قراءة في كتاب

ظاهرة الثّورات: حتّى يغيّروا ما بأنفسهم!

 

ربى حسين .. 

"إنّ ما شجّعني على تأليف هذا الكتاب، هو النّقص الكبير في النّظريّات التي تتناول الثورات، وخاصة ما يحلّل ويفسّر وقوعها في الشّعوب الشّرقيّة".

بهذه الكلمات قدّم الدكتور مصطفى ملكوتيان، الأستاذ المساعد في قسم العلوم السّياسيّة في جامعة طهران، لكتابه "ظاهرة الثّورات" الّذي هو عبارة عن دروس ألقاها في العديد من الجامعات.

يفتح هذا الكتاب نافذة جديدة حول نظريّات الثّورة، بالاعتماد على الاعتبار الفلسفي لعلم الثّورات،  وعلى تجارب مهمة نجحت بالتّغيير. يؤكّد الأستاذ ملكوتيان أنّه ألّف هذا الكتاب على أساس معرفة الوجود على أساس ديني، فهو لم يحصر كشف المعلومات في التّجربة فقط، بل قبل بأدوار الوحي والاستدلال العقلي وغيرهما.

 

تقييم ونقد النّظريّات الماديّة الغربيّة

"إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم".

الثورة كمصطلح سياسي هي الخروج عن الوضع الراهن وتغييره، باندفاع يحركه عدم الرضا أو التطلع إلى الأفضل أو حتى الغضب. والثورة تدرس على أنها ظاهرة اجتماعية تقوم بها فئة أو جماعة ما، هدفها التغيير (لا تشترط سرعة التغيير)، وفقًا لأيدولوجية هذة الفئة أو الجماعة، ولا ترتبط بشرعية قانونية، كما تعبر عن انتقال السلطة من الطبقة الحاكمة إلى طبقة الثوار.

في مطلع هذا الكتاب يطرح ملكوتيان أسباب كثرة وتعارض النّظريّات، وتصنيف النّتائج العلميّة من حيث مستوى اعتمادها وحجم شموليّتها وظروف وخصائص اعتماد النّظريّات وأهمّيّتها، فيما تحتويه من أفكار وقيم ومواقف. كما يشار في هذا الفصل إلى اختلاف الأبحاث الحديثة عن مثيلاتها في الماضي بشأن الثّورة وتصنيفها حسب نوع التّغيّرات النّاجمة عنها، أو حتّى بحسب التّقسيم "الجغرافي- الثّقافي"، وقواسمها المشتركة من حيث المشاركة الجماهيريّة والتّغيير في البنية الرسميّة للثقافة والسّياسة والاقتصاد.

 

دراسة خلفيّات وظواهر الثّورات

إنّ النّظريّات المادّيّة الغربيّة في علم النفس وعلم ما يرتبط بالكون، قادت الكتّاب الى تبني النّظريات المادّية فقط في معرفة (المجتمع-السّياسة – الاقتصاد - علم النفس)، فقام هؤلاء بتجاهل الأهم من الواقعيّات، وهو الجانب غير المادّي في النّتائج التي يتوصّلون اليها.

وفي دراسة ظاهرة الثّورات، يشير الكاتب إلى أنّه لا بدّ من الاهتمام بمقولتين: الذّاكرة الاجتماعية والسّياسة الرمزيّة. فللذاكرة الجماعية فعاليّة مؤثرة في هذا الإطار وإحياؤها أمر مهم، وبإمكانها التّفاعل مع منظومة الثّوابت والقيم العصرية في إطار مظاهر عصرية حديثة، وتوظيف إمكاناتها في سبيل دفع عجلة الثورة الى الأمام. ومن جهة أخرى، تتكوّن السّياسة الرّمزيّة على أسس من المعايير الثّقافيّة والأحداث التّاريخيّة، وعليه فإنّ بمقدور النّاشط السّياسي والرّمز أن يوفّر فرصًا سياسية جديدة من خلال الكشف عن الأسرار والخفايا والخوض في التّحدّيات والأحداث المصيرية، بما ترتبط بماهية كيان الشعب وتطلّعاته ورغباته.

ويؤكّد ملكوتيان أن الخلفيّة الثّقافية ليس بمقدورها تحقيق المقاصد، ما لم تقترن بقدرة الثّوار، خاصة القياديين منهم، في إعداد أرضيّة وجوّ مناسب لتفعيل التّقاليد والسّنن، بعد ترشيدها إذا ما تطلّبت الظروف ذلك.

 

الشّهيد مطهّري والرّؤية الفطرية

يطرح ملكوتيان الّذي أهدى كتابه هذا إلى الشّهيد مطهري، وجهة النّظر الدّينية لتطوّر المجتمعات ويتبنّاها. وقد تمكّن هذا الشّهيد أن يوقد بنظرته الدّينيّة الثّاقبة، النّظريّات التي تعتمد الدّين والثّوابت الإسلاميّة في تبيانها وتحليلها للتطوّرات الاجتماعية.

وقد ذكر القرآن خلال سرده للقصص، عوامل وأسباب رقي وانحطاط وسقوط المجتمعات، كالعدالة والوحدة والأمر بالمعروف والفساد الأخلاقي، والّتي تعتبر من قبل بعض المنظّرين شكليّة ومهمّشة. وقد اعتبرها الشّهيد مطهّري، أنّها من خصائص الإسلام الّذي يلهم معتنقيه روح الرّفض للظّلم ونفي كل أشكال العدوان والبغي والحكم الجائر. "ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات وأولئك لهم عذاب عظيم".

وتبقى مواجهة  القوى الاجتماعيّة ذوات التطلّعات الاقتصاديّة والسّياسيّة الواعدة المقترنة بالبعد الإيماني، والاعتقادي الرّاسخ للسّلطة السّياسية، تستوجب وجود قيادة وقاعدة شعبيّة كبيرة متكاتفة، لتشكّل العامل الأهم في تحديد مصير هذه المواجهة. وإنّ الأنظمة السّابقة بسبب فقدانها لهذه القاعدة، انهارت وسقطت كجلمود صخرٍ حطّه السّيل من علٍ.

 

 التّجارب العمليّة للثورات الثّلاث.

يطرح الفصل الختامي لهذا الكتاب مسألة أسباب الثّورات، وطبيعة وكيفيّة حدوثها. كما يدرس المعطيات والتّجارب للثّورات الثّلاث المعاصرة (الرّوسية -الفرنسيّة- الإيرانيّة). هذه الثّورات بحسب ملكوتيان استطاعت أن تستوفي شروط قيام الثّورات، على الرّغم من صعوبة قياس القوّة غير الحسيّة، وحتى بعض العناصر الحسيّة لها، غير أنّ هذه النّماذج استطاعت في نهاية المطاف أن تتفوق على الحكومات والسّلطة السّياسيّة القائمة.

 ففي فرنسا كان للمبادرات والمشاريع الفكريّة الثقافيّة دور مهم ومشهود في توعية الشّعوب، وقد روّج لها مفكّرون كثر أمثال فولتير، وروسو، ومونتسكيو. أمّا روسيا فقد أنهكت جسد امبراطوريّتها الحروب وصراعات البلاط الملكي، ما جعل سبيلًا لتنامي الحركات الشّعبية ضدّ سلطتها، في وقت لعبت الأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة المزرية للفلاحين والعمّال، دورًا بارزًا في خلط أوراق الامبراطوريّة، وقلب الطّاولة على تاجها المرصّع.

ولقد تميّزت الثّورة الإيرانيّة عمّا سلف من نماذج لثورات ناجحة، بالصّبغة الدّينيّة والإيمانية لتطلّعاتها وقيادتها وأهدافها، في ظلّ وجود قاعدة شعبيّة إسلاميّة ملتزمة. وبالرّغم من أنّ نظام الشّاه كان يملك مؤسّسات استخبراتيّة، إلّا أنّه تلاشى وانهار أمام القوى الاجتماعيّة وقوّتها الّتي كانت تتعاظم يومًا بعد آخر.

 

وغدًا يوم آخر

يفتح ملكوتيان الباب أخيرًا للبحث في المجتمعات الّتي لم تشهد ثورات، في ظل توفّر الشروط الأساسيّة لقيامها، وقد لفت إلى أنّه يجب تحديد رؤية واضحة عن إمكانيّة حدوث الثورة أو عدمها. نافيًا أن تكون المجتمعات الغربيّة وديمقراطيّاتها، بمنأى عن رياح التّغيير تلك الّتي عصفت بدول العالم الثّالث.

كما أكّد أنّه وفي نهاية المطاف، لن تتمكّن هذه الدّول من مواجهة الأمواج العارمة، بل ستكون عرضة للأزمات الفكريّة والفلسفيّة، وما ينتج عنها من أزمات سياسيّة واقتصاديّة، ستؤدي إلى إنهيارات  كارثيّة لمدنٍ ودولٍ من ملح.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة