سياحة ثقافية

وفي ذاك الغار شعّ هذا الإسلام


 في ظلِّ الجاهليّة الصمّاء العمياء، التي كانَ يعيشها العالم، أراد الله للنور أن ينتشر ويولد، وأن يكون هذا النور في نبيّ الهُدى مُحمّد صلّى الله عليهِ وآله. فتبدّد الظلام الدامس ببعثة الـمصطفى عليه الصلاة والسلام، بنضارة قلبه ونور بصيرته التي جعلها الله له فيه، كانت المفتاح ليعتلي جبل النّور، ويختلي بنفسهِ في إحدى كهوفه "غار حراء"، فيسمو والبشريّة جمعاء الى الملكوت الأعلى.


جغرافيّته
يقع جبل النور شمال شرق المسجد الحرام، ويطل على طريق العدل، ويستغرق الصعود إليه مدّة نصف ساعة، يتكوّن الجبل من قطع صخرية، وسمي بهذا الاسم لظهور أنوار النبوة فيه. فقد كان النبي يخلو فيه بنفسه ليعبد الله قبل البعثة في غار حراء. ويبلغ ارتفاع هذا الجبل 642 متراً، وينحدر انحداراً شديداً من 380 متراً حتى يصل إلى مستوى 500 متر، ثم يستمر في الانحدار على شكل زاوية قائمة حتى قمة الجبل، وتبلغ مساحته حوالي خمسة كيلو مترات مربعة، وتشبه قمته الطربوش أو سنام الجمل.


نزول الوحي
يحكي الغار ذكريات أعظم البشر، الذي طالما تردّد إليه، وقضى الساعات والأيّام والأشهر في رحابه، يتعبد اللّه ويتأمّل في الكون وفي آثار قدرة اللّه وعظمته.
 إذ أنّ النبي محمد (ص) كان يفكّر في أمرين قبل أن يبلغ مقام النبوة:
 1. ملكوت السماوات والأرض، فيرى في ملامح كلّ من الكائنات، نور الخالق العظيم وقدرته وعظمته، فتفتح عليه نوافذ من الغيب، تحمل إلى قلبه وعقله النور الإلهي المقدّس.
 2.المسؤَولية الثقيلة التي ستوضع على كاهله، فكان يفكر في فساد حياة المجتمع المكي، وكيفية رفع كلّ ذلك وإصلاحه.
 وأمّا الرسالة الإلهية إليه، فقد أمر اللّه تعالى جبريل (ع) بأن ينزل على أمين قريش في الغار، ويتلو على مسامعه بضع آيات كبداية لكتاب الهداية والسعادة، معلناً بذلك تتويجه بالنبوة وتوليه لمقام الرسالة، فطلب منه أن يقرأ، أو قال: يا محمّد اقرأ، قال: وما أنا بقارئ؟ قال: يا محمّد (اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الّذي خَلَق* خَلَقَ الاِنْسانَ مِنْ عَلَق*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الاَكْرَم* الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَم* عَلَّمَ الاِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَم) ثمّ أوحى إليه ربّه عزّ وجلّ ما أمره به، ثمّ صعد إلى العلوّ، ونزل محمّد من الجبل، وقد غشيه من تعظيم جلال اللّه، وورد عليه من كبير شأنه، ما ركبه الحمى والنافض.


اقرأ بأسم ربك الذي خلق
 أوضحت هذه الآيات برنامج النبي، وبيّنت بشكل واضح أنّ أساس الدين يقوم على القراءة والكتابة والعلم والمعرفة باستخدام القلم. ثمّ خاطبه الملك: يا محمّد، أنت رسول اللّه، وأنا جبريل. وقد اضطرب الرسول لهذين الحدثين، لعظمة المسؤولية التي أُلقيت على كاهله، فترك غار حراء متوجّهاً إلى بيت السيدة خديجة، التي لاحظت الاضطراب على ملامحه. حدّث النّبي (ص) خديجة (ع) بكلّ ما سمع وجرى، فعظمت أمره ودعت له وقالت: أبشر، فواللّه لا يخزيك اللّه أبداً.
خرج النبي من الغار محفوفًا بالمعنويات الرحمانية، وأحس بقدرة الله سبحانه ترافقه وتعضده. وبعدها هبط عليه الأمين جبريل ليفجّر الطاقات الروحية عنده فخاطبه: (يا أيها المدثر، قم فأنذر، وربك فكبر....). وهكذا راح محمد يدعو كل من يتوسّم فيه الاستجابة للدين، وكان أول من أسلم من الذكور أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، ومن النساء زوجته خديجة(ع).
 كانت روح النبي الكريم مهيّأة من جميع الجهات وبصورة كاملة لتلقّي السرّ الإلهي ـ النبوة ـ وما لم تكن نفسيته كذلك، فإنّ اللّه تعالى، لم يكن ليمنّ عليه بمنصب النبوة ويختاره لمقام الرسالة، لأنّ الهدف الجوهري من انبعاث الرسل والأنبياء، هو هداية الناس وإرشادهم.
 قال الإمام الصادق : (إنّ اللّه إذا اتّخذ عبداً رسولاً، أنزل عليه السكينة والوقار، فكان يأتيه من قِبَل اللّه عزّ وجلّ مثل الذي يراه بعينه). وفسر العلاّمة الكبير الطبرسي ذلك، بأنّ اللّه لا يوحي إلى رسوله إلاّ بالبراهين النيّرة، والآيات البيّنة الدالة على أنّ ما يوحى إليه؛ إنّما هو من اللّه تعالى، فلا يحتاج إلى شيء سواها ولا يفزع ولا يفرق.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة