبيضاء، ثم القبة الفيحاء قبل أن تسمى بالقبة الخضراء، بنيت بالخشب على رؤوس الأساطين المحيطة بالحجرة النبوية.

- المكتبة 

يحتضن المسجد النبوي مكتبتين، الأولى قديمة في وسط الحرم وتوجد بها مخطوطات تراثية، والثانية تقع على سطح الحرم من الجهة الغربية وتضم عددا كبيرا من الكتب والمجلدات ومكتبة رقمية. وقد ذكرت بعض المصادر أن المكتبة الأولى تأسست قبيل حريق المسجد النبوي، حيث ضاع الكثير من المصاحف والكتب التي كانت فيها.

- بئر حاء

وهو أحد آبار المدينة المنورة، كان يملكها الصحابي أبو طلحة الأنصاري، وعندما نزلت الآية ﴿لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون﴾، تصدّق بها أبو طلحة، وكان الرّسول (ص) يستعذب ماءها، وهي تقع الآن داخل المسجد النبوي من الجهة الشمالية.

 

فضائل المسجد النّبوي الشّريف

يطالعنا كتاب "تاريخ المسجد النّبوي الشّريف" للكاتب محمد عبد الغني في قسمه الأوّل عن فضائل ثاني أهم مسجد منذ فجر الإسلام حتّى اليوم. فعن أبي سعيد الخدري قال: «دخلت على رسول الله (ص) في بيت بعض نسائه فقلت: يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفا من حصباء فضرب به الأرض، ثم قال : هو مسجدكم هذا.

 

كما أنه أحد المساجد الثلاثة التي لا يجوز شدّ الرحال إلى مسجد إلا إليها، فعن أبي سعيد الخدري، عنه (ص) قال: «لا تُشَدُّ الرحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجدَ : المسجدِ الحرامِ، والمسجدِ الأقصَى، ومسجدي هذا».

أمّا من جاءه بهدف التعلم فهو كالمجاهد في سبيل الله، فعنه (ص): "من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلّمه أو يعلّمه فهو بمنزلة المجاهدين في سبيل الله، ومن جاء بغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره".

والمسجد هو موضع تنزل الرحمات، واستجابة الدعوات، والبشرى بالطيبات، ومنسكاً للأعمال الصالحات لقول الله تبارك وتعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}، فكيف لنا بمسجد سيّد الخلق أجمعين.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة