سياحة ثقافية

قباء مسجد الإسلام الأوّل

 

عن عقبة بن خالد: سألت أبا عبد الله عليه السلام : إنّا نأتي المساجد التي حول المدينة فبأيها أبدأ؟ فقال: ابدأ بقباء فصلّ فيه وأكثر، فإنه أول مسجد صلّى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله.

دخل النبي الأكرم (ص) قرية قباء الّتي تقع على ميلين من المدينة، والّتي تتميّز بفضاء حسن وطبيعة خلّابة وآبار كثيرة، مشيّدًا خلال إقامته هناك، أوّل مسجد في الإسلام بمساعدة سائر المسلمين الأنصار والمهاجرين.

 

المسجد نواة العمل الإسلامي

 أراد الاسلام أن ينصهر الجميع، أنصاراً ومهاجرين، في بوتقة الإسلام ليصبحوا كالجسد الواحد، في توادهم وفي تراحمهم وتعاونهم، وغير ذلك، وأن تتوحد جهودهم وأهدافهم لتستطيع أن تتعايش مع بعضها البعض، ولتكون في مستوى المسؤوليّة في عملية بناء للمجتمع المتكافل المتماسك، الذي هو نواة الأمة. وليصبح هذا المجتمع قادراً على تحمّل مسؤولية حماية الرسالة، والدفاع عنها، حينما يفرض عليه أن يواجه تحدي اليهود في المدينة، والعرب والمشركين، بل والعالم بأسره.

ومسجد قباء، هو الذي يمكن فيه تحقيق كل ذلك، إذ لم يكن مجرد محل للعبادة فقط. فالنبي (ص) أسس المسجد ليكون بمثابة مركز للقيادة والريادة، ففيه كان (ص) يستقبل الوفود، ويبت في أمور الحرب والسلم، ويفصل الخصومات. وفيه كان يتم البحث عن كل ما يهم الدولة وشؤونها.

لقد كان المسجد موضع عبادة وتعلم لما يفيد في أمور الدين والدنيا، ومحلا للبحث في كل المشاكل التي تهم الفرد والمجتمع، ومكاناً مناسباً للتعارف والتآلف بين المسلمين.

 

قباء، ووحدة الثقافة والفكر

ومما يكشف عن مكانة مسجد قباء ومنزلته في الفكر الإسلامي، الذي من خصائصه  أن فِيهِ: "رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ".

وقد كان مسجد قباء وسيلة لوحدة الثقافة والفكر والرأي، والدّور الذي لعبه آنذاك خدم أهداف الإسلام مع الشعور بالقدسية، والارتباط بالله تعالى، فيجب أن يبقى دور كلّ مسجد في زماننا كدوره، لأن الأهداف لا تنحصر في زمان دون أخر، وبعد الناس عن المساجد سبّب عدم تنمية الثقافة الإسلامية بالشكل المطلوب في مجتمعاتنا، وبعدَ الناس بعضها عن بعض، لذا علينا أن نقوّي ثقافتنا الإسلامية من خلال إحيائنا للمساجد كما أوصّى النّبي الأكرم (ص).

 

مسجد قباء وفضله

بعد نزول رسول الله (ص) في قباء، وخلال إقامته فيها أسس مسجد قباء، ويبدو أن صاحب الفكرة، والمباشر أولاً في وضع المسجد هو عمار بن ياسر. ومسجد قباء هو المسجد الذي نزل فيه قوله تعالى: ﴿لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ﴾.

 ويبدو أن بعض النساء قد شاركن في بناء مسجد قباء، فعن ابن أبي أوفى لما توفيت امرأته جعل يقول: احملوها وارغبوا في حملها، فإنها كانت تحمل - ومواليها - بالليل حجارة المسجد الذي أسس على التقوى، وكنا نحمل بالنهار حجرين حجرين. وقد ورد: أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر أبا بكر بأن يركب الناقة، ويسير بها ليخط المسجد على ما تدور عليه، فلم تنبعث به، فأمر عمر فكذلك، فأمر عليا، فانبعثت به، ودارت به، فأسس المسجد على حسب ما دارت عليه، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : إنها مأمورة.

وعن رسول الله (ص): من خرج حتى يأتي هذا المسجد - مسجد قباء - فصلّى فيه كان له عدل عمرة. وعنه صلى الله عليه وآله : من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم عمد إلى مسجد قباء لا يريد غيره ولم يحمله على الغدو إلا الصلاة في مسجد قباء، فصلى فيه أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بأم القرآن كان له مثل أجر المعتمر إلى بيت الله.

 

مسجد ضرار

أنزل الله في سورة التوبة: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ، لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ. 

وفيه أن بني عمرو بن عوف لما بنوا مسجد قباء، وكان يأتيهم رسول الله محمد ويصلي فيه، وحسدهم بنو غنم بن عوف وقالوا: نبني مسجداً ونرسل إلى رسول الله يصلي فيه، ويصلي فيه أبو عامر، وأبو عامر هو الذي سماه النبي بالفاسق، وقال الرسول: لا أجد قوما يقاتلونك إلا قاتلتك معهم. ولما خرج أبو عامر هارباً إلى الشام، وأرسل إلى المنافقين أن استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح، فإني ذاهب إلى قيصر وآت بجنود، ومخرج محمداً وأصحابه من المدينة، فبنوا مسجد الضرار إلى جانب مسجد قباء، وقالوا للنبي: بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والشاتية، ونحن نحب أن تصلي لنا فيه... فنزلت الآية، فدعا الرسول أصحابه فقال لهم: انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه واحرقوه.

 

التوسعة المستقبلية

تقوم هيئة تطوير المدينة المنورة بالتخطيط لمشروع الدراسة التخطيطية العمرانية لتوسعة مسجد قباء والمنطقة المحيطة به، لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الحجاج والزائرين، وتطوير المنطقة المحيطة به بتوفير المرافق والخدمات العامة والاجتماعية والسياحية مع المحافظة على التراث العمراني.

 كما ستشهد المنطقة المحيطة بالمسجد إنشاء متاحف متعددة بالإضافة الى مراكز للدراسات والبحوث. وسيتم إنشاء واحد من أكبر أسواق التمور في المدينة المنورة، وسوف يتم تنفيذ المشروع على أربع مراحل لتصل طاقة مسجد قباء الإستيعابية الى 55 ألف مصلي.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة