من التاريخ

غزوة دومة الجندل

 

السيد جعفر مرتضى ..

إيضاحات

1 ـ دومة الجندل : مدينة بينها وبين دمشق خمس ليال ، وتبعد عن المدينة خمس عشرة أو ست عشرة ليلة . وهي بقرب تبوك  .

وقيل : دومة الجندل : اسم حصن  .

2 ـ صاحب دومة الجندل هو أكيدر بن عبد الملك الكندي ، وهو يدين بالنصرانية ، وهو في طاعة هرقل ملك الروم  .

3 ـ هذه الغزوة أول غزوات النبي «صلى الله عليه وآله» إلى الروم  .

4 ـ قال المقدسي عن سنة خمس من الهجرة : «وهي سنة الزلازل» .

 

تاريخ هذه الغزوة

صرح البعض : بأن دومة الجندل كانت في أواخر السنة الرابعة  .

وقال بعض آخر : إنها كانت بعد غزوة ذات الرقاع بشهرين وأربعة أيام  .

وثالث يقول : إن الخندق كانت في السنة الرابعة ،ودومة الجندل بعدها في الخامسة  .

والأكثرون على أنها كانت في السنة الخامسة في شهر ربيع الأول منها  .

وعند ابن سعد : في شهر ربيع الأول على رأس تسعة وأربعين شهراً من مهاجره

 

هذه الغزوة

قال البعض : «أراد رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يدنو إلى أدنى الشام ، وقيل له : إنها طرف من أفواه الشام ؛ فلو دنوت لها كان ذلك مما يفزع قيصر الخ . .».

وقال بعض آخر : إنهم كانوا يعترضون المسافرين إلى المدينة وتجارهم.

غير أن جمعاً آخر من المؤرخين يقولون : إنه «صلى الله عليه وآله» سمع أن جمعاً من قضاعة وغسان تجمعوا بكثرة في دومة الجندل . وكان بها سوق عظيم ، وتجار ، بلغ رسول الله «صلى الله عليه وآله» : أنهم يظلمون من مر بهم . وأنهم يريدون أن يدنوا من المدينة .

فاستخلف «صلى الله عليه وآله» على المدينة سباع بن عُرفُطة الغفاري ـ وعند المسعودي : استخلف ابن أم مكتوم ـ وخرج لخمس ليال بقين من شهر ربيع الأول في ألف من أصحابه .

فكان يسير الليل ويكمن النهار ، ومعه دليل من بني عُذْرة يقال له مذكور . وقد نكب عن طريقهم ، فلما كان بينه وبين دومة يوم قال الدليل : يا رسول الله ، إن سوائمهم ترعى عندك ؛ فأقم حتى أنظر .

وسار مذكور حتى وجد آثار النعم ؛ فرجع وقد عرف مواضعهم ؛ فهجم النبي «صلى الله عليه وآله» على ماشيتهم ؛ فأصاب من أصاب ، وهرب من هرب في كل وجه .

وجاء الخبر إلى دومة الجندل ، فتفرقوا ، ورجع النبي «صلى الله عليه وآله» .

وفي نص آخر : ونذر به القوم ، فتفرقـوا ؛ فلم يجد إلا النعم والشـاء ، فهجم على ماشيتهم ورعاتهم فأصاب من أصاب ، وهرب من هرب في كل وجه ، وجاء الخبر أهل دومة ، فتفرقوا .

ونزل «صلى الله عليه وآله» بساحتهم ، فلم يلق بها أحداً ؛ فأقام بها أياماً ، وبث السرايا ، وفرقها ؛ فرجعوا ولم يصادفوا منهم أحداً ورجعت السرية بالقطعة من الإبل .

فرجع «صلى الله عليه وآله» ، ودخل المدينة في العشرين من ربيع الآخر ، فكانت غيبته خمساً وعشرين ليلة.

وقال المقدسي : «إن التجار والسابلة شكوا أكيدر الكندي عامل هرقل عليها ، فسار إليها في ألف رجل ، يسير الليل ويكمن النهار ، وأحس بذلك أكيدر فهرب ، واحتمل الرحل ، وخلى السوق ، وتفرق أهلها ، فلم يجد رسول الله «صلى الله عليه وآله» أحداً ، فرجع».

 

دومة الجندل حقيقة أم خيال ؟!

قال العلامة الحسني : «إن أخبار هذه الغزوة أكثرها عن الواقدي ، وأخباره في الغالب من نوع المراسيل ، ومن البعيد أن يترك النبي «صلى الله عليه وآله» المدينة قرابة شهر كامل ، كما يدَّعي المؤلفون في السيرة ، إلى مكان بعيد مسافة تزيد عن خمسة عشر يوماً ، والأعراب من حولها لا يزالون على الشرك ، وهم يترقبون المسلمين ، ويستغلون الفرصة المناسبة للوقيعة بهم . ومن ذا يمنعهم من المدينة إذا غاب عنها النبي «صلى الله عليه وآله» مع ألف من أصحابه وفيها من المنافقين ما لا يقل عدداً عن المسلمين وكانوا على اتصال دائم بقريش وأحلافها من المشركين ؟

من البعيد أن يتركها ليغزو أطراف الجزيرة المتاخمة لحدود الشام في مثل هذه الظروف إلا أن يكون مأموراً بذلك من الله سبحانه».

ونقول :

1 ـ إننا لا نستطيع أن نوافق على ما ذكره العلامة الحسني «رحمه الله» ، لأن ذلك لو كان ، لكان مانعاً من التحرك نحو أي من المناطق الأخرى ، قريبة كانت أو بعيدة . فإن كثيراً من الغزوات كان النبي «صلى الله عليه وآله» يغيب فيها أياماً كثيرة . فقد غاب في غزوة بدر الموعد ست عشرة ليلة ، منها ثمانية أيام أقامها في بدر ، والباقي في الطريق ذهاباً وإياباً ، وكانت غيبته في ذات الرقاع خمس عشرة ليلة ، وكانت غيبته في غزوة بني المصطلق ثمانية وعشرين يوماً .

فقد كان بإمكان الأعداء أن يغتنموا فرصة غيابه للإغارة على المدينة ، بصورة سريعة وخاطفة ، أو احتلالها ، لا سيما مع وجود اليهود والمنافقين ، والمشركين فيها وحولها .

2 ـ ومن جهة ثانية ، فإن سير الأحداث يعطي : أن الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» كانت له أجهزة استخبارات قوية وفاعلة لا يفوتها رصد أية تحركات أو تجمعات مريبة ، بل وحتى المؤامرات والنوايا أحياناً . وقد كانت مبثوثة في مختلف الأنحاء والأرجاء قريبة كانت أو بعيدة .

 

ومن الواضح : أن مهاجمة المدينة في غياب الرسول «صلى الله عليه وآله» يحتاج إلى جمع قوى كثيرة من مختلف القبائل ولن يخفى ذلك على عيون الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» .

3 ـ أضف إلى ذلك : أن النبي كان قد عقد تحالفات ومعاهدات كثيرة في المنطقة ، كما أنه قد عقد تحالفات مع سكان المدينة أنفسهم ، يلزمهم فيها الدفاع والنصر ، خصوصاً إذا هوجم ، فكيف إذا هوجموا ؟

4 ـ وحين يظعن النبي «صلى الله عليه وآله» عن المدينة ، فإنه لا يخليها نهائياً ، بحيث لا تبقى فيها أية قوة عسكرية قادرة على ضبط الوضع داخلياً ، والدفاع ضد العدو الخارجي قدر الإمكان لو دهمهم أمر ، وإلى أن يأتي الرسول «صلى الله عليه وآله» ، ويمسك هو بزمام المبادرة .

5 ـ مضافاً إلى أن ضرب المدينة في غياب النبي «صلى الله عليه وآله» لا يحسم الأمر ، بل هو سوف يعرض من تسول له نفسه ويقدم على ذلك إلى العقاب الصارم ، الذي لن يكون قادراً على دفعه عن نفسه . فإن الكل كانوا أصغر من أن يجرؤوا على ذلك ، بعد أن عجزت قريش وفشلت ذلك الفشل الذريع . ولم يكن لأي من القبائل ما كان لقريش من قوة وشوكة ، ونفوذ ومنعة في المنطقة بأسرها .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة