من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطبطبائي
عن الكاتب :
مفسر للقرآن،علامة، فيلسوف عارف، مفكر عظيم

حال المرأة عند العرب ومحيط حياتهم (محيط نزول القرآن)


السيد محمد حسين الطباطبائي ..
قد كانت العرب قاطنين في شبه الجزيرة وهي منطقة حارة جدبة الأرض ، والمعظم من أمتهم قبائل بدوية بعيدة عن الحضارة والمدنية ، يعيشون بشن الغارات ، وهم متصلون بإيران من جانب وبالروم من جانب وببلاد الحبشة والسودان من آخر.
ولذلك كانت العمدة من رسومهم رسوم التوحش ، وربما وجد خلالها شيء من عادات الروم وإيران ، ومن عادات الهند ومصر القديم أحيانًا.
كانت العرب لا ترى للمرأة استقلالا في الحياة ولا حرمة ولا شرافة إلا حرمة البيت وشرافته ، وكانت لا تورث النساء، وكانت تجوز تعدد الزوجات من غير تحديد بعدد معين كاليهود ، وكذا في الطلاق ، وكانت تئد البنات ، ابتدأ بذلك بنو تميم لوقعة كانت لهم مع النعمان بن المنذر ، أسرت فيه عدة من بناتهم ، والقصة معروفة فأغضبهم ذلك فابتدروا به ، ثم سرت السجية في غيرهم ، وكانت العرب تتشأم إذا ولدت للرجل منهم بنت يعدها عارًا لنفسه، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ، لكن يسره الابن مهما كثر ولو بالدعاء والإلحاق حتى أنهم كانوا يتبنون الولد لزنا محصنة ارتكبوه ، وربما نازع رجال من صناديدهم وأولي الطول منهم في ولد ادعاه كل لنفسه.
وربما لاح في بعض البيوت استقلال لنسائهم وخاصة للبنات في أمر الازدواج فكان يراعي فيه رضى المرأة وانتخابها ، فيشبه ذلك منهم دأب الأشراف بإيران الجاري على تمايز الطبقات.
وكيف كان فمعاملتهم مع النساء كانت معاملة مركبة من معاملة أهل المدنية من الروم وإيران كتحريم الاستقلال في الحقوق ، والشركة في الأمور العامة الاجتماعية كالحكم والحرب وأمر الازدواج إلا استثناء ، ومن معاملة أهل التوحش والبربرية ، فلم يكن حرمانهن مستندًا إلى تقديس رؤساء البيوت وعبادتهم ، بل من باب غلبة القوي واستخدامه للضعيف.
وأما العبادة فكانوا يعبدون جميعًا رجالًا ونساء أصنامًا يشبه أمرها أمر الأصنام عند الصابئين أصحاب الكواكب وأرباب الأنواع ، وتتميز أصنامهم بحسب تميز القبائل وأهوائها المختلفة ، فيعبدون الكواكب والملائكة وهم بنات الله سبحانه بزعمهم ويتخذونها على صور صورتها لهم أوهامهم ، ومن أشياء مختلفة كالحجارة والخشب ، وقد بلغ هواهم في ذلك إلى مثل ما نقل عن بني حنيفة أنهم اتخذوا لهم صنمًا من الحيس فعبدوه دهرًا طويلا ثم أصابتهم مجاعة فأكلوه فقيل فيهم :
 أكلت حنيفة ربــها.                    زمن التقحم والمجاعة.
لم يحذروا من ربهم.                   سوء العواقب والتباعة.


وربما عبدوا حجرًا حتى إذا وجدوا حجرًا أحسن منه طرحوا الأول وأخذوا بالثاني ، وإذا لم يجدوا شيئًا جمعوا حفنة من تراب ثم جاءوا بغنم فحلبوه عليها ثم طافوا بها يعبدونها.
وقد أودعت هذا الحرمان والشقاء في نفوس النساء ضعفًا في الفكرة يصور لها أوهامًا وخرافات عجيبة في الحوادث والوقائع المختلفة ضبطتها كتب السير والتاريخ.
فهذه جمل من أحوال المرأة في المجتمع الإنساني من أدواره المختلفة قبل الإسلام وزمن ظهوره ، آثرنا فيها الاختصار التام ، ويستنتج من جميع ذلك : أولا : أنهم كانوا يرونها إنسانًا في أفق الحيوان العجم ، أو إنسانًا ضعيف الإنسانية منحطًا لا يؤمن شره وفساده لو أطلق من قيد التبعية ، واكتسب الحرية في حياته ، والنظر الأول أنسب لسيرة الأمم الوحشية والثاني لغيرهم ، وثانيًا : أنهم كانوا يرون في وزنها الاجتماعي أنها خارجة من هيكل المجتمع المركب غير داخلة فيه ، وإنما هي من شرائطه التي لا غناء عنها كالمسكن لا غناء عن الالتجاء إليه ، أو أنها كالأسير المسترق الذي هي من توابع المجتمع الغالب ، ينتفع من عمله ولا يؤمن كيده على اختلاف المسلكين ، وثالثًا : أنهم كانوا يرون حرمانها في عامة الحقوق التي أمكن انتفاعها منها إلا بمقدار يرجع انتفاعها إلى انتفاع الرجال القيمين بأمرها ، ورابعًا : أن أساس معاملتهم معها فيما عاملوا هو غلبة القوي على الضعيف وبعبارة أخرى قريحة الاستخدام ، هذا في الأمم غير المتمدنة ، وأما الأمم المتمدنة فيضاف عندهم إلى ذلك ما كانوا يعتقدونه في أمرها : أنها إنسان ضعيف الخلقة لا تقدر على الاستقلال بأمرها ، ولا يؤمن شرها ، وربما اختلط الأمر اختلاطًا باختلاف الأمم والأجيال.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة