من التاريخ

غزوة بني النضير

 

سبب الغزوة

إنّ اليهود الذين كانوا بنواحي المدينة المنوّرة ثلاثة أبطن: بنو النضير، وقريظة، وقينقاع، وكان بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) عهد ومدّة، فنقض بنو النضير عهدهم، إذ خرج (صلى الله عليه وآله) إليهم في نفرٍ من أصحابه، وكلّمهم أن يعينوه في ديّة رجلينِ من الكلابيين، قتلهم عمرو بن أُمية الضمّري.

فقالوا: نفعل يا أبا القاسم، اجلس هنا حتّى نقضي حاجتك، وخلا بعضهم ببعض فتأمروا بقتله (صلى الله عليه وآله)، واختاروا من بينهم عمرو بن جحّاش أن يأخذ حجر رحى فيصعد فيلقه على رأسه (صلى الله عليه وآله) ويشدخه به، وحذّرهم سلام بن مشكم، وقال لهم: لا تفعلوا ذلك، فو الله ليُخبرن بما هممتم به، وإنّه لنقض العهد الذي بيننا وبينه.

جاءه (صلى الله عليه وآله) الوحي، وأخبره ربّه بما همّوا به، فقام من مجلسه مسرعاً وتوجّه إلى المدينة، ولحقه أصحابه واستفسروه عن قيامه وتوجّهه، فأخبرهم بما همّت به بنو النضير.

أرسل (صلى الله عليه وآله) إليهم محمّد بن مسلمة، قائلاً له: «اذهب إلى اليهود فقل لهم: أُخرجوا من بلدي فلا تساكنوني، وقد هممتم بما هممتم به من الغدر، وقد أجّلتكم عشراً، فمَن رُئي بعد ذلك ضُربت عنقه»، فأقاموا أيّاماً يتجهّزون للخروج.

فأرسل إليهم عبد الله بن أُبي بن سلول: لا تفعلوا ـ أي لا تخرجوا من المدينة ـ فإنّ معي من العرب ومن قومي ألفين يدخلون معكم، وقريظة وحلفاؤكم من غطفان يدخلون معكم، فطمع حيي بن أخطب سيّد بني النضير في ذلك، ونهاه سلام بن مشكم أحد رؤسائهم، وقال له: إنّ ابن أُبي يريد أن يورّطكم في الهلكة، ويجلس في بيته، ألا تراه وعد بني قينقاع مثل ما وعدكم، وهم حلفاؤه فلم يفِ لهم، فكيف يفي لنا ونحن حلفاء الأُوس؟ لم يقبل حيي بن أخطب، وأرسل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك، فكبّر(صلى الله عليه وآله) وكبّر المسلمون، وقال: «حاربت يهود».

تجهّز لحربهم، واستخلف على المدينة ابن أُمّ مكتوم ـ وكان أعمى ـ فلذلك كان كثيراً ما يستخلفه على المدينة، لأنّه لا يقدر على القتال، وأعطى (صلى الله عليه وآله) رايته للإمام علي (عليه السلام).

ولكن اعتزلت بني قريظة، فلم تعن بني النضير، وخذلهم ابن أُبي وحلفاؤهم من غطفان، وذلك قوله تعالى: (أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُوا لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ).

وقوله تعالى: (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ).

وسار(صلى الله عليه وآله) بالناس حتّى نزل ببني النضير، فصلّى العصر بفنائهم وقد تحصّنوا، وقاموا على حصنهم يرمون بالنبل والحجارة.

 

شجاعة الإمام علي (عليه السلام)

أمر(صلى الله عليه وآله) بلالاً أن يضع القبّة في أقصى بني حطمة من البطحاء، وكان رجل من يهود اسمه عزور، رامياً يبلغ نبله ما لا يبلغه نبل غيره، فوصل نبله تلك القبّة، فأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن يحوّل قبّته إلى السفح فحوّلت.

لمّا اختلط الظلام فقدوا الإمام علي(عليه السلام)، فقال الناس: يا رسول الله ما نرى علياً؟ فقال: «أراه في بعض ما يصلح شأنكم»، فلم يلبث أن جاء(عليه السلام) برأس غزور، فطرحه بين يدي النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فقال له النبيّ(صلى الله عليه وآله): «كيف صنعت يا أبا الحسن»؟

فقال(عليه السلام): «إنّي رأيت هذا الخبيث جرياً شجاعاً فكمنت له، وقلت: ما أجرأه أن يخرج إذا اختلط الليل يطلب منّا غرّة؟ فأقبل مصلتاً بسيفه في تسعة نفر من اليهود، فشددت عليه وقتلته، فأفلت أصحابه، ولم يبرحوا قريباً، فابعث معي نفراً، فإنّي أرجو أن أظفر بهم»، فبعث رسول الله(صلى الله عليه وآله) معه عشرة، فيهم أبو دجانة سمّاك بن خرشة، وسهل بن حنيف، فأدركوهم قبل أن يلجئوا إلى الحصن فقتلوهم، وجاءوا برؤوسهم إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله)، فأمر أن يطرح في بعض آبار بني حطمة، وكان ذلك سبب فتح حصون بني النضير.

 

محاصرة بني النضير

حاصرهم (صلى الله عليه وآله) خمسة عشر يوماً، وكان سعد بن عبادة في تلك المدّة يبعث التمر إلى المسلمين، وقطع (صلى الله عليه وآله) نخلهم وحرق لهم نخلاً بالبويرة، فنادوه: يا محمّد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه، فما بال قطع النخل وتحريقها؟ فانزل الله تعالى: (مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ).

واللينة واحدة اللين، وهو نوع من النخل، ويروى أنّ جميع ما قُطع وحُرق من النخل ستّ نخلات، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فقالوا: نخرج عن بلادك، فقال: «لا أقبله اليوم، ولكن أُخرجوا ولكم دماؤكم، وما حملت الإبل من أموالكم إلّا الحلقة» أي آلة الحرب، فنزلوا على ذلك، فكانوا يخرّبون بيوتهم بأيديهم، فيهدم الرجل بيته عمّا استحسن من باب ونجاف وغيرهما، لئلّا ينتفع بها المسلمون.

وكان المسلمون أيضاً يخرّبون ممّا يليهم، وذلك قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ( أي خروجاً مؤبّداً ) مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاَء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، فخرجوا إلى خيبر، ومنهم مَن خرج إلى الشام.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة