لقاءات

علي سليس: الرواية عندي مسرح دمى.. على ورق

 

نسرين نجم .. 

الموهبة تولد مع الإنسان، إما أن ينميها ويهتم بها ويطورها، وإما أن يتركها لمهب الرياح، فيخسر هبة ربانية لا تعوض، إلا أن الكاتب الشاب علي سليس، اختار الطريق الأول، فاكتشف موهبته وعمل عليها، ليحصد نجاحات متلاحقة في عالم كتابة الرواية، إذ برز اسمه فيها وهو في عمر صغير، رغم أن تخصصه بعيد كل البعد عن عالم الأدب؛ فهو طالب سنة خامسة طب بشري وجراحة بجامعة الدمام، أما  علاقته بالرواية فكما يقول:" كانت تصاعدية  بدأت بتلك الحكايا التي يقصّها الصغار قبل النوم، أو تُقصّ لهم. تنامت وبدأت تنضج -ولا أقول أنها نضجت- تدريجيًا مع القراءة والتجربة".

وحول سبب اختياره كتابة الروايات، وماذا يعني له الدخول في هذا العالم يقول سليس: "الأدب مُجملًا هو محاولة للتحايل على الواقع، محاولة لتحميل الحروف ما لا يحتمل الكلام، محاولة لإعادة هيكلة الموجودات. قد لا يكون الأدب عامل تنظيم، بقدر ما أنه يكون عامل بعثرة، في كثير من الأحيان.. وهنا يكمن سحره. أما الرواية، تحديدًا، فهي -كما أظن- ألذّ وأذكى طريقة لتحقيق هذا الهدف. فلا شيء أكثر متعة من أن يكون الكون بين يديك، مجموعة دمى.. وأنت تحركها. من أن تختار للأشياء أشكالها، أقدارها.. وحتى أمانيها ومخاوفها. الرواية عندي مسرح دمى.. على ورق".

يقال بأن خلف كل كاتب أشخاصًا يدعمونه، فمن هم الداعمون لعلي سليس، وبمن تأثر قلمه؟ يجيب سليس:" الأهل لهم أثر كبير بالطبع. قد لا يكون الأثر كما قد يتوقع البعض، عبر التشجيع المباشر أو غيره. ولكنهم كانوا يحفّزونني دون أن يشعروا، على أن أنظر للحياة بأعينهم. فحكايا جدّتي التي تعيدها دوريًّا، القصص التي يخترعها لي أبي قبل أن أنام، والأفكار التي تدونها أمي معي.. كلها.. كانت تحرّك فيّ شيئًا ما. ووفقت برجلين كان لهما الأثر العظيم في مسيرتي، ولا أنساهما ما حييت؛ وهما العمّ عبدالباقي البصارة الذي لطالما كان لي المنار والدليل، والمنهل الذي لم يبخل عليّ بثقافته وفكره، وقلبه الطيّب الذي مازال يغمرني ويدفعني دائمًا إلى أن لا أتوقف، وبوجوده أستشعر أهمية ما أقوم به. وكذلك خالي فاروق الذي كان من أوائل من آمنوا بأنني قد أستطيع أن أحقق شيئًا، وأمسك بيدي منذ الخطوة الأولى وقبل أن يكون لي أي إنجاز حقيقي، وأعتقد أنه لولا وجوده في حياتي، لما كنت على ما أنا عليه الآن".

 وانطلاقًا نصل إلى سؤاله حول الانجاز الأدبي الذي حققه في عمر صغير، المتمثل بإصداره لكتاب "الحرباوات" الذي نال جائزة عنه، يقول سليس:" الحرباوات؛ كانت أول محاولة حقيقية لتطويع الحكايا التي يمتصّها عقلي الباطن، كقطعة إسفنج؛ ومن ثم يُفرزها كقصة.. قصة طويلة، يُصطلح عليها  "رواية". ولعلّي أخبرك هنا بأنني لا أتفق مع الكثير مما جاء في الحرباوات -وذلك طبيعي- كونها كُتِبَت في عمر مبكرة جدًا، وقبل ما يقارب التسع سنوات، ولكنني ما زلت أنتمي إليها..  وأجدني فيها أكثر من أي مكان آخر. الحرباوات فازت بجائزة القطيف للإنجاز؛ وتلك هي النقلة التي صنعت فيّ الكثير.. وغيرت الكثير. ولو تكلمت عنها ما تكلمت فلن أنصفها حق قدرها."

من يقرأ للأستاذ علي سليس يجد دائمًا شخصية  "العمة مريم" موجودة بقوة في كل قصصه، فمن هي العمة مريم وماذا تعني له؟ يقول سليس:" العمّة مريم جنّة على أرض اقترنت بطفولتي، وشبابي إلى حدّ كبير، هي واحدة من تلك الأشياء التي تُلهِمنا دون أن تتعمد ذلك. للعمة مريم حضور بهيّ مهيب، برغم بساطتها ووداعتها. فحتى لو لم أتطرق لقصتها التي هي في الأصل حكاية أخرى، وجود العمة مريم في حياتنا كان فصلًا مفصليًّا في تكويننا ونظرتنا للحياة. ناهيك عن دعائها لي ومتابعتها لأخباري بشكل كان يُشعرني بحبها الحقيقي الذي لا يُعوّض. وللتوضيح هي في الواقع ليست عمتي مباشرة، بل ابنة عم والدي. ولكن لفرط قربنا منها لا نُفرّق بينها وبين عمتي."

وبالانتقال إلى الطفرة الروائية الحاصلة في العالم العربي ورأيه في هذا الموضوع ينظر سليس إلى ذلك بإيجابية إلا إذا صار المنتج الروائي فارغًا دون قيمة: "هي في ظاهرها جيدة أن يتجه الناس نحو الكتاب والثقافة، هو أمر صحّي لا محالة. ولكن المشكلة -للأسف- هي أن الأمر تحول إلى ثقافة قشريّة، تُعنى بالكم والمظهر على حساب المخبر، وهنا المشكلة. هذه الطفرة السريعة وتحوّل القراءة إلى واحد من أشكال مسايرة الموضة، أفقدها جوهرها والفكرة من ورائها. فهي في الحقيقة تصير بلا قيمة ولا معنى إن كانت هدفًا وغاية.. لا وسيلة. أتمنى أن تكون هذه بداية حقيقية لمرحلة أكثر نضجًا نحن حتمًا بحاجة إليها." وحول الشروط التي يجب أن تتوفر في من يرغب بأن يكون روائيًا يقول سليس: "الرواية فن؛ والفنون لا تُحدّد بشرط أو قيد. باستطاعة الأطفال الذين يعيدون حياكة القصص بطريقتهم الخاصة أن يصبحوا روائيين؛ بل إنني أعتقد أن كل طفل هو قاصّ بالفطرة، إلى أن تُسمم تربته الخصبة، فتموت قدرته على القصّ. ولكن كون الفرد روائيًّا بحد ذاته لا يكفي. الرهان هو على كونه روائيًا حقيقيًا.. أم لا."

 وبما أن العالم الافتراضي غزا كل بيوتاتنا وعوالمنا الخاصة، سألنا الأستاذ سليس عن محاسن الأمر ومساوئه فأجاب: "في الحقيقة، هو عامل إيجابي وسلبي في نفس الوقت، ولكن أعتقد أن ضرره جاء للأسف أكثر من نفعه، ذلك أنه عزّز الثقافة الاستهلاكية بين الناس، وصارت الأشياء مجوّفة من معانيها، والهدف هو إظهارها لمجرد الإظهار..  والرواية والقراءة ليستا بمعزل عن هذه الأشياء. ولكن مجددًا ما يزال الأمل موجودًا بأن تُستغل هذه الوسائل بالطرق الصحيحة."

ولعلي سليس اهتمامات أخرى تتعلق بنشاطات شبابية متنوعة منها الطاولة المستديرة؛ التي تحدث عنها بقوله: "محاولة لتنوير الشباب واستغلال طاقاتهم وأفكارهم. كنتُ أنزعج من أن أرى عددًا لا يُستهان به من الشباب ممن لديهم عقليات خصبة ولكنها مُهدرة بعدم اكتشافها أو تأخره؛ بالإضافة للشح البالغ في البرامج الموجهة للشباب. فجاءت الطاولة المستديرة، وعدد من البرامج الثقافية الموجهة للشباب تحديدًا، كمحاولة لصنع التغيير الذي أنشده، ولأكون جزءًا منه. والحمدلله جاءت الأصداء إيجابية وتفرعت منه عدد من البرامج والنشاطات الأخرى التي اتسعت رقعتها وشملت مناطق أخرى خارج القطيف."

 وحول أنشطته المستقبلية للعام ٢٠١٧، وإذا ما كان سيشهد مولودًا روائيًّا جديدًا لله يقول: "مشكلتي هي أن نظرتي للأشياء والأفكار صارت تتغير بشكل سريع، إلى حد أنني أناقض الأفكار التي قد أطرحها بشكل ما، وما أقصده كان أكثر وضوحًا في "أوبة". مع تغير نظرتي للرواية والأدب عمومًا، بدأت أشعر بأنني أحتاج إلى تعميق تجربتي أكثر قبل أي خطوة".

____________

علي عبد الله سليس: مواليد عام 1995

حائز على المركز الأول في مسابقة مكة المكرمة للقصة القصيرة على مستوى طلاب المملكة - ٢٠٠٩

حائز على جائزة القطيف للانجاز - فرع الادب - ٢٠١٠

حائز على جائزة المركز الوطني للقياس والتقويم للتميز العلمي للطلبة الأوائل على مستوى المملكة - ٢٠١٢

حاصل على لقب "نجم المايك" في الإذاعة والتقديم - ٢٠١٤

"قارئ العام" باختيار الجمهور في مسابقة اقرأ الوطنية - ٢٠١٥

المركز الأول في مسابقة الوسط للقصة القصيرة للكتاب العرب (مملكة البحرين) - ٢٠١٦

 

مواقيت الصلاة